أحدث خطابُ السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله-، الأسبوع الماضي، تغيرات كثيرة وفرض سيناريوهات جديدة على المستوى العالمي والإقليمي، وبصورة أرعبت الأعداء وعرت خيانتهم وعمالتهم واستحقت بصدقها المكانة العالية بين شعوب الأُمَّــة وأبنائها الذين يتطلعون إلى مستقبل هذه الأُمَّــة ومكانتها، في ظل ما تشهده اليوم المنطقة من معركة مفصلية بين قوى الشر والخير وبين الموقف اليمني المساند والشجاع للقضية الفلسطينية والتخاذل العربي والدولي الجبان، وكذلك يتطلعون إلى عام جديد سيَشهد تَطورات كثيرة وذات أهميّة كبيرة، منها انهيار التحالفات الأمريكية وهَزيمة المَشروع الأمريكي في المنطقة، وسط تنامي القدرات العسكرية اليمنية لمواجهة أي تصعيد عسكري على اليمن.
عامُ رعبٍ للإدارة الأمريكية:
وفي هذا الشأن وضمن السيناريوهات المتوقعة، فَــإنَّ العام الجديد ربّما يَكون عام رعب للإدارة الأمريكية وحَليفتها إسرائيل، في حال إذَا ارتكبت أية حماقة تجاه اليمن، ولعلّها تجرب حظها، وسَتلقى حَتمًا ما لا يَسرها، فالمِنطقة تتغيّر، وبُسرعة؛ لأَنَّ خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله-، جاء بجديَّةٍ وحزم وقرار قطعي بالمواجهة المباشرة، وقد أسس لمرحلة جديدة في ظل الصراع مع قوى الشر العالمي وستتهيأ الظروف الملائمة لفك الحصار ووقف العدوان على الشعب الفلسطيني المظلوم، الذي كان وراء اتِّخاذ القرار التاريخي والشجاع من قيادتنا الثورية بمنع سفن الكيان الصهيوني من الملاحة بالبحر الأحمر، وعن كُـلّ الشعوب المقاومة للحصار الأمريكي، وكذلك عن محور المقاومة وسط مساعي الأخير لإجبار الأمريكي على الانسحاب من المنطقة.
وحول خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- الأخير، يقول أُستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، الدكتور عبد الملك عيسى، في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: إن “الذي حَـلّ في خطاب السيد القائد رسالة واضحة لا لبس فيها إلى الأمريكي بأن اليمن يتوق للمواجهة المباشرة مع العدوّ الأمريكي، فإذا ارتكبت أمريكا حماقة الاعتداء على الشعب اليمني فبدلاً من قتال المرتزِقة سيكون القتال مع أصل كُـلّ المشاكل في العالم منذ المجازر الوحشية للهنود الحمر وحتى رمي القنابل النووية ضد اليابان ومجازر أفغانستان والعراق واليمن وغيرها وستكون مصالح أمريكا مهدّدة لخدمة اللوبي الصهيوني وليست لخدمة المصالح الأمريكية؛ بسَببِ سيطرة اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية”.
ويؤكّـد عيسى أن الأمريكي وجد نفسه أمام خطاب حرب من نوع لم تعهده أمريكا من قبل، وتهديد جدي من قائد القول والفعل ومن واقع معركة قائمة، واقتدار عسكري كبير، ولهذا أدركت مفاعيل التهديدات التي أطلقها قائد الثورة.
وينوّه عيسى إلى أنه من الطبيعي أن الرئيس الأمريكي يخشى عدة أمور ويدرك ضرورة عدم الدخول في صراع مع اليمن لأسباب كثيرة منها: عدم توسع الصراع كون الأمريكي لا يريد توسع الصراع حَـاليًّا ويريد الاستفراد بحركة حماس، وكذلك الانتخابات الأمريكية في العام ٢٠٢٤م وكلما قرب موعد الانتخابات كلما كانت يد الرئيس الأمريكي مكبلة في الملفات الخارجية، الأمر الذي شكل عملية ضغط على جو بايدن الذي يسعى إلى الترشُّح للانتخابات الرئاسية القادمة، للتحَرّك رسميًّا لفَكِّ الحصارِ وإدخَالِ المساعدات إلى غزة، ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته شبكة سي بي إس للبالغين الأمريكيين، وجد أن الإحباطَ من تعامل بايدن مع الحرب لا يقتصر على الناخبين الشباب، كان معدل الرفض 50٪ بين أُولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، و68٪ بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و44 عاماً، و63٪ لمن تتراوح أعمارهم بين 45 و64 عاماً و60٪ لمن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، يأتي ذلك وسط تضاعف أصوات المعارضة وتكاثر السخط الشعبي في الولايات المتحدة ضد الرئيس بايدن وإدارته.
سيناريو المرحلة:
وعن السّيناريوهات ما بعد كلمة قائد الثورة التي قَد تتّبِعُها أمريكا و”إسرائيل” ضِد اليمن، يقول الدكتور عبدالملك عيسى من الواضِح أن واشنطن لديها سيناريوهات أبرزها الضغوط الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى خيارات أُخرى للتعامل مع اليمن وتتمثل في خمسة خيارات:
الأول: هو التهديد والوعيد بإيقاع ضربات جوية لمناطق الاستهداف أَو ضرب مناطق داخل اليمن، وهذا المسألة غير فعالة لاعتبارات كثيرة منها أنها لن تمنع صنعاء من تصعيد المعركة في البحر الأحمر ومنع السفن الأمريكية من الإبحار فيه كما قال السيد القائد، وَأَيْـضاً الاجتياح البري مستعصٍ وقد تم تجربيُه طوال ثماني سنوات من العدوان على اليمن.
الخيار الثاني: فهو أن الولايات المتحدة لا تريد إعطاء الانطباع بأن المقاومة في إيران وحزب الله واليمن يمكنها إجبار الحكومة الأميركية بتكتيكات مثل هذه، لذا “لا يمكنهم جعل الأمر يبدو وكأنهم يستسلمون تحت الضغط”، كما يقول أحد الباحثين الأمريكيين، وقد حاول الأمريكي عبر قرار مجلس الأمن الأخير بدخول المساعدات إلى غزة مدَّ (جزرة لصنعاء) غير مباشرة.
الخيارُ الثالثُ: وقفُ مسار السلام في اليمن ولذلك اتجه ليندر كنغ إلى السعوديّة بعد الضربات وإعلان المبعوث الأممي إلى اليمن خارطة طريق وهي (الجزرة) المهمة لصنعاء كما يعتقدون، بالإضافة إلى الخيار الرابع وهو تحريك مرتزِقة الداخل كعفاش الصغير المسمى طارق الذي أعلن وقوفه واستعداده لحماية السفن الصهيونية من الضربات العسكرية اليمنية المساندة لفلسطين.
أما الخيار الخامس يتمثل في التهديدات بعودة الحرب وهذا أمر متعذر سعوديّاً؛ لأَنَّ السعوديّة تهتم حَـاليًّا بسباق الكلاب وأجمل ناقة وغيرها من أنشطة الترفيه، حَــدّ وصف الدكتور عيسى.
وفي المقابل ووفق الدكتور عيسى فَــإنَّ لليمن خيارات للرد وتتمثل في قناعة أمريكية بأن الجيش اليمني بحسب التجربة يستخدم أقل الإمْكَانيات الممكنة لتحقيق الأهداف ومن ثم تتصاعد هذه الإمْكَانيات إلى أقصى حَــدّ بمعنى لديه إحساس بأن استخدام هذه الأسلحة هي أسلحة قليلة وذات تأثير محدود وأن لدى صنعاء أسلحة أقوى وأشد تأثير لم يتم استخدامها ستستخدم حين الحاجة، بالتالي سيكون حذرًا جِـدًّا في مقاربة العدوان على اليمن.
وكذلك من الممكن الانتقال إلى المرحلة الثالثة لمناصرة القضية الفلسطينية بعد المرحلة الأولى منع السفن الإسرائيلية والثانية منع السفن المتجهة إلى إسرائيل من أية جنسية كانت، والانتقال إلى الهجوم في أماكن لا يمكن توقعها سواءً في بحار أُخرى غير البحر الأحمر والعربي أَو برياً، ووضع السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- معادلة هامة، وهي لستم وحدكم، وبهذه المعادلة سيحسب الأمريكي حسابات كثيرة في مقبل الأيّام.
تحوُّلاتٌ عالمية:
ويقول الدكتور عبدالملك عيسى: “إن الخطاب فرض تحولات ميدانية وسياسية إيجابية على وضع المقاومة والشعب الصامد في غزة، بل والعالم العربي والدولي”، فيما يؤكّـد سياسيون أن رسائل قائد الثورة شكلت مسارات جديدة بعد الخطاب العالمي، منها أنه تم إفشال تحالف حماية السفن الإسرائيلية، وشجّع دولًا عالمية وإقليمية كثيرة في رفض الضغوط الأمريكية بالانخراط في التحالف الأمريكي البحري، وأسقط الهيمنة الأمريكية التي تمارسها واشنطن بين الترهيب والترغيب، وفرض عقوبات على الدول الرافضة لسياستها، وشن الحروب المدمّـرة، وعقد المؤامرات ضد أية دولة تريد أن تتحرّر من هيمنتها.
كما أَدَّى الخطاب إلى تغيير كبير في الموقف الأمريكي إزاء دعم العدوان الصهيوني الوحشي وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وإلى تطور إيجابي من واشنطن سيكبح الجنون الإسرائيلي وسيجعله يرضخ لدعوات وقف إطلاق النار، وكذلك التراجع الأمريكي في إيقاف الهجمات اليمنية على السفن التجارية المتوجّـهة إلى كيان الاحتلال، وانتهاج المسار السياسي؛ لأَنَّ البحرية الأمريكية لا تستطيع في النهاية تغطية كُـلّ متر من البحر الأحمر وحماية السفن الأكثر عرضة للخطر.
خطابٌ كشف هشاشةَ التحالف الخائف:
وعلى المستوى الدولي والإقليمي فَــإنَّ هناك تحديات واضحة تواجه الإدارة الأمريكية في حشد أكبر عدد من الدول تحت لواء التحالف العسكري لناحية الدول الغربية، وهذا بدا واضحًا من خلال الموقف الأُورُوبي والغربي الذي رفض المشاركة في التحالف ضد اليمن والمُسمى بـ”حارس الازدهار”، والبعض أعلن الانسحاب وفق تقارير إعلامية، التي أكّـدت بانسحاب كُلٍّ من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا رسميًّا من هذا التحالف البحري الفاشل الذي دعت إليه أمريكا بزعم تأمين الملاحة البحرية من هجمات وتهديدات القوات المسلحة اليمنية، لافتة إلى أن الدول الثلاث أوضحت موقفها بأنها لن تقوم بإجراء المزيد من العمليات البحرية إلا تحت قيادة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وليس “أمريكا”.
وبانسحاب هذه الدول الثلاث لم يتبقَ من الدول المشاركة في التحالف مع أمريكا سوى بريطانيا التي أعلنت مشاركتها بالمدمّـرة “دايموند”، وكندا التي لم تحدّد حجم مشاركتها حتى الآن، بالإضافة إلى اليونان التي أعلنت مشاركتها بفرقاطة يتيمة، وقد تنسحب تحت ضغوط كثيرة، فيما أعلنت هولندا مشاركتها بضابطين اثنين والدنمارك بضابط واحد وأستراليا بـ11 جندياً والنرويج بعشرة ضباط، أما البحرين وسيشيل فليستا داخل حسبان تشكيل تحالف دولي نظراً لصغرهما من حَيثُ المساحة والدور.
ويبدو أن هذه الانسحابات تعكس الدوافع المتناقضة وراء تشكيل التحالف، حَيثُ تشير التقارير إلى أن إصرار واشنطن على تشكيل هذا التحالف هو لحماية الكيان الصهيوني، وإنقاذه اقتصاديًّا وتجنيبه الخسائر الفادحة التي يتكبدها نتيجة منع القوات اليمنية سفن الكيان الغاصب والمتجهة إلى الأراضي المحتلّة من عبور البحر الأحمر، فيما تحرص هذه الدول على عدم توسيع رقعة الحرب في المنطقة والدخول في حرب خاسرة مع اليمن الذي أصبح قوة عالمية، والحفاظ على ممر آمن لسفنها المتجهة إلى مناطق أُخرى عبر البحر الأحمر، مع تأكيد القوات اليمنية أن قرارها بمنع العبور ينطبق حصراً على السفن المتجهة إلى كيان العدوّ الصهيوني حصراً.
ويحذر مراقبون من أنه في حال قرّرت أمريكا والدول المتبقية معها في تحالفها شن أي عمل عسكري ضد اليمن، فَــإنَّها ستكون بمثابة المعتدي ضمن تحالف سيتسبب في اندلاع حرب قد تؤثر تبعاتها على الاقتصاد العالمي، مؤكّـدين أن التحالف الأمريكي الذي أصبح على وشك الانهيار بعد انسحاب إسبانيا وإيطاليا وفرنسا ورفض الصين، يشكل ضربة كبيرة لـمكانة أمريكا العالمية، والتي تم سحقها أَيْـضاً في الأمم المتحدة أثناء اجتماعات بشأن الوضع في فلسطين، حَيثُ اصطف العالم كله مع فلسطين وبقت واشنطن وحيدة بجانب بضع دول مع كيان العدوّ الصهيوني.
الجدير ذكره أن التحالف الأمريكي لحماية السفن الصهيونية في البحر الأحمر من هجمات اليمنيين، لا يحظى بدعم إقليمي لشن حرب محتملة على اليمن، بحسب ما يراه الخبراء؛ لأَنَّ هدفَه الأَسَاسي هو “حماية الكيان الغاصب”، ويبدو أنه “مات قبل أن يولد”.
كلمةُ الفصل في الخطاب:
وفي إطارِ كشفِ الحقائق وتوجيه الرسائل التي تضمنها خطاب قائد الثورة، الذي أسقط الدعاية الأمريكية بقوة الخطاب المحتشد بالشواهد والحقائق القوية وأحدث تحولاً في السياسات الإعلامية العالمية، ووفق المعلومات الاستراتيجية فَــإنَّ التحالف الأمريكي ولد ميتاً؛ لأَنَّ واشنطن قامت بضَمٍّ دولٍ أُورُوبيةٍ غيرِ مطلة على البحر الأحمر، وهو ما يفسر فشل واشنطن في استقطاب مجموعة من الدول المطلة والمعنية لحماية أمن الممرات البحرية، والسبب أن تلك الدول تعرف كلمة الفصل في الخطاب لقائد الثورة، والبعض منها قد جربت وعاشت الحقيقة المرة واشتمت رائحة الموت القادمة مع الصواريخ والطائرات المُسيّرة.
ولهذا فَــإنَّ التحالف والعدوان السعوديّ الإماراتي على شعبنا اليمني، كشف حقيقَة الموقف الأمريكي الكاذب، أمام الدول العربية، التي أصبحت توجس وتشك في كُـلّ التحَرّكات والتحالفات الأمريكية؛ جَرَّاءَ ما حدث لها؛ بسبب العدوان؛ ما جعل تلك الدول اليوم تتحفظ عن المشاركة العلنية في هذا التحالف البحري، ولهذا فَــإنَّ رسائل السيد القائد أحدثت تغييرًا في السياسة العربية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ باتت هذه الدول تفهم جيِّدًا طبيعة السلوك الأمريكي المنحاز لكيان العدوّ الإسرائيلي، وتفهُّم جديَّة اليمن في خوض الحرب المباشرة مع أية دولة؛ مِن أجل القضية المقدسة.
من ناحية أُخرى، فَــإنَّ بعض الدول المحرجة من إعلان الوقوف العلني إلى جانب الأمريكي وحماية تل أبيب وسفنها التجارية، مثل السعوديّة والإمارات، فَــإنَّها قد تفعل ذلك سراً، دون أن تكون تحت الضوء، وقد أوردت بعض المصادر، أن الإمارات تضغط؛ مِن أجل القيام بعمل عسكري وتريد من الولايات المتحدة إعادة تصنيف أنصار الله على أنهم “إرهابيون”. في المقابل، تتخبط الرياض في سياساتها خوفاً من الضربات اليمنية من جانب، وانصياعاً وراء الضغوط الأمريكية من الجانب الآخر.
*نقلا عن : موقع أنصار الله