حرص السيد القائد ويحرص دائماً في كلماته، وخطاباته، ودروسه على لم شمل شعوب الأمة المبعثر، خصوصاً في الظرف الراهن الذي بلغ فيه الانقسام والتخاذل مداه، لدرجة أن جرائم الأعداء بحق أبناء الأمة ترتكب علناً، جهاراً نهاراً.
وبمشاهدات مباشرة، وحية لصرخات الأطفال، وقهر الآباء، وحسرة الأمهات، ومع كل ذلك لم يتأثر العرب حكاماً وشعوباً بفظاعة كل تلك المشاهد الحية في قطاع غزة، وقد سبق لأعداء الأمة استهداف شعوبها بعد تفريقها، وإحلال الصراع، والتنازع فيما بيها، بدلاً عن الوحدة والاعتصام بحبل الله المتين، للوقوف صفاً واحداً في وجه أعدائها المجرمين، الذين أظهروا الود لبعضها وأوهموها بوجود علاقة صداقة، ومصالح مشتركة معها، ليسهل لهم ضربها مفرقة، لإدراكهم أن وحدة شعوب الأمة العربية يعد مانعاً من العدوان عليها مهما تكن قوة أعدائها، وأنه لا سبيل الى السيطرة على موقعها الجغرافي، والاستحواذ على ثرواتها، واذلالها إلا بتمزيقها، وزرع بذور الصراع فيما بينها، لتنشغل بصراعها البيني الموجه من أعدائها.
وفي ذات الوقت يتفرغون هم لتحقيق أهدافهم على أرض الواقع في ظل حالة انشغال شعوب الأمة بصراعها البيني.
ومنذ ثمانية أشهر لم يتوقف السيد القائد في كلماته وخطاباته ودروسه عن دعوة شعوب الأمة وحكامها لنبذ الفرقة، والعمل المشترك لنصرة قضية الشعب الفلسطيني، قضية العرب الأولى، وخصوصاً ما يتعرضون له في الوقت الراهن من أفعال إبادة جماعية، وتدمير لكل مقومات الحياة في قطاع غزة، وذكرهم بأن كل ذلك جدير بأن يحرك فيهم عروبتهم، ونخوتهم ونجدتهم.
وجدير بأن يحرك فيهم الاستجابة السريعة لواجبهم الديني تجاه إخوانهم من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في مواجهة غطرسة، وعربدة، واجرام الكيان الصهيوني، والقوى الاستعمارية الغربية الداعمة له.
وعلى الرغم من أن أفعال جريمة الإبادة لم تتوقف يوماً واحداً، غير أنه، ومن المؤسف أن موقف الشعوب العربية وأنظمتها الحاكمة لا يزال في حالة التجمد، في الوقت الذي حركت تلك الجرائم دولاً بعيدة عن فلسطين جغرافياً ودينياً وقومياً، حركتها فقط رابطة الإنسانية السليمة المنكرة لقبح واجرام الكيان الصهيوني، والقوى الاستعمارية الغربية، وهو الذي دفع تلك الدول البعيدة إلى إعلان قطع علاقاتها الدبلوماسية، والاقتصادية مع دولة الكيان الصهيوني.
وحركت رابطة الإنسانية السليمة المنكرة لتلك الجريمة الشعوب الغربية، ومنها شعوب الأنظمة المشاركة للكيان الصهيوني في جريمته، وفي المقابل كان الموقف العربي للأنظمة والشعوب موقفاً سلبياً مخزياً، رغم روابط الدين واللغة والجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك، وكانت الحرقة والمرارة واضحة في كلمة السيد القائد ليوم الخميس على حال الأمة، وهي تتفرج على أفعال الإبادة وكأن أنظمتها الحاكمة وشعوبها جميعهم (صم بكم عمي فهم لا يبصرون) ولم يتوقف السيد القائد عن تذكير الشعوب العربية، وأنظمتها الحاكمة بواجباتهم الدينية، والأخوية، والإنسانية في كل كلماته وخطاباته، ودروسه، لكن دون جدوى!
وبهدف استفزاز الشعوب والحكام تساءل بحرقة: أيعقل أن يحدث كل ما يحدث لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وهم في الوسط العربي يرتبطون بجوارهم الجغرافي بروابط الدين واللغة والأخوة التي لا يصح معها أبداً أن يتعرضوا لما يتعرضون له وإخوانهم بجوارهم صامتون لا يحركون ساكنا لنجدتهم؟
ورغم ما تتضمنه كلمات السيد القائد من تقريع، وتوبيخ للحكام العرب، ولوم للشعوب العربية على التخاذل والخذلان والتفريط في الواجبات الدينية والأخوية والإنسانية، التي توجب نصرة أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، خصوصاً والأراضي الفلسطينية المحتلة عموماً، ومع كل ذلك لم يتحرك الجوار العربي شعوباً وأنظمة حاكمة، ولم يحرك ساكناً، وكأن المستعمر الأجنبي الغربي الأمريكي تحديداً يتحكم بشكل مباشر بحركتهم، فإذا ما أراد ايقافهم فعل، وإذا ما أراد تحريكهم في الاتجاه الذي يريد فعل أيضاً!
