(المعدة بيت الداء) حكمة منسوبة للطبيب العربي الحارث بن كلدة ، والصوم يفتحُ مغاليق العقل الذي تؤثر فيه بعض سلوكيات الإنسان غير المتزن في التعامل مع غريزة الجوع والعطش وبقية الشهوات والرغبات ،
والعقل كما يقول الفقهاء مناط التكليف شهر الصوم في الإسلام (شهرُ رمضان) الذي أنزل فيه القرآن اقترن بالحث على تلاوته والواقع يشير بأنها تلاوة عابرة بدون تدبّر أو محاولة للفهم غالباً ، ومعلوم أن القرآن حاضن رسالة الإسلام وموضع هدايته !!؛
ولأن القرآن جاء بلسانٍ عربيٍ مبين فإن العربي المسلم وهو يقرأه ويتأمله أقل حاجة للمفسرين ، وما يحتاجه دائماً هو إعمال عقله ومن البديهي أن مسؤوليته في فهم الرسالة وفي نقلها وشرحها أضعاف مسؤولية المسلم غير العربي ، أما المسلم من غير العرب فيحتاج إلى اللغة وإلى العقل والتفسير وبتأمل واقع تحمل العرب لهذه المسؤولية ليس تجاه غيرهم فحسب بل تجاه أنفسهم يشعر بالرعب ببساطة لأن مستوى إعمال العقل عندهم ضئيل هذا إن وجُد وهو مفتاح كل المراتب وباب كل العلوم ومعلوم أن لغة أي أمة هي مخزن عقلها وأداة التعبير عن فكرها !!!؛
وحاجة كل إنسان إلى إعمال عقله من المسلمات لأن التقليد الأعمى أساس الوهن والضعف وبوابة انعدام المسؤولية مهما كانت الثقة بصدق وأمانة الكاتب أو المفسر أو المفكر ، وهي حاجة أكثر إلحاحاً من حالة تأمله واستنطاقه وإمعان النظر فيه مباشرة لأن كثيرا من المفسرين قد غرقوا في بحر الروايات الإسرائيلية وغيرها من الروايات متعددة الأهواء والأهداف تعدد المفسرين وانتماءاتهم ورغباتهم ومذاهبهم ونزواتهم وبالتأكيد بينهم من بذل جهده في تفسير ما غمض عند بعض الإفهام وبيان معاني بعض الألفاظ لغير الناطقين بالعربية أما العرب فالمفترض أنهم يفهمون لغتهم ، إذ كيف يكون عربياً من لا يفهم لغة القرآن ؟!، وهنا قلت عربياً ولم اقل كيف يكون مسلماً.
والعقل الواعي هو من أفسح المجال ليكون المسيحي الذي يُعمل عقله في فهم التراث العربي والإسلامي أكثر فعالية وفهماً للقرآن وأكثر تأثيراً في العالم العربي والإسلامي بل وفي العالم أجمع من العربي المسلم الذي يغرق نفسه وأمته في بحر الروايات المشبوهة التي تغيب العقل ، وللتدليل على ذلك هناك مسيحيون عرب في لبنان والعراق وسوريا ومسلمون غير عرب في إيران وتركيا والأندلس وغيرها خدموا اللغة العربية أكثر بكثير من إخوانهم المسلمين ومنهم بطرس البستاني ، جورجي زيدان ، ناصيف اليازجي ، والشاعر والصحفي مارون عبود المولود في جبيل بلبنان وهو أول مسيحي يسمي ابنه (محمد ) (محمد مارون ) وابن عبد ربه وابن حزم الأندلسيان !! ؛
ومن الغرائب أن نشاط المسيحيين اللبنانيين والأقباط وغيرهم في حفظ لغة القرآن جاء في الوقت الذي كانت الدولة العثمانية التي حