ثمة فرق بين وطن يراه أبناؤه وطنا لقلوبهم ووطناً يفخرون بالانتماء إليه، ويعتزون بمقدراته الحضارية والثقافية ويغوصون في تاريخه ويبدعون ألقه ويومه، وبين وطن يراه حاطبو الليل من أبنائه وطنا مدرارا لهم بالأموال، ووطنا قابلاً للتفاوض وللبيع مقابل دراهم معدودات، وأثمان بخسة يتاجرون به وبمقدراته وبتاريخه وبحضارته وبكل ماضيه وقيمته، ونراهم على الفضائيات في هراء مضحك أو عواء مخذول أو نهيق منكر، يقولون قولاً منكرا , ثم يأتي معتوه من بعران الصحراء ليقول لهم أن الذي يحدث في اليمن حرب وجود , وأن السعودية لم تذهب إلى الحرب إلا دفاعاً عن مصالحها ومصالح دول الخليج ثم يطل آخر ليقول لهم : أن شراء الذمم سياسة تؤكد نجاحها في اليمن ولذلك يمكن للتحالف أن ينتصر في معركته المصيرية في اليمن طالما وهو يملك المال .
وحين تعلن الحقائق عن نفسها وبوضوح كامل وتتحدث الكثير من المحافل السياسية والأوساط الإعلامية عن مشروع سياسي سوف يحدث تبدلاً وتغيراً في شكل الخارطة، وتعلن مسؤولة الخارجية الأمريكية الأولى في الحكومة الأمريكية السابقة هيلاري كيلنتون : أن أمريكا اتفقت مع الإخوان على إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) .
وتلك الإشارة تومئ إلى أن «الإخوان» لا يعنيهم شيء سوى التمكين والأموال التي سوف يحصلون عليها أما موضوع الدين والإسلام وموضوع السنة وأهل السنة فهو موضوع عائم ولا يحمل مفهومهاً محدداً , كما أن الوطن والانتماء والهوية مفاهيم عائمة في فكر الإخوان منذ نشأتهم , ولم يؤثر عنهم إلا التماهي والتعويم على مدى تاريخ تفاعلهم الثقافي والسياسي , وحين يتماهون مع المشروع الأمريكي الصهيوني الهادف إلى تغيير الخارطة وإحداث توازن جديد قائم على التجانس والعرقيات في التكوين العام فهم لا ينظرون إلى المشروع إلا من زاوية ضيقة ذات بعد منطقي في القواعد الأصولية الفقهية وهي القاعدة التي تنص على القول:
إذا تحققت المصلحة فثم شرع الله .
وقد أخذت هذه القاعدة من مطلق العموم إلى خصوصية القيد المرتبط بالذات أو بالجماعة ذات التجانس الثقافي والسياسي , ولم يؤثر عن حركة الإخوان اجتهاد مطلق يحقق للأمة ما تصبو إليه من سؤدد ومجد , ولكننا شهدنا اجتهادات لا تتجاوز شهوة البطن وشهوة الفرج ولهم في ذلك أقوال وتخريجات لا يمكننا نكرانها، لكننا لم نشهد لهم اجتهادا ومشروعا نهضويا وسياسيا قادرا على إحداث التحول الحضاري في مسار الأمة , وقد دل تاريخهم ودل تفاعلهم على حالة الانكفاء البينية، وحالة التنافر والتضاد، وكل حالات التمكين التي تحققت لهم في العقود الماضية شهدت ثأراً سياسياً مغلفاً بغلاف ديني وفتوى صادرة من رمزيات صنعوها فعبدوها، وبمجرد التأمل في تاريخهم تجد أن الإخوان لا يبرحون اللحظات المضيئة في حياتهم فهم في مصر وبعد كل هذه السنين والتحولات والتبدلات والتفاعلات السياسية لا يبرحون فكرة الانقلاب، حتى أن مرسي في مقطع فيديو متداول في الوسائط الاجتماعية يخاطب محمد بديع ويبشره بأنه رأى الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام في منامه ويبشره بالعودة إلى الحكم, وهم في اليمن لا يتجاوزون هذا الوعي، فقد تداول ناشطون منشوراً منسوخاً من موقع قناة “يمن شباب” يقول ذلك المنشور: إن رجلاً من الإخوان بات بفندق بجانب الحرم المكي ورأى في منامه جبريل وهو يقول: إن الملائكة تقاتل معهم في كل الجبهات في اليمن وأن النصر بات قريباً ويقسم على ذلك أيماناً مغلظة، وبمثل ذلك الوعي ظل “الإخوان” يمارسون غوايتهم التاريخية القائمة على مبدأ الغنائم والأنفال وتكديس الذهب والفضة ولذلك لم يتجاوز وعيهم مفهوم “وطن الجيب” وهم يحسنون صناعة وطن الجيب وقد يجد المتابع لخطابهم الإعلامي والسياسي نزعة مقيتة تؤثر عن اليهود وهي نزعة التفرد والواحدية، فاليهود يلتقون مع الإخوان عند زاوية حب المال وتكديسه وكنزه، وعند مبدأ اليقين بالتفرد والاصطفاء, فخطاب الإخوان لا يكاد يخرج عن مبدأ “شعب الله المختار” ولذلك تجدهم يبكون الصغائر ويستعظمونها إن كانت فيهم ويستصغرون العظائم ويقللون من قدرها إن كانت في غيرهم, ولعمري لقد صهرت نيران العدوان الناس وامتازوا وتمايزوا في فئتين , ففئة ترى الوطن وطن هوية وانتماء لا يمكن المزايدة به أو عليه , وفئة تراه سلعة تبتاع فيه وتشتري ولا يتجاوز مفهوم الجيب عندها .
مضت أعوام خمسة من عمر العدوان وقد ذقنا فيها مرارات الوجع وعرفنا الصبر أننا أمر من الصبر ولكننا شربنا ماء عزتنا وكرامتنا وأثبتنا للعالم أننا قوم لا نساوم على الوطن فهو وطن لقلوبنا لا لجيوبنا ولسنا كشذاذ الأفاق الذين يتاجرون بالقيم والمبادئ ويبيعون وطنهم في سوق النخاسة وقد ذلوا وهانوا ورضيت أنفسهم بالذل والهوان وذلك شأنهم .
وحين نتحدث عن الهوية الوطنية واليمنية والهوية الإيمانية ويفرد قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي خطابا خاصا بموضوع الهوية في مفهومها الشامل والخاص فذلك يعني أننا نملك مشروعا سياسيا وحضاريا لأننا ندرك مقوماته وضروراته بدليل أن التفاعل مع الفكرة التي ناقشها قائد الثورة مع جمع كبير من خواص الناس في الجامع الكبير بصنعاء كان تفاعل الفراغ الذي يشتهي الامتلاء بعد سنين طوال من خلوه من المضامين والمعاني التي تعزز من قيمته ومكانته , وكان اختيار المكان له دلالته الخاصة من حيث البعد التاريخي والحضاري ومن حيث قيمة الإيمان وقيمة تكامل المشروع الناهض للأمة اليمنية .
من حقنا أن نصنع وطننا الذي نتخيل , ومن حقنا الدفاع عنه , ومن حقنا أن نسهم في مسار الأمة فذلك قدر أهل اليمن , وعلى تجار الأوطان أن يدركوا أن التاريخ قد كشف سوءتهم وتجاوزهم ولا عزاء لهم .