الإمام الحسين «عليه السلام» علّمنا حينما نُخيّر بين العز وبين الذل، ونخيّر بين الحرية والاستعباد والقهر، أن نقول كما قال: ((هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون))، ((هيهات منا الذلة))، أن نقول: ((لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرُّ إقرار العبيد))، وهذه المقولة العظيمة التاريخية أطلقها من منبعها الإيماني، ومن مصدرها القرآني، الإمام الحسين قال: ((يأبى الله لنا ذلك))، لم تكن فقط مجرد مقولةٍ أطلقها في حالة ثورة، أو مقولة انفعالية، إنها مقولةٌ ناشئةٌ عن مبدأ، ومن منطلقٍ دينيٍ وإيمانيٍ وحق، لم تكن حالة انفعال، عبّر فيها هذا التعبير. ((يأبى الله لنا ذلك))، إن الله لا يرضى لنا بأن نقبل لأنفسنا، أو أن نرضى لأنفسنا بالذلة، وأن نقبل لأنفسنا بالهوان، وأن نقبل بالاستعباد، ((لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرُّ إقرار العبيد)).
ونجد أنفسنا اليوم وأمتنا تواجه كلا الحالتين، تواجه الكثير من الحكام المتسلطين، الجائرين، الظالمين، الذين يستبيحون الحُرَم، لا يحرّمون الحرام، ولا يحلّون الحلال، من العاملين في عباد الله بالإثم والعدوان، والذين هم- أيضاً- يمارسون مع الأمة ويفرضون عليها هذين الخيارين: إما السِّلة، إما القتال، والحصار، والعدوان، والحرب، والقتل، والأوبئة، والفقر… وإما الاستعباد، والإذلال، والهوان؛ وبالتالي يلحق به كل ذلك، يعني: حتى لو قبلت الأمة على نفسها بالذلة، قبلت بالهوان، واستسلمت ورضخت وخنعت لأولئك الطغاة، لأولئك المستكبرين، كان سيحصل ما هو أسوء، يتمكنون بأكثر مما يمكن أن ينالوه من الأمة وهي في حال عزتها وصمودها وثباتها واستبسالها ومواجهتها لعدوانهم ولظلمهم ولجورهم ولطغيانهم ولاستكبارهم، هم لو تمكنوا من رقاب الأمة- بخنوع الأمة لهم- لفعلوا بها الأفاعيل، بأفظع مما ينالون منها في حال الصمود والثبات.
ولذلك، نحن اليوم في أمسّ الحاجة- في هذا الزمن- إلى أن نستفيد من الإمام الحسين «عليه السلام» علم الهداية، إلى أن نتطلع إليه في موقعه العظيم: موقع القدوة، وموقع الهداية، نهتدي به، ونقتدي به؛ فهو وثّق لنا بقوله وبفعله، وبتضحيته وبصموده، بما قال وبما فعل، وثّق لنا، ونقل لنا، وجسّد لنا الموقف المعبّر عن الإسلام في أصالته، في مبادئه، في قيمه، في أخلاقه، وهذه المسألة التي يجب أن نعيها وأن نستوعبها جيداً، لماذا؟ لأن الكثير اليوم تغيّرت منطلقاتهم، واختلفت حساباتهم وتوجهاتهم، وفي ظل المحنة التي تعاني منها أمتنا، شعبنا هنا في اليمن وهو يواجه هذا العدوان الأمريكي السعودي الغاشم، والكثير من أبناء أمتنا في بقية بلدان المنطقة، الكثير ينطلقون في تحديد خياراتهم، وتحديد مواقفهم بناءً على منطلقات أخرى، وكأن المسألة لا علاقة لها لا بالإسلام، ولا بالقيم، ولا بالمبادئ، ولا بالحساب، ولا بالجزاء، ولا بالجنة، ولا بالنار، كأن المسألة عادية، تُجَرَّد المواقف وتفصل الأحداث عن كل شيء، وكأن الأمة ليست معنية لا بقيم، ولا بأخلاق، ولا بمسؤولية؛ فتراعي موقفاً مسؤولاً، موقفاً واعياً، وموقفاً يلحظ ويأخذ بعين الاعتبار انتماء هذه الأمة، وهوية هذه الأمة، الكثير ينسى كل هذا.
ثم إما تطغى المخاوف على البعض، فتجد كثيراً من أبناء الأمة على هذا النحو، يعيشون حالة المخاوف للطغاة والمستكبرين والظالمين، ومخاوفهم هذه تدفعهم نحو الذل، نحو الخنوع، نحو الاستسلام، نحو الطاعة المطلقة للمستكبرين والطغاة من منافقي هذه الأمة، ومن أعدائها من الكافرين، فيتخذون هذا الخيار: خيار الاستسلام، إما ضمن الالتحاق بصف الطغاة والانضواء تحت رايتهم بأي شكلٍ من الأشكال: عسكرياً، أو إعلامياً، أو ثقافياً، أو في أي مجالٍ من المجالات… وإما بالاستسلام، والسكوت، والخذلان، وهذه الحالة محسوبةٌ- أيضاً- في الإسلام كما قال الرسول «صلوات الله عليه وعلى آله» محسوبةٌ لصالح المستكبرين، لصالح الطغاة، السكوت عنهم، والاستسلام لهم بسكوت، ولو لم تقاتل معهم، ولو لم تتحرك معهم، لكنك استسلمت لهم، وسكت عنهم، ولم تتبن أي موقف، وبقيت ساكتاً، خاضعاً، مذعناً لهم، مستكيناً، ذليلاً، خانعاً؛ هذه الحالة محسوبةٌ عليك، وعليك فيها مسؤولية أنك لم تتحرك للتغيير، ((فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يُدخِلَهُ مُدْخَلَه))، هذه هي النتيجة: ((كان حقاً على الله))، يعني: مسؤولية إلهية أن يُدخِلَك الله مُدخلهم؛ لأن فعلك كان لصالحهم، وهم استفادوا من سكوتك، ومن خذلانك، وخذلانُك كان بالتالي لصالحهم.
فاليوم، نجد الذين تطغى عليهم المواقف فيتخذون مثل هذا الخيار، أو يطغى عليهم الطمع، ويستأسرهم الطمع؛ فيبيعون أنفسهم، ويبيعون مواقفهم، اليوم البعض مواقفهم نقدية، لا تستند لا إلى مسألة المبادئ، ولا الأخلاق، ولا القيم، مواقف نقدية، بالنقد: [كم تدفع له في مقابل موقفه، كذا كذا فلوس، بكم تشتري منه موقفه؛ فيعادي، ويقاتل، ويبغض، وينظم إلى جبهةٍ ما بأي شكلٍ من الأشكال، يشتغل لصالح الطاغوت بأي نحوٍ من الأنحاء وبأي طريقةٍ من الطرق، ضمن الجبهات الكثيرة والمجالات المتعددة يتحرك بحسب اختصاصه، أو بحسب إمكاناته، أو بحسب ما يطلب منه، يتحرك ضمن صف الطاغوت؛ مقابل الأطماع]، هؤلاء عبيد المال، عبيد الطمع، الذين يتخلون عن مبادئهم، وقيمهم، وإسلامهم؛ فيبيعون أنفسهم للطاغوت، واللهِ هم خاسرون!
والبعض- أيضاً- هم في حالة التخاذل لاعتبارات أخرى، اعتبارات مثلاً: المناصب، موقفه مرهونٌ بمنصب معين، هو حاضر أن يتخذ موقفاً على أساس المنصب، ليس على أساس المبدأ، وليس على أساس القيم، ولا على أساسٍ من المسؤولية التي يفرضها الله عليه. |لا|، ربط المسألة بمنصب معين، يعطى ذلك المنصب؛ وهو سيتبنى الموقف، وإلا فسيتخاذل ويقعد مع القاعدين في موقفٍ حسبه الله وحسبه رسوله لصالح الطاغوت ويعذبه الله عليه ((كان حقاً على الله أن يدخله مدخله)).
والبعض هم- أيضاً- ضحية لحالة التضليل الكبيرة، لماذا؟ لأنهم لم يكن عندهم أي اهتمام ولا جدية في أن يطّلعوا على الحقائق، وأن يعرفوا الحق، والا طبيعة الأوضاع، والأحداث، والمتغيرات، والظروف، طبيعتها توضح وتكشف الحقائق لكل من يحرص على معرفة الحقائق، ويسعى إلى أن يكون في موقف الحق.
لاحظوا اليوم، كل الجبهات التي تشتغل في داخل الأمة لصالح أعداء الأمة هي واضحة، مكشوفة في ارتباطها بأمريكا وإسرائيل، سواءً ما كان منها من خلال الدور التخريبي لبعض الأنظمة العربية، كـ(النظام السعودي، والنظام الإماراتي)، وإن تلبّسوا بلباس الإسلام، وإن قدّموا العناوين الإسلامية، لكن أليس ارتباطهم بأمريكا في مواقفهم هذه واضحاً، أليسوا يحظون بالمظلة الأمريكية والغطاء الأمريكي والدعم الأمريكي، وإن كان موقفهم في الحقيقة ما هو إلا امتداد للموقف الأمريكي، فالموقف في أصله أمريكيٌ، هم فيه أدوات يستغلهم ويحركهم لضرب الأمة، ورضوا هم لأنفسهم هذا الدور التخريبي.
ثم- أيضاً- امتداداتهم داخل بعض الشعوب وفي بعض البلدان، مثلما هو حال المدّ التكفيري، المدّ التكفيري: هو امتداد مدعومٌ من تلك الأنظمة وامتدادٌ لها، من: (النظام السعودي، والنظام الإمارتي)، ثم النظامان السعودي والإماراتي كلاهما امتدادٌ في دورهما لمؤامرات أمريكا ومكائد إسرائيل، وهذه مسألة من أوضح الأمور، ليست خفية، أدنى قدرٍ من التأمل يتضح لأي إنسان، ولكن البعض يعجبهم ويرغبون في أن يكونوا عمياً وصماً وبكماً، وألَّا يرون هذه الحقائق الجلية والواضحة.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
ذكرى عاشوراء 1439 هـ
*نقلا عن : موقع أنصار الله