محمد بن سلمان يدفع ثمناً باهظاً مقابل قوته السياسية
الثلاثاء 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 الساعة 08 مساءً / متابعات - موقع ( لا ) الإخباري :
 
ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين 
ستيفن كوك
سوف يأخذ ولي عهد السعودية الأموال من المستثمرين في شركة النفط الوطنية، لكنه سيتخلى عن أشياء أخرى أكثر مما كان يظن. 
إن لم يكن من أجل الاحتجاجات في العراق ولبنان والدراما التي لا تزال تتكشف في شمال شرق سوريا، فإن الاكتتاب العام الأولي المعلق لأرامكو سيكون أكبر قصة في الشرق الأوسط. ولعلها قصة سيبقى ذكرها للأبد. 
إن الحقيقتين المهمتين حول أرامكو هما الآن في تضارب مباشر مع بعضهما البعض. لقد كانت تمثل مركز قوة آل سعود بالتحديد لأن العائلة المالكة كانت تحكم عليها السيطرة تماماً. وفي نفس الوقت، جعلها ولي العهد محمد بن سلمان أساس خطته لتحويل الدولة المعروفة برؤية 2030 من خلال إعطاء وعود ببيع أسهم الشركة للمستثمرين؛ وبذلك يعطيهم مجالاً لسيطرة أقوى عليها. 
إذن كيف يمكن فهم قرار محمد بن سلمان؟ الإجابة السهلة هي: المال. على الرغم من اشتهارها بالثروة الواسعة، تحتاج السعودية إلى سيولة أكثر. لكن هنالك شيئاً آخر يحدث هنا: وهو إعادة الاعتبار السياسي لولي العهد. سيجادل موالوه بأنه ليس بحاجة إلى إعادة اعتبار له لأنه لطالما تمتع بدعم واسع في السعودية. قد يكون هذا صحيحاً، ولكن لكي ينجح في تحقيق رؤية 2030، يحتاج بن سلمان إلى بعض النوايا الحسنة الدولية التي تمتع بها حتى منتصف عام 2017. توجد مشكلة واحدة فقط: الاكتتاب العام لأرامكو أخطر بكثير مما يتحمله السعوديون. 
من المهم فهم أنه على الرغم من أن الإعلام أصدر تقارير موسعة عن الاكتتاب، إلا أنه توجد الكثير من الحيرة بشأن ما يحدث في واقع الأمر. يعرض السعوديون الأسهم في 2-5% من الشركة. وكانت إحدى النقاط الشائكة هي التقييم الذي وصل بعد سنوات من الخلافات الحادة إلى ما بين 1.2 تريليون دولار (بنك أمريكا) و2.3 تريليون دولار وهو الحد الأعلى لمجموعة "غولد مان ساكس". من جانبهم، يقول السعوديون إن أرامكو تبلغ قيمتها ما بين 1.7 تريليون دولار وتريليوني دولار. أياً كان التقييم فإن حقيقة أن البنوك لفترة طويلة تقدر تريليون دولار أمر غير مسبوق. إذا كان الطلب ضئيلاً والسعوديون يبيعون 2% من الشركة في تقدير بنك أمريكا، فإنهم سيقومون بجمع 24 مليار دولار. وأفضل الحالات هي الطلب القوي (5%) وتقييم الـ"غولد مان" حيث يحصل السعوديون على 115 مليار دولار. وهذا مبلغ كبير، ولكن في كلتا الحالتين، هناك الكثير من الأموال على المحك. سوف يتم طرح الأسهم في السوق المالية المحلية للسعوديين "تداول" والذي سيبدأ في ديسمبر. وتشجع الحكومة السعودية السعوديين بقوة على الاستثمار، بمعنى أن هناك مستثمرين (أشخاص في فلك البلاط الملكي والشركات الكبرى) ممن ليس لديهم أي خيار في هذه المسألة لأن معيشتهم ووضعهم معتمد على إثبات أنهم يدعمون برنامج محمد بن سلمان والمستثمرين الأفراد الذين سيستثمرون بسبب كل المشاعر الوطنية والإيجابية التي تكتنف العرض. 
من الواضح، أن ولي العهد يعتقد بأن الاكتتاب يأتي في وقت مناسب وجيد. حيث أنه سيعطي اندفاعة لرؤية 2030، التي لم تتطور كما كان السعوديون يأملون ذلك. ويعني القيام بتوفير الأسهم فقط أنه يستطيع شطب شيء ما من قائمة التحقق من رؤية 2030. كما يعني تغيير الرواية التي طغت على النقاش حول السعودية منذ منتصف العام 2017 ولكن دون شك منذ جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر 2018. وهذا يساعد في أن قادة الأعمال العالميين بينوا أنهم ممن ظهروا على الأغلب في مؤتمر الاستثمار العربي الأخير للسعودية (المعروف باللغة العامية بـ"دافوس في الصحراء")، يريدون الانتقال إلى ما بعد مقتل خاشقجي وكذلك العودة إلى العمل. 
ولكن لا يزال هناك مخاطر من الاندفاع السعودي الحالي نحو إنجاز الاكتتاب. أولاً، يمكن أن تكون لحظة جيدة على الصعيد السياسي لمحمد بن سلمان كي يتقدم نحو الأمام، لكن ديسمبر ليس وقتاً مناسباً لعمل اكتتاب. ذلك أن المستثمرين المؤسسين الدوليين الذين حققوا هدفهم في تحقيق عوائد سنوية متحفزون على المغامرة، بينما آخرون ممن لم يحققوا هدفهم لا يريدون المجازفة بوضع أنفسهم في أعمق نقطة من الحفرة، ثم تجد أشخاصاً بعيدين جداً عن بصماتهم التي وضعوها. فهذه ليست بيئة ممتازة للاستثمار على أقل تقدير. 
والخطر الثاني متعلق بالحسابات التي يقوم بها المستثمرون الدوليون. ويخطط للاكتتاب في مرحلتين: عرض محلي وآخر دولي. 
وعلى الرغم من أن نقاشات كثيرة كانت تدور حول البورصة الدولية التي سيتم إدراجها في أرامكو، لا يعتقد المحللون في واقع الأمر أن ذلك سيحدث بالفعل. 
يحتمل أن يكون المستثمرون الأجانب قادرين على الحصول على جزء من الإجراء فقط من خلال سوق الأسهم المحلي للسعودية، بمعنى أنه سيكون هناك ما يسميه خبراء الاستثمار "عرض ترويجي" لبناء الطلب على أسهم الشركة. في عروض الترويج هذه سيعد المستثمرون المؤسسيون بشكل مستقل سعر اكتتاب أرامكو. وإذا لم يفضِ السعر إلى حيث يريد محمد بن سلمان، سيترك له خياران: إما المضي قدماً على أية حال أو سحب المزايا منه. كلا الخيارين سيجعلان من الأمير أضحوكة بعد وضع الاكتتاب المطول. 
والخطر الأخير هو أن البيئة الجيوسياسية لا تفضي إلى اكتتاب. صحيح أن السعوديين سعوا للتخفيف من حدة الخلاف مع إيران منذ الضربات على بقيق وخريص في 14 سبتمبر، بيد أن لدى جيش الحرس الثوري الإيراني الإسلامي كل الأسباب لإبقاء السعودية في حالة دفاع وفوضى مع اكتتاب أرامكو. لا يحتاج الحرس الثوري الإيراني إلى القيام بشيء مذهل كمتابعة منشآت تحضير النفط الخام، ولكن يكفي فقط أن يحدث ضرراً ملحوظاً فيها ويجعل المستثمرين يشعرون بالتوتر. 
لنفترض أن كل الأمور تسير على ما يرام، وأن الاكتتاب العام يضيف للسعوديين ما يتراوح بين 24 مليار و115 مليار دولار. سيكون ذلك مكسباً مفاجئاً -ولكن أمراً ملحاً للغاية. الصراع في اليمن مكلف، والسعوديون لديهم خطط تنمية كبيرة والتزامات عديدة. وفي الوقت نفسه، تراوح سعر برميل النفط ما بين 46 دولاراً و64 دولاراً في 2019 مما جعل الأمور ضيقة الأفق. 
ستستخدم الأموال على الأغلب لتعزيز أهداف ولي العهد في إعادة تشكيل الاقتصاد السعودي والمجتمع. لكن يجب أخذ هذه الأهداف مع جرعة كبيرة من الملح. لطالما كان يمكن لأي شخص أن يتذكر أن السعوديين كانوا يعلنون أنهم سينوعون اقتصادهم حتى لا يكونوا معتمدين على النفط، إلا أنه لا يبدو أن ذلك سيحدث. منذ أكثر من عقد أعلن السعوديون عن خطط لعدد من المدن الجديدة تهدف إلى استغلال خصائصها الاقتصادية المتنوعة. كانت الخطط و(الفيديوهات الترويجية) رائعة، لكن المحاولة باءت بالفشل الذريع. كانت عبارة عن خسارة وهدر كبيرين. ويبدو أن السعوديين الآن عازمون على بناء مدينة نيوم، وهي مدينة مستقبلية (مع الروبوتات!) المخطط لها على ساحل البحر الأحمر. ولم يأتي أي سعودي بسبب مقنع لوجود مثل تلك المدينة بخلاف إعلان أن المستشارين الدوليين يقولون إنها موقع رائع. ولكن إذا كان هذا هو الحال بالفعل، إذن لماذا لم يتم تطوير أي مدينة هناك من قبل؟ سيكون الاستخدام الأفضل للموارد السعودية متمثلاً في تحديث البنية التحتية وإعادة بنائها في الأماكن التي يريد الناس العيش فيها. 
أكثر من أي شيء آخر، فإن قادة السعودية مهتمون بالحفاظ على السيطرة. حتى إن الإصلاحات الاجتماعية التي شرع بها ولي العهد (وتستحق التقدير) هي في نهاية المطاف عبارة عن سيطرة. حسب بن سلمان أن لديه فرصة أكبر لانتزاع ولاء رعاياه وبالتالي تعزيز قوته بجلب الأفلام والحفلات الموسيقية وفعاليات مصارعات "دبليو دبليو إي" إلى بلدهم وتخفيف سلطة الشرطة الدينية وضمان حق المرأة في القيادة. ومع ذلك دائما يتواجد الخطر من أن يطلب الناس أكثر مما يرغب ولي العهد في تقديمه لهم. وهذا أمر مشابه للاكتتاب؛ حيث إنه جيد بالنسبة لصورة القيادة السعودية، لذا فإنهم يريدون السيطرة على العملية. ومع ذلك بمجرد توفير أسهم الشركة الأهم في البلاد وتحديد السعر الفعلي سيفقد محمد بن سلمان هذه السيطرة. وفجأة سيكون هناك مستثمرون يطالبون بالشفافية والقواعد وطرق التماس الانتصاف التي تعزلهم عن نزوات الحكام. هذا ما يدعى اقتصاد السوق. فهل هذا ما يريده ولي العهد حقاً؟ هو ومؤيدوه يقولون: نعم هو يريد، لكن لطالما أثبتت أفعاله شيئاً آخر. 
"فورين بوليسي"
7 نوفمبر 2019 
 

تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
اكثر خبر قراءة أخبار وأنشطة ضد العدوان
(نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الـ25 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 30 رمضان 1445هــ | 9 أبريل 2024م.
مواضيع مرتبطة
قوى المقاومة والممانعة تحذر العدو الصهيوني وحلفائه من القيام بعمل عدواني
إطلاق أكثر من 75 صاروخاً فلسطينياً على مدن العدو الصهيوني
وصول سفينتين تحملان مادة الديزل إلى غاطس ميناء الحديدة
صنعاء: اجتماع لجنة التواصل مع الشخصيات الاجتماعية والقبلية المنبثقة عن فريق المصالحة الوطنية
السفير الديلمي يبحث مع مساعد رئيس مجلس الشورى الإيراني التطورات في المنطقة