أما الجرائم المرتكبة بحق إخوانهم فليس لها أي أثر يذكر في تحريكهم! والأسوأ من كل ذلك هو مناصرة بعض الأنظمة العربية للكيان الصهيوني ضد إخوانهم المظلومين من أبناء الشعب في قطاع غزة، والتعاون معه واسناده في ارتكاب جريمته بمظاهر متعددة لعل أحدثها ما يسمى بالتدريبات العسكرية المشتركة تحت عناوين (الغضب العارم ، الأسد المتأهب، الأسد الافريقي)، وهي تحركات تخدم الكيان الصهيوني، وتسخر إمكانيات شعوب الأمة العربية لحمايته من الإجراءات الضاغطة والمؤثرة عليه من جانب بلادنا ومحور المقاومة عموماً، للتأثير سلباً على عمليات الاسناد للشعب الفلسطيني في مواجهة الكيان الصهيوني، والقوى الغربية الشريكة له في جريمته، تلك العمليات التي تهدف إلى وقف أفعال جريمة الإبادة التي يتعرض لها أبناء قطاع غزة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن السيد القائد كرس، ويكرس في كلماته شراكة الإدارة الأمريكية في ارتكاب أفعال جريمة الإبادة الجماعية، بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويؤكد بشكل مستمر أن دور الإدارة الأمريكية في الجريمة يتجاوز دور الكيان الصهيوني المباشر لأفعالها، فلولا شراكة الإدارة الأمريكية والدعم والاسناد الأمريكي في شمال غزة ووسطها وجنوبها، لما استمر الكيان المجرم في اقتراف أفعال جريمة الإبادة كل هذا الوقت، وما جريمة مخيم "النصيرات" مؤخراً الا فعل كاشف لدور الإدارة الأمريكية الاجرامي المؤثر إلى جانب الكيان الصهيوني، هذا الدور الذي حاولت الإدارة الأمريكية إخفاءه بالتخفي وراء عناوين الوساطة، والرصيف العائم لإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية، وغير ذلك من العناوين الكاذبة والخداعة.
وقد كشفت جريمة مخيم "النصيرات" أن الهدف من الرصيف العائم هو احتلال جزء من أرض ومياه قطاع غزة لتوفير المزيد من الدعم، والاسناد للكيان الصهيوني، ومع أن السيد القائد يركز في كلماته عموماً، وركز في كلمة يوم الخميس على فضح الدور الأمريكي، لكن المؤسف أن الموقف العربي لا يزال على حاله في درجة التجمد، ولم يفت السيد القائد في هذه الكلمة الإشادة بدور المجاهدين في محور المقاومة، والتأكيد على موقف شعبنا الثابت والمتصاعد رغم الضغوط المستمرة خصوصاً المتعلقة بالجانب الإنساني التي تهدف الى التأثير سلباً على موقف شعبنا الذي تعمل قواته المسلحة بشكل حثيث على تطوير قدراته العسكرية لتجاوز العوائق التقنية للأعداء.
وتضمنت كلمة السيد القائد التأكيد على ما سبق أن ورد في كلماته سابقاً، وهو نفي أي نوايا عدوانية من جانب شعبنا تجاه أي نظام عربي مهما كان موقفه سلبياً من نصرة المظلومين من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وحذر بشكل واضح وصريح الأنظمة العربية من التورط بأي شكل من الأشكال في الإضرار بشعبنا في لقمة عيشه، وأن أي ضرر ضد شعبنا سيقابل بمثله، وبحزم وقوة في وجه المتسبب به، وفقاً لمعادلة الضرر بالضرر.
ووفقاً لما ورد في كلمة السيد ليوم الخميس، فإنه ليس وارداً أبداً السكوت على الضرر في الوقت الذي ينعم المتسبب به بالأمن والهدوء، وذكّر السيد القائد الحكام العرب بأنه إذا لم يكن بمقدورهم نصرة الشعب الفلسطيني، فلا يقفوا عائقاً، ومترساً لحماية الكيان الصهيوني المجرم في وجه من يعمل جاهداً لنصرة مظلومية العصر التي يتعرض لها أبناء قطاع غزة.