البلطجة الأمريكية بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس ليست أكثر من مجرد تيست اختبار مدى جاهزية العالمين العربي والإسلامي للقبول بقرار إسرائيلي يعلن القدس عاصمة للدولة العبرية الذي لم يقبل به حتى أنصار الحلول السلمية منذ كامب ديفيد الأولى وأوسلو ومدريد وما تلاها من مفاوضات سلام فحتى الرئيس العربي الذي تجرأ على الذهاب إلى تل أبيب ونادى بالسلام من داخل الكنيست الإسرائيلي كان يقول بأعلى صوته : القدس لا أنا قلت لكيسنجر القدس لا ..
طوال العقود السبعة و الدولة العبرية تحلم باليوم الذي تعلن فيه القدس عاصمة لها و تعمل على تهويدها بشتى الطرق لكنها في كل دورات الهزائم والانبطاح ورغم التشظي العربي الذي خلفته حرب الخليج الثانية ظلت تشعر أن اتخاذ القرار لا يزال فيه الكثير من المجازفة وأن تفوقها العسكري والدبلوماسي لا يكفي لمواجهة تداعياته فهي دولة وافدة والانتصار العسكري ليس هو ما يمنحها البقاء وإنما الاستقرار والعلاقات الآمنة بمحيطها الإقليمي هو ما سيمنح شعبها اليهودي الرغبة في البقاء وعدم العودة من حيث جاؤوا ولذلك كانت حروب إسرائيل دائما خاطفة و تبحث عن وقف المواجهات حتى في ذروة انتصاراتها كما في 67 وحتى لو كانت المواجهة مع حزب في دولة صغيرة مثل لبنان كما في 2006 ..
اليوم لا تزال إسرائيل هي إسرائيل والحلم هو الحلم لكن هل أصبح الوقت آمنا بما يكفي لاتخاذ القرار الإسرائيلي بتحقيقه؟
في الثلاثينات كان العرب يرفضون تهجير الاحتلال البريطاني اليهود إلى فلسطين وفي 45 كانوا يرفضون إقامة حكم ذاتي لليهود في فلسطين وبعد 48 كانوا يرفضون الاعتراف بدولة إسرائيل و يطالبون بالأراضي المحتلة في 48 ثم أصبحوا بعد 67 يطالبون بالأراضي المحتلة في 67 وبعد 79 كانت بعض الحكومات العربية والإسلامية قد تبنت حل الدولتين وأقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وسط مقاطعة الغالبية وفي التسعينات كانت الغالبية بما فيها منظمة التحرير مع قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس إلى جانب دولة إسرائيل وبعد وفاة ياسر عرفات اختزلت المواجهة في إعلامنا بين غزة وإسرائيل وانشغل الجميع بالصراع الفلسطيني الفلسطيني وانقسم الشارع العربي والإسلامي بين فتح وحماس ولم يبق من ملامح القضية غير عروبة القدس والمسجد الأقصى وفي تموز 2006 أعاد حزب الله بانتصاره إلى ذاكرة الشعوب العربية والإسلامية جذوة القضية وأن إسرائيل دولة محتلة يمكن الانتصار عليها معريا بذلك الحكومات العربية والإسلامية ومناضلي جمع التبرعات والجمعيات الخيرية فاتجه الجميع بقضهم وقضيضهم لحرف بوصلة المواجهة شرقا باتجاه إيران وامتلأت كل وسائط الاتصال الجماهيري من المنبر إلى الفضائية بالخطر الفارسي والمد الرافضي واستدعوا القادسية واجنادين لطمس معالم تموز والدول التي يفترض بها أن تقود المواجهة العربية والإسلامية ضد إسرائيل كالمملكة السعودية و مصر وتركيا أصبحت مع إسرائيل ووضعت كل إمكانياتها في خدمة إسرائيل وجندت كل طاقاتها لتدمير الأمة العربية والإسلامية وتمزيقهما وقتل وتدمير شعوبها وعلقت أنفسها بأرجلها إلى الحبل الأمريكي والإسرائيلي.
تعرف إسرائيل اليوم جيدا أن الفصائل الفلسطينية متناحرة وأن مصر أصبحت أصغر من البحرين ومحاصرة من الغرب والشرق بالإرهاب ومعلقة من رجلها بيد الولايات المتحدة وأن سوريا يطحنها الإرهاب ومرتزقة المال الخليجي منذ سبع سنوات والعراق مثلها و تركيا معلقة من رجلها بالسمسرة للإرهاب والقضية الكردية في يد أمريكا وأن المملكة السعودية معلقة من رجلها كذلك بتمويل الإرهاب والحرب على اليمن وسوريا والعراق والصراع الذي اصطنعته مع محيطها الإقليمي وأن إيران تواجه استعداء سنيا وحربا اقتصادية تمولهما السعودية وأتباعها الخليجيون بمئات المليارات ليبيا مطحونة بربيعها اليمن مشتعل بنيران العدوان باكستان مشغولة بنفسها إندونيسيا الجزائر كذلك لا جامعة الدول العربية جامعة ولا منظمة المؤتمر الإسلامي منظمة وهناك على رأس الولايات المتحدة الأمريكية معتوه بما يكفي لأن يقوم بالخطوة التجريبية لقرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل. .
لقد جاءت ردود الأفعال العربية والإسلامية باهتة كما هو متوقع في ظل الأوضاع القائمة مظاهرة في صنعاء المحاصرة وأخرى في جنوب لبنان لكن هل يعني ذلك أن الوضع آمن للمضي بالقرار هذا ما سيبت به الشعب الفلسطيني وحده لقد خرج أحرار فلسطين وقدموا عشرات الشهداء ومئات الجرحى فإن صمدوا فسيغيرون طبيعة المشهد العربي والإسلامي وستعود السفارة الأميركية إلى تل أبيب وإن استسلموا فستنتقل بقية السفارات إلى القدس و هذا هو المطلوب من تيست ترامب في الوقت الراهن.