حسن شريم*
لطالما اتخذت الولايات المتحدة الأميركية من الحرب الناعمة سلاحًا لكيّ الوعي بما يتعلق بالقضية الفلسطينية. أدوات عدّة استخدمتها في سبيل هدم أي معرفة بحقيقة هذه القضية وحرف الأنظار عنها كي لا تكون كما يجب أن تكون القضية المركزية. وعليه، مارست واشنطن ومن يُغرّد في سربها على مدى عقود طويلة كل أساليب وفنون الإلهاء والإغراق في "التفاهة"، وكل ذلك لمصلحة ربيبتها "إسرائيل". إلا أنه وفي حرب تُشن على فلسطين اليوم ــ فاقت حروب التاريخ همجية ووحشية وعنصرية ــ سقط المشروع الأميركي المذكور أرضًا.
المشاهد العابرة للقارات والآتية من خلف حدود فلسطين نحو العالم عرّت كل ما قيل ويُقال عكس الحقيقة، نسفت كل سرديات العدو ومن يلف لفه. ارتكاب "إسرائيل" أبشع المجازر وسفك دماء المدنيين الأبرياء لا سيما النساء والأطفال، جعل القضية الفلسطينية رقمًا أول في قائمة اهتمامات الشعوب الحرّة عربيًا وعالميًا. بدأت تلك الشعوب تقول كلمتها أداءً لواجبها، في محاولة منها لكسر جدار الصمت والتعبير عن تضامنها مع فلسطين ونصرة غزة، رغم سياسة "كم الأفواه" التي يمارسها الغرب عبر حجب القنوات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي وتحريف البوصلة لتبرير إجرام العدو.
وعليه، يكتسب اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ميزة خاصة هذا العام. يأتي في ظل ازدياد الوعي بأحقية القضية الفلسطينية رغم السنوات العجاف التي مرّت على فلسطين، لتكون عملية طوفان الأقصى بارقة أمل لتأخذ هذه القضية نصيبها من التضامن.
رئيس الرابطة الدولية للخبراء والمحلّلين السياسيّين الدكتور محسن صالح يتحدّث لـ"العهد" عن أهمية عملية طوفان الأقصى وانعكاساتها على وعي الشعوب العربية والعالمية تجاه القضية الفلسطينية، فيرى أنّ "هذه العملية أحدثت لدى الشعوب العربية والإسلامية وكل أحرار العالم حالة من الوعي الجديد أو التفكير الجديد تجاه القضية الفلسطينية حيث كان البعض، خصوصًا أميركا والدول الغربية وغيرها، يحاول أن يُنسي الشعوب أهمية القضية التي تعتبر لبّ القضايا ومحور الاهتمام والسياسات في المنطقة".
من هنا يمكن القول، بحسب صالح، إنّ ما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر وما قام به كيان العدو الصهيوني الغاشم من إجرام همجي وقتل للنساء والأطفال وإبادة للمدنيين الأبرياء والتدمير بأبشع الطرق وبأحدث الأسلحة الأميركية الفتاكة، أيقظ البعض من سُباته العميق وأدخل المنطقة بطور جديد من الصراع يمكن أن يُسمّى صراع الحضارات أو صراع الثقافات أو أيضًا صراع الأوطان والشعوب في مواجهة الاستكبار العالمي الذي وخلال أكثر من مئة عام حاول أن يقبض على الثروات والأرواح والثقافات. هذه الأيام، إضافة إلى الحركات المجيدة لحركات المقاومة في فلسطين والمنطقة، أدخلت العقل الجديد إلى ساحة الميدان ولم يبقَ في حالة من الإرباك لأنّه أشار إلى البوصلة الحقيقية، وإلى المعركة الحقيقية، وإلى الميدان.
ويقول صالح إنّ "ما نراه اليوم من مواقف، كان جاهزًا، كان ينتظر خطوة عملية، و7 تشرين الأول هو الخطوة العملية الأولى التي صدمت العقول وعلى هذه "العقول" أن تتابع في القضية الفلسطينية لأنها تترجم حركة الوعي التي بدأت في الميدان، وباعتقادي ستنتهي في الميدان بانتصار حركات المقاومة في المنطقة خاصة القضية الفلسطينية وتحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك".
صالح لفت إلى أنّ ما لاقاه الشعب الفلسطيني من عذابات وتشريد وإجرام ومجازر كان من الممكن أن يُفجّر هذا الأمر، وهو فعليًا ما حصل، ليس كما هو مطلوب من ناحية الشعوب وخاصة من ناحية الدول العربية التي تسمى "بمجلس الجامعة العربية باعتبار أنها تحكم القرار العربي للشعوب العربية"، الآن وباعتقادي ربما يفلت عقال هذه المسائل لتصل إلى إمكانية التحرير الذي أعتبره وبرأيي الشخصي قريبًا إلى حد ما لأنه متعلق مباشرة بالمسألة الأساسية وهي القضية الفلسطينية".
