هناك من الأحداث والمواقف بل والثقافات التي عاشتها الأُمَّــة سابقًا جعلتها في واقع أبعدها عن مسؤوليتها، واقع جعل منها أُمَّـة بعيدة عن المعرفة بحقيقتها وبما يجب أن تكون عليه من عزة وكرامة بل ومكانة بين الأمم الأُخرى، أُمَّـة آمنت بثقافات الأمم الأُخرى وكفرت بثقافتها وموروثها، أُمَّـة عاشت لعقود من الزمن في دائرة الانبهار بماديات الأمم الأُخرى فأصبحت ثقافة الأجنبي هي الشاهد الذي يُقارن بها مدى اقترابهم أَو ابتعادهُم عما تضمنته مسلماتهم من مقتضيات التحضّر والرقي، ذلك؛ لأَنَّ واقعهم الثقافي كان قد فرض عليهم ولعقود من الزمن قناعة بأن معاناتهم كانت نتاج ثقافتهم العربية والإسلامية؛ وذلك نتيجة الفجوة التي فصلت المجتمعات العربية والإسلامية عن ثقافتها القرآنية وتاريخها وحضارتها، نسبوا كُـلّ ما هو إنساني وأخلاقي لثقافات غربية غريبة تلبست بهذه المسميات، ثقافات استخدمت هذه المسميات لتضليل مجتمعاتنا عن حقيقة الغرب المتوحش.
وبالمقابل هناك أحداث ضاغطة لم تستطع دول الغرب وأمريكا أن تخفي حقيقة واقعها وثقافتها وإنسانيتها، فسرعان ما تجردت عما تدعيه من إنسانية وما تخفيه من وحشية عندما يكون الأمر دفاعاً عن الكيان الصُهيوني.
إننا مدانون لأطفال ونساء غزة التي سُفكت دمائهم لتعلمنا وتخبرنا حقيقة الإنسانية في أُورُوبا وفي تركيبة النظام الأمريكي القائم على القهر وظلم الشعوب، فخلال عقود من العدوان والصراعات التي تعرضت لها أمتنا كان المخطّط لها والمنفذ هم أُولئك الذين سخّروا كُـلّ آلاتهم الإعلامية لتسويق إنسانيتهم الزائفة، غرسوا كيانات داخل مجتمعاتنا لتكون عائقًا أمام أي تحَرّك ثقافي يستنهض الأُمَّــة، كيانات تلبست بالدين كما تلبس مشغلوها بالإنسانية، إلى جانب ذلك غرسوا لهم عملاء وأوصلوهم لسدة الحكم ليكونوا الحربة التي تواجه بها دول الكفر أي تحَرّك للوعي الكلي داخل الأُمَّــة أَو الدعوة للتحرّر الثقافي والفكري للشعوب العربية والإسلامية.
وفي واقعنا الكثير من الشواهد التي نلحظ من خلالها هذا التآمر، نسمع من تلك الكيانات سواءً الدينية أَو السياسية من يجعل من الضحية مجرمًا ومن المجرم ضحيةً، مع العلم أن هؤلاء يقعون تحت المسمى العربي والإسلامي، نسمع من يدافع عن الكيان الصهيوني وينتقد حركات المقاومة في فلسطين، ولكن الشعوب العربية والإسلامية أصبحت تعرف تماماً عدوها الحقيقي فتحَرّك البعض منها ليُعبر عن غضبه لما يحصل في غزة من مجازر يومية، وحتماً سوف تتحَرّك بَقية الشعوب العربية والإسلامية لتقول خُدعنا من قبل وصحونا.
أخيرًا لتقول لمن يكبلهم أصبحت الحقيقة فاضحة لكم أيها الحكام، وأصبحت تلك الكيانات الدينية مُجَـرّدة من الدين متمردة على الحقيقة، فضحت غزَّةَ إنسانية الغرب كما فضحت الكيانات السياسية والدينية العميلة.