البتول المحطوري*
صفحاتُ الماضي القاسية التي عاشها العظماء من نجوم آل البيت تعود اليوم ولكن بِحُلةٍ جديدة لا تحتاجُ لمعرفتها:
من القائل وما المناسبة؟
إنما تحتاج:
من الفاعل ومن المفعول به؟؛ فالسيرة قد طُمست ولم تعُود منصفة، فأتى النحو لِيُصححَ ما قد أُخطئ؛ ليرفع العظيم ويكسر المجرم؛ لتنكشفَ الحقيقة لمن لم يروها؛ فهشامُ الأمس احتلَ منصب الفاعل:
يأمر بما يهوى قلبه، ويُرضي رغبة، وينهى بالسيف كُـلّ من يقفُ ضده، لِيُخبر القومَ يوم الحج بأن من يأمرهُ بالتقوى سيقطع عنقه، ومن يقف مع منهجه سيرفعهُ نائبًا له؛ فأتى حليف القرآن لِيشمل الجملةَ النحوية ويُصححها؛ ليِجُرَ الظالمَ بعد أن رُفع، وينصر المظلوم بعد أن حذف من الساحة الإسلامية آنذاك وإلى اليوم، فيُجدد الدين كما أنزلهُ الله على لسان رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- ليقول ردًّا عليه: “اتق الله يا هشام”، فبكلماته تلك أشعل فتيل الثورة التي كانت مخبئة في صدر الأُمَّــة، فأي خليفةٍ أَو رئيسٍ أَو زعيمٍ يُدير شؤون المسلمين يُصفق لِأي عمل يعمل به اليهود أولًا، ويقتلَ كُـلّ من يقفُ ضد ظلمه ثانيًا، فهو والله جديرٌ بأن تخرج الأُمَّــة الإسلامية ضده وتُقيم ألف ثورةٍ وثورة.
إن الذي لم يدع الإمامُ زيد -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- أن يسكت لن يدعنا اليوم نسكت في هذا الوضع المُزري التي تعيشهُ أُمتُنا:
من حالة ضياع، وتخبط، وتبعية لما تُمليه الأجندة الأمريكية والإسرائيلية.
تحَرّك الإمام زيد-عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-بعد أن أقام الحجّـة، وعرض البراهين للأُمَّـة بيَدٍ تحملُ البصيرة التي امتلأت هدىً ونورًا، وبالأُخرى جهادًا أشبع السيف فازداد حدة، لا يرحمُ العدوّ إن فكر في الاقتراب بِقربه، لِيتحَرّك اليوم شعبٌ امتلك البصيرة التي امتلكها الإمامُ زيد-عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-، لم يرضَ بأن يرقص كما يعمل حُكام اليوم يَهُزُّون أجسادهم على أنغام العهر والرذيلة، والأمة من حولهم تمُت كبدًا، بل أعد العدة بما أمكنه الله، فيجعل الله سلاحه المتواضع ذاك سلاحًا احتار المُحللون العسكريون عن فكِ شفرته، فيخترقُ حُصون العدوّ وهم في نومهم يتمتعون؛ ليجعل حُلم السيطرة التي يحلمونها كابوسًا يؤرق نومهم، أو
بالأحرى قد سلب النوم من عيونهم، فهم يعترفون صراحةً وبشكل علني، فالذي قد أعطى الشجاعة والقوة للإمام هو والله ِ قادِرٌ أن يمُدها لشعبٍ اتخذ مشروع “ههيهاتَ منَّا الذلةَ” بأضعاف ما قد أعطاها سابقًا.
مكث الإمامُ في الكوفة إحدى عشر شهرًا كما قال بعض المُؤرِخين، يُخاطب القلوب الميتة؛ لعلها تصحوا مما هي فيه، وتُنقذَ نفسها من هيمنة الطغاة المجرمين، فبايعهُ خمسة عشر ألفًا من أهل الكوفة، ولكن حينما ينغمسُ الكذبُ والريا مع الجبن والحقارة سيُشكِلون لوحةً مفادُها: أن الحادثَة ستكونُ حُسينية لا ناصر ولا مُغيث، فمن هذا العدد الكبير كان التفريط حاضرًا وبقوة يتلبسهم ليجعلهم جامِدين يرضون بالدراهم وسلامة النفس كما يزعُمون، فلم يخرج مع الإمامُ زيدٍ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- سوى ماِئتين وثمانية عشر رَجُلًا.
