استحِ من الله أن تصرف ريالًا واحدًا في معصية من معاصيه، هذا كفر بنعمة الله، كفر بالله، نعمته العظيمة التي أنعم بها عليك فجعلك منشرح الصدر بها، قرير العين بها، مطمئن النفس بها، أنت مرتاح، نفسك هادئة، فلوس متوفرة، ما بتكون نفس واحد مرتاحة ومطمئنة؟ هذه النعمة العظيمة هي التي أضفت على روحيتك هذا الاطمئنان والشعور بالسكينة، فاستحِ من الله أن تصرف ريالًا واحدًا في الباطل، استحِ من الله أن تصرف ريالًا واحدًا في موقف تتحرك فيه من مواقف الباطل، استحِ من إلهك الذي منحك هذه المبالغ الكبيرة، وهي كلها نعمة لا تستطيع أنت أن تقول: [ما شي اما تيّه ما هي من الله هي مني] لا تستطيع أبدًا {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (النحل: من الآية53).
فإذا ما طَلب منك أن تعطي مبلغًا زهيدًا من هذا المال العظيم الذي منحك إياه تصرفه في سبيله فاستحِ إذا كان لديك مروءة، وترعى الجميل، وتقدر الإحسان، وتشكر النعمة أن ترفض أن تعطي ألف ريال وهو الذي منحك مائة ألف ريال.
لو نتأمل ـ أيها الإخوة فعلًا ـ موقفنا من الله مع عظيم إنعامه علينا لوجدنا كيف نحن جديرين بقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم: من الآية34) بهذه الصيغة: {كَفَّارٌ} يكفر بالنعمة، ما يرعى الجميل، ولا يقدر الإحسان، ولا يشكر النعمة، يعطيه مليون ويقول له: أخرج منها خمسة آلاف ريال في سبيل الله. يقول: الله كريم، ما معي شيء، لا أريد أن أصرف أموالي في أشرطة، وفي كتب، ومدرسين وطلاب! وعبارات من هذه.
لسانك الذي وهبك الله وأنت تستطيع أن تعبر عمّا في نفسك، تتكلم وتنطق، انظر إلى الآخرين الذين لا يستطيعون أن يتحدثوا كيف تلمس بأنك في نعمة عظيمة، أنك تتمكن من أن تنطق، هذه النعمة العظيمة استحِ من الله سبحانه وتعالى أن تستخدمها في القول بالباطل.
من علمك البيان بواسطة النطق أن تعرب عما في نفسك، وأن تتحدث كما تريد مع الآخرين، هذه نعمة عظيمة، أليست نعمة عظيمة؟ بلى، لا شك فيها! إذًا تذكر بأنها نعمة عظيمة عليك من الله سبحانه وتعالى فاستحِ من الله أن تكذب.
المسألة هي تفرض علينا أكثر من مجرد أن نخاف من الله، أن نمتنع لمجرد الخوف، هذا هو عند ـ تقريبًا ـ من لا يعقل، المفروض أنه من البداية من باب الحياء من الله، وشكر نعمته، أستحي منه تقديرًا للنعمة التي وهبني، وشعورًا بعظيم إحسانه علي بهذه النعمة، لا أستخدمها فيما يغضبه، لا أستخدمها في الباطل، فلا تكذب، لا تغتاب، لا تسخر من الآخرين، لا تكن همّازًا لَمّازًا، لا تكن ممن يشهد زورًا، لا تحلف بالله أيمانًا فاجرة، لا تؤيد باطلًا. لاحظوا ما أكثر ما يمكن أن يستخدم الإنسان نعم الله في مجال معصيته؛ لأنه ظلوم كفار.
أنت عندما تحلف يمينًا فاجرة تلك اليمين البالغة الخطورة التي هي من أوقح ما يصدر من الإنسان مع ربه، لأنك تقسم بالله أن القضية الفلانية كذا وكذا، وأنت تعلم أنك كاذب، فبالله العظيم، بربك العظيم، تضفي على الباطل صبغة الحق. من التقول، من الافتراء على الله سبحانه وتعالى؛ لأنك عندما تقول: أقسم بالله، أو تقول: والله إنها كذا، وكذا، ماذا يعني هذا؟ أنت تمشّي المسألة وتحاول أن تقرر بأنها صحيحة بماذا؟ باستخدام عظمة الله في الموضوع، فكأنك تجعل الله شهيدًا، تجعل الله كفيلًا، تجعل الله وكيلًا على أن هذه القضية هي هكذا، وأنت تعلم أنك كاذب، والله يعلم أنك كاذب! فباسمه تأخذ حقوق الآخرين، باسمه تظلم الآخرين.
الإنسان منا متى ما حصل منه أن يستخدم اسم شخص آخر، إذا ذهب واحد إلى منطقة وقال: أنا ابن فلان، حصل لي كذا كذا، وأنا أريد [معونة] هذه قد تحصل من بعض الأشخاص، أليس هذا يعتبر إساءة إليك؟
أن يسير يطلَّب بعدما يحمل اسمك على أساس أن اسمك معروف في المنطقة تلك، أو يسير واحد إلى عند الثاني يقول: قال فلان تعطيني مبلغ كذا قرضة وهو سيعطيك فيما بعد، وأعطاك، أليس باسمه أعطاك؟ ماذا سيقول هذا؟ استخدمت مكانته، فباسمه أخذت ما أخذت، وباسمه كذبت على الآخرين، وباسمه غشيت الآخرين.
الله سبحانه وتعالى الذي يريد منا أن يكون اسمه في نفوسنا، مترسخًا في مشاعرنا هو الذي يدفعنا، هو الذي يردعنا عن أن نتجاوز على الآخرين، أن تتذكر الله كما قال في صفات المتقين:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} (آل عمران: من
منك أن يكون ذكره وأنت تتذكره وتتذكر اسمه لتنزجر عن ظلم الآخرين، عن المعاصي، فكيف تأتي وتستخدم اسمه في إنزاله على الباطل، ولتنال به باطل، أو تقرر به باطلًا، أليس هذا من السخرية بالله سبحانه وتعالى؟ أو التسخير لعظمة الله في إضفاء شرعية على الباطل.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
سلسلة دروس معرفة الله (3 – 15)
الدرس الثالث
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 20/1/2002م
اليمن – صعدة
*نقلا عن : موقع أنصار الله