الإمام زيدٌ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” بما يعنيه لنا كرمزٍ عظيمٍ من رموز الأمة الإسلامية، تعترف كل الأمة بمختلف اتجاهاتها، وتياراتها، ومذاهبها، بعظيم شأنه، وعلو مقامه، وبدوره الكبير في هذه الأمة، وما عمله من أجل هذه الأمة لتصحيح مسارها، ضمن حركته بالإسلام الأصيل، في مبادئه، وقيمه, وأخلاقه، كما هو أيضاً سليل بيت النبوة، وحليف القرآن، هذا الاسم الذي عُرِفَ به، والذي كان عنواناً لحركته ونهضته وجهاده، حليف القرآن بما يعنيه، من اهتدائه بالقرآن، من تأثره بالقرآن، من حركته بالقرآن، من سعيه لهداية الأمة بالقرآن، فكانت كل مضامين حركته قرآنية، وهو يهدي، وهو يعلم، وهو يرشد، وهو يجاهد، وهو ثائرٌ لإنقاذ هذه الأمة، حتى في خياراته، كانت كل خياراته وقراراته قرآنية، استمدها من القرآن الكريم.
وعندما تحرك ونهض في أوساط هذه الأمة؛ لإنقاذها، ودفع الظلم عنها، وتخليصها من براثن الطغيان الأموي، رفع عنواناً عظيماً ومهماً، هو عنوانٌ قرآني، هو عندما قال: (البصيرة البصيرة، ثم الجهاد)، هذا العنوان الذي تحتاج الأمة إليه اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، كانت الأمة بحاجةٍ إليه في كل مرحلةٍ من مراحل تاريخها، ولكنها اليوم أحوج إلى هذا العنوان المهم والعظيم.
الأمة، وهي تواجه طغيان الطغاة في كل مراحل تاريخها، هي تواجه حملاتهم التضليلية، التي يستهدفونها بها في المقدمة، لتكون هي الوسيلة للسيطرة على الأمة، ولاستعباد الأمة، ففي مواجهة حملات التضليل، التي تكون هي الوسيلة الرئيسية والأولى للسيطرة على الأمة، تحتاج الأمة إلى البصيرة، إلى الوعي، الوعي الكبير، البصيرة التي تحتاج إليها الأمة في معرفة الواقع، في تشخيص الحقائق، تحتاج الأمة إليها في تحديد الخيارات، وبالذات في المراحل المصيرية، والمراحل الخطرة، في الأوقات والمنعطفات الخطيرة على هذه الأمة؛ لكي تكون خياراتها، وقراراتها، ومواقفها، محسوبةً بمعيار القرآن الكريم، بمعيار الحق، بمعيار المصلحة الحقيقية للأمة، تحتاج إلى البصيرة، وإلا فقد يتخذ الكثير القرارات، ويحسمون الخيارات، على نحوٍ خاطئٍ وكارثي، يَجُرُّ عليهم الخزي والهوان في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
ولذلك تحتاج الأمة دائماً إلى البصيرة، البصيرة أيضاً في تحديد الأولويات، البصيرة أيضاً في مواجهة حملات التشويش، التي تستهدف الأمة عندما تتحرك في الاتجاه الصحيح، فيأتي الكثير من هنا وهناك ليشوش عليها، في خياراتها، وقراراتها، ومواقفها المسؤولية.
لأهمية البصيرة، ولأهمية الوعي، يقول الله
عن كتابه القرآن الكريم، وعن آياته المباركة في القرآن الكريم: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا}[الأنعام: من الآية104]، القرآن بكله، وهو نورٌ من الله
، يخرجنا من كل الظلمات، هو بصائر، بصائر نبصر بها الحقائق، بصائر نستطيع على ضوئها أن نحدد لأنفسنا المواقف الصحيحة، التي نضمن صحتها، نثق بأنها هي تمثل فعلاً الموقف السليم، الصحيح، الحق، الذي هو لمصلحتنا بكل ما تعنيه الكلمة، فيه نجاتنا، فيه فلاحنا، فيه عزنا في الدنيا والآخرة، {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ}: آياتٌ من الله
.
ولذلك الإمام زيدٌ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وهو حليف القرآن، كان يعي جيداً أن القرآن بصائر، أن ثمرة الارتباط بالقرآن، والاهتداء بالقرآن: أن نكون على مستوى عالٍ من الوعي، من الفهم، من الإدراك الصحيح للواقع من حولنا، من المقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة، وحسم الخيارات الصحيحة، والاتجاهات الصائبة.
الله
يقول أيضاً عن القرآن الكريم: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[الجاثية: الآية20]، فالقرآن الكريم هو بصائر، نكتسب منه الوعي على مستوى عالٍ، في مواجهة كل حملات التضليل، التي يتحرك بها الطغاة في كل زمن، وفي كل عصر.
واليوم ونحن نواجه الطغيان الأمريكي والإسرائيلي، وبكل من يدور في فلكه، نحن نواجه هذا الطغيان بالبصيرة ابتداءً، ثم بالجهاد ثانياً، البصيرة التي نستمدها من كتاب الله
، البصيرة التي نستمدها من ثقافتنا القرآنية، البصيرة التي نكتسبها من الإدراك الصحيح للواقع من حولنا، ونحن نشاهد المصاديق والشواهد للآيات القرآني جليةً أمام أعيننا، في كل ما يواجهنا في ساحتنا الإقليمية والمحلية، البصيرة التي نحتاج إليها في هذا الزمن، ونحن في مرحلةٍ لا تقل خطورةً عن تلك المرحلة التي نادى فيها الإمام زيد بهذا العنوان المهم: (البصيرة البصيرة، ثم الجهاد)، فنحن نتحرك بهذه البصيرة، وننادي بها في أوساط شعبنا، وفي أوساط أمتنا، من إدراكٍ عميقٍ بما تعنيه هذه المسألة، وبأهميتها القصوى.
نحن نرى الآخرين، الذين لم يكونوا على بصيرةٍ من أمرهم، تجاه هذه المرحلة، بكل ما فيها من أحداث ووقائع، وبكل ما فيها من تحديات ومخاطر، البديل عن البصيرة هو العمى، والله
عندما قال في القرآن الكريم: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا}[الأنعام: من الآية104]، البديل عن البصيرة هو عمى القلوب، الذي هو الأخطر بكثير من أن تكون مكفوفاً، لا تدرك ببصيرة العين، ولذلك يقول الله
في القرآن الكريم: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: من الآية46]، نحن نرى من لا بصيرة لديهم، وهم يعيشون حالة العمى بكل ما تعنيه الكلمة، العمى الذي يحجبهم عن إدراك الحقائق الكبيرة، الحقائق الجلية، الحقائق الواضحة.
فبمثل ما كان الطغيان الأموي مسألةً واضحة، لا التباس فيها، مستهيناً بكل المقدسات الإسلامية، الطغيان الأموي الذي دمَّر الكعبة، والذي دمر واستباح المدينة، والذي قتل عترة رسول الله، الطغيان الأموي الذي كان يُسَبُّ رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” في محضر ملوكهم وزعمائهم، فلا يبالون، ولا يغضبون، ولا يستنكرون، بل يستنكرون على من ينبري للدفاع عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، الطغيان الأموي الذي كان واضحاً في استعباده للأمة، وإذلاله للأمة، وتضليله للأمة، وتحريفه لمفاهيم الدين، وكان واضحاً في نهبه لثروات الأمة، كان مسألةً واضحةً آنذاك، لكن في مثل حالات العمى، وفقدان البصيرة، وفقدان الوعي، يمكن للإنسان الَّا يبالي تجاه ذلك كله، يمكن للإنسان أن يتأثر بالكثير والكثير من التضليل الذي يبرر كل ذلك، مهما كان سوؤه وبشاعته، ووحشيته وإجرامه.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد في ذكرى استشهاد الإمام زيد 1443 هـ
*نقلا عن : موقع أنصار الله