وعندما نربط ذلك الحدث بأحداث اليوم نجد أن الزمن يعيد نفسه؛ فلم يخرج لِمُناصرة غزة إلا القلةُ القليةُ التي من محور الجهاد والمُقاومة، ولكن تلك القلة استطاعت بفضل الله أن تغلب الفئة الكثيرة وتُحقّق انتصارًا كَبيراً في الساحة الإسلامية.
خططَ الإمامُ زيدٍ أن تكون الثورة يوم واحد صفر ولكن نتيجة العمل الاستخباراتي الأموي اكتشفت خطة الإمام زيد؛ فقد أفشى بها البعض، ولقد كادت الاستخبارات الأموية أن تكشف مكان الإمام فاضطر إلى تعجيل الخروج في الثاني والعشرين من محرم مع من كان قد استجاب له وهو يرى حالة الخذلان في واقع الأُمَّــة وقلة المُستجيبين وقلة الإمْكَانيات حتى، ولكن برغم ذلك لم تنطفئ ثورة الوقوف ضد الظلم في قلب الإمام وفي قلب أُولئك الأنصار القلة فهزموا اثنا عشر ألفًا من الجيش الأموي في كُـلّ سكة وشارع، وقتل في اليوم الأول ألفي قتيل حتى تمكّن الإمام من الوصول إلى مسجد الكوفة التي حُصِرَ فيه جمعٌ من أهل الكوفة من قِبل والي هشام.
لو أتينا لِقِراءة النص من الواقع بأن تلك الألف الذين حُصِروا في ذاك المسجد باستطاعتهم أن يقلعوا أبوابه ويُشاركُوا الإمام زيد -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-؛ فالإنسان هو الصانعُ للباب وليس الباب صانع الإنسان، ولكن أبواب الجهل والعمى قد أحكمت الوثاق عليهم فلم يستطيعوا التحرّر برغم وصول الإمام إليهم وفتح الأبواب لهم لِيُمحي أي عذرٍ قد وضعوه، ولكن للأسف لم يُجدي نفعًا؛ فالموضوع قد أعجبهم، فقال لهم نصر بن خزيمة أحد المُخلصين للإمام: “اخرجوا يا أهل الكوفة، اخرجوا من الذل إلا العز، اخرجوا إلى خير الدنيا والآخرة فَــإنَّكم لستم في واحدٍ منهما”، بمعنى حديثه بأنكم لن تنالوا خير الدنيا والآخرة، فتحت لهم الأبواب فلم يخرجوا، لقد رغبوا في حبس أنفسهم.
اليوم وللأسف الشديد نرى الكثير من ذوي السلطة يضعون أنفسهم في أقفاص التبعية لايودون مُناصرة أحد بل ويعملون على إماتة أي صوت يخرُجُ من بلدهم؛ حتى لا يضر مصالحهم الشخصية كما يقولون.
وفي اليوم 25 من محرم وبعد انتصارات حقّقها شاء الله أن يرفع الإمام بقرب جده رسول الله، وحين عجزُوا عن إيقافه استخدموا الغدر بالسهم، فكان السهم الذي اخترق رأس الإمام زيد-عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- قد نفذ ما يطمحون الوصول إليه، فاستشهد الإمام على إثره ودفن سِرًا، ولكن حقد بني أمية لم يهدئ، علموا بمكان الجثمان فأخرجوه وقاموا بقطع الرأس والطواف به في البلدان الإسلامية، ولم يكتفوا بهذا بل انعدمت الأخلاق الإنسانية ليصلبوا الجسد الشريف منزوعًا عنه الثياب لمدة أربع سنوات، لم يشَءِ الله أن يساءَ لجسد الإمام الثائر؛ فقد استرسل جلد من بطنه من أمامه ومن خلفه حتى ستر عورته، ولم تشبع ولن تشبع نفوس بني أمية إلا بحرق جثمانه وسحق الرماد، وذروا جزءًا منه في الفرات، لنرى اليوم جزيئات الإمام زيدٍ قد التحمت وعادت من جديد في البحر الأحمر والعربي وغيره لِتُرهبَ أمريكا و”إسرائيل” كما أرهبت بني أمية.
*نقلا عن : موقع أنصار الله