اليوم نحتفل بصمودنا في اليمن، والسعودية ومَنْ ورائها مِنَ اليهود والأمريكان ودول التحالف يتجرعون ويلات الهزائم والانكسارات، خاصة وهم يديرون حربا علينا بكل تقنيات الكون المعاصر، وبأحدث ما أبتكره العقل البشري من أسلحة دمار شامل، وقد عجزوا عن بلوغ الغايات والأهداف التي كانوا يريدون تحقيقها .
لم نكن نملك في اليمن سوى سلاح الإيمان بالله وبالقضية، وقد خضنا معركتنا بالتوكل على الله واثقين بنصره وتدبيره لنا، واثقين بوعده لنا أن يجعل عاقبة الأمور لنا، ونحن على مقربة من تحقيق وعد الله لنا .
لم تكن السعودية تدرك خطورة ما تقدم عليه، وقاد قادتها حماقتها وغرور القوة إلى هاوية السقوط الأخلاقي، والسقوط العسكري، وهي غير واعية نتائج الحماقات التي تحدثها في واقع الأمة، لذلك نراها تذهب إلى التطبيع بكل ذلة وخنوع .
وقد صنعت الإمارات مثل صنعها، وهي بعد أمد قصير سوف تكتشف أن حركة الاقتصاد العالمي قد تجاوزتها، وأن الصين قد سحبت بساط التجارة والسوق الحرة من تحت قدمها، وتلك النتيجة التي سوف تصل اليها الإمارات في المستقبل المنظور لا تنفصل عن نتائج العدوان على اليمن، ذلك أن الأسر الخليجية الحاكمة كلهم بدون استثناء ليسوا أكثر من حراس لمصادر الطاقة في الزمن المنصرم، قد تحولوا اليوم إلى حراس لمصالح أمريكا وإسرائيل، ويديرون حربا بالوكالة عن إسرائيل وأمريكا، وبالقياس العقلي ليس للإمارات مصلحة تُذكر في شن عدوان همجي على اليمن، وليس للسعودية أي مصلحة تُذكر، بل من مصلحة الإقليم كله هو التناغم والسلام وتحقيق مبدأ العلاقات القائمة على المصالح المشتركة والمصلحة المرسلة .
العبث الذي مارسته دويلة الإمارات في الجزر والموانئ اليمنية لن يجعل الصين تتوقف عن مشروعها الاستراتيجي في تجديد طريق الحرير التجاري، وهذا المشروع بالضرورة والأثر سيجعل من دبي مدينة تجارية لعبت دورا مفصليا في حركة التجارة العالمية في الزمن القديم .
الموضوع الذي حدث ويحدث في المنطقة أكبر من قدرات السعودية والإمارات الذهنية، ولذلك أصبحوا وقودا يحترق حتى تضاء مصالح أمريكا وإسرائيل، وليس لهم من أثر ذلك الحريق سوى دخانه الذي يزكم الأنوف حاضرا ومستقبلا .
لقد سطر أهل اليمن بطولات ذات أثر ومعنى وقيمة ولن تذهب تضحياتهم هدرا، فقد وعدهم الله بالتمكين، وهو كائن لا محالة، ولله عاقبة الأمور .
ظنت أمريكا – وفق قراءة استخبارية ومعلومات ميدانية تحركت فيها سفارتها في العقدين الأول والثاني من الألفية – أن العملية العسكرية في اليمن لن تستغرق زمنا طويلا وسوف يتم حسم المعركة في غضون أيام قلائل، وها هو الزمن يجتاز عتبة العام التاسع ليلج إلى عامه العاشر، في حين تشهد اليمن تبدلا، وتتغير المعادلة من الضعف إلى القوة، ومن الشتات إلى الوحدة، ومن التضليل إلى الوعي، ومن الدفاع إلى الهجوم، وهو أمر ما كان له أن يحدث لولا الإيمان بعدالة القضية والثقة بنصر الله للمؤمنين في كتابه العزيز .
كانت اليمن تبحث عن السلام وفق شروط العدو، اليوم العدو يبحث عن السلام وفق شروط أهل اليمن، وتلك من آيات الله لقوم يؤمنون، وكل التفاعلات الدولية والأحداث تصب في مسار ومصلحة اليمن، إذ اتسع الخرق على الراقع فضاعت عليه مفردات اللعبة وأصبح عاجزا كل العجز عن التحكم بها، أو السيطرة على مساراتها، وكل الخيارات التي حاول من خلالها استعادة السيطرة تركت أثرا مدمرا عليه وعلى بناه العامة .
كل التداعيات الدولية اليوم حشرت أمريكا في زاوية أخلاقية حرجة، فقد حاولت أن تسير في وهم السيطرة على النظام الدولي، فوقفت لها روسيا والصين بالمرصاد فعجزت، فبرز سؤال تحديث أسس ومبادئ النظام الدولي، وهو سؤال ظلت أمريكا تهرب من استحقاقه منذ زمن، أسس الاستغلال الذي مارسته أمريكا على شعوب وأنظمة العالم كشفت روسيا أسراره اليوم عن طريق الأدلة الدامغة التي حصلت عليها من المعامل البيولوجية في أوكرانيا، كل فرص الاستغلال أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار والتداعي والسقوط وبها ومن خلالها سوف يتداعى النظام الدولي القديم الذي تقوده أمريكا حتى يصبح أثرا بعد عين .
من الصعب أن تبني نظاما عاما وطبيعيا في العالم، ولكن من السهل أن تهدمه، وكما عملت أمريكا على هدمه في دول الربيع العربي حتى يسهل عليها فرض السيطرة على الحكومات والهيمنة على الشعوب ها هي تتجرع وباله سُمَّاً ناقعا من روسيا اليوم، وغدا تتجرعه في الصين وكوريا وفي كثير من بقاع العالم التي كانت ترى أنها تحكم السيطرة على مقاليدها وبالتالي تحدث من خلالها لعبة التوازنات والضغوط حتى تمارس غواية الاستغلال .
قد لا يرى الكثير الأثر المباشر ليوم الصمود اليمني في وجه جبروت أمريكا لكن قيادة أمريكا للعدوان على اليمن واستخدامها لكل تقنيات الأسلحة في اليمن جعل منها كتابا مفتوحا ومقروءا، فالذي كان يتصورها حالة غير قابلة للقهر وجد فرصته ليغير من هذا التصور، والموضوع يمتد ليشمل محور المقاومة كله، فالقراءة التحليلية قادرة على سبر الغور للوصول إلى قرار كالذي حدث مع روسيا التي دخلت إلى الخيار العسكري في أوكرانيا وهي على إدراك كامل بقدرات العدو من خلال التدخل المباشر في سوريا .
نخلص إلى القول أن محور المقاومة الإسلامية صنع واقعا جديدا وخدش وجع أمريكا القبيح، والسؤال هل سيكون لمحور المقاومة حضور فاعل في صناعة نظام دولي جديد يحترم حقوق الشعوب في العيش الكريم ؟