واليوم يرى صالح أنّ العقل الواعي تغلّب على مكانة الأداة الأميركية في العقل الغربي والعقل العالمي وخاصة الأميركي الذي يسعى للهيمنة على هذه المنطقة من خلال قتله للقضية الفلسطنية. اليوم العقل الواعي والمتحرّر عاد إلى الواجهة يندّد ويستنكر وينزل إلى الساحات بتظاهرات كبيرة يطالب بفلسطين، يطالب بالقدس، يطالب بالعدالة ويطالب بالحق وبحقوق الفلسطيني الذي هجّر على مدى أكثر من قرن وليس فقط 75 عامًا، هذه الجريمة التاريخية من وعد بلفور وصولًا لإنشاء هذا الكيان الغاصب ووصولًا إلى عملية طوفان الأقصى المباركة في ظل مجازر متواصلة للعدو الصهيوني منذ زمن بحق الشعوب العربية في لبنان وسوريا وغيرها.. فمثلًا هل نرى "داعش" بغير العين الإسرائيلية، فهي إسرائيلية، صهيونية، أميركية، فهي بكل المعاني تمثل الإجرام الصهيوني الذي يمارسه الآن الكيان الصهيوني الغاصب"، حيث حاولت أميركا و"إسرائيل" من خلال "داعش" و"النصرة" وبعض الدول العربية المطبعة أن يقضوا على القضية الفلسطينية، إلا أنّ 7 تشرين الأول أتى ليقول إنّ القضية الفلسطينية لن تنتهي".
وأمام هذا الواقع، يرى صالح أنّ كل الإعلام اليوم حتى الذي كان يقف على التل مضطر أن يذهب باتجاه فلسطين لا سيما أنّ كل الوقائع باتت تشير إلى أنّ الكيان الغاصب هو عدو الإنسانية "هو ومن أوجده"، لذلك نرى الأميركي يأتي لمساعدة هذا الكيان ويمدّه بالأسلحة والمال ليتمكّن من أن يتابع إجرامه، فاليوم جميع الشعوب العربية وحركات المقاومة مدعوّة إلى أن تضع الميزان في الميدان أي موازاة أعمال العدو الإجرامية في المسائل الإعلامية وفي قول كلمة الحق ما ينعكس وعيًا لدى الشعوب وقد أصبحت الأمور جلية إما أن تكون مع الكيان الصهيوني الغاصب والولايات المتحدة الأميركية أو تكون مع فلسطين والمقاومة الفلسطينية ومع الشعب الفلسطيني الذي يذبّح يوميًا.
نحن نتحدث اليوم عن معركة مفصلية، وتاريخية، تعيد الأمور إلى نصابها والحق إلى أهله وأيضًا تعيد الكلمات التي حاول الأميركي أن "يزيّت" بها الوعي وخاصة مسألة الليبرالية والحرية والديمقراطية والمجتمع المدني والشذوذ.. حاول أن يسوق تلك المسائل لكي يكون أيًضا في سياق التسويق لهذا الكيان الغاصب وإبقائه كقوة أساسية في هذه المنطقة، فاليوم أمام وعي الشعوب والعقول المفكّرة بواقعية وإنسانية سقطت تلك الأمور، انتهى الأميركي والزمن لم يعد أميركيًا بل أصبح الزمن للشعوب، برأي صالح.
الشعوب العربية والعالمية
على الشعوب أن تناصر القضية الفلسطينية، أن تقوم وتقول إنّ ما يجري بحق الفلسطينيين هو إبادة جماعية يشهد عليها من يسمّى بالمجتمع الدولي الرسمي وأيضًا كي لا تكون هذه الشعوب الدولية والعربية والإسلامية متفرجة، يجب أن تُعطل كل مؤسسات الحياة في المجتمعات الرسمية كي تشعر الدول أنّ وجودها مهدّد أيضًا وتأخذ من القرارات ما يعيد الحق لأهله ولأصحابه في الإعلام وفي السياسة وفي الحقوق المدنية والإنسانية لا سيما أمام قتل آلاف الأطفال ما يعكس آلة القتل والمجازر ولغة العدو الفارغة من المضمون وآلة قتل الحريات وقتل كل ما من شأنه أن يساعد الشعوب في تقرير مصيرها وحرياتها في العالم الثالث لا سيما في الشرق. فالعودة إلى المقاومة العسكرية والشعبية وإزالة هذا الكيان الغاصب وتفكيكه هي عودة إلى الحياة الطبيعية لأنّه أتى نشازًا (هذا الكيان) ويجب أن يذهب بالقوّة".
وعن الأنظمة المطبّعة يرى صالح أنّ مصيرها مرتبط بمصير الكيان الغاصب لأنه ومنذ نشأتها وانضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كانت وما زالت تحت الغطاء الأميركي ومدعومة منه، وكل المؤتمرات والتعاطف مع كيان العدو يثير غضب الشعوب ويسبب شقاءها، واليوم يجب أن تقاطع تلك الشعوب كل الحفلات والمؤتمرات التي تهدف إلى نسيان القضية الفلسطينية وحرف البوصلة عما يحصل، وفي ظل انتهاء الهدنة واستئناف المجازر الصهيونية يجب رفع الصوت أكثر ليصبح الحق جاهرًا بصوته وقادرًا على أن يكون موجودًا فوق الصوت الصهيوني، وفوق تلك الدول المطبعة الغبية والباغية لأن التاريخ لن يرحم تلك الأنظمة ولا الشعوب التي تستكين أو تتبع الأنظمة المتخاذلة ولم يتخذ البعض منها سوى بعض المواقف الفارغة".
ويُنهي صالح حديثه بأنّ المعركة اليوم متعدّدة الأبعاد والبعد الأساسي فيها فلسطين وكل ما عدا ذلك غير محق وبتعاون الشعوب يضمحل كيان العدو ويزول وتزول معه الأنظمة المتواطئة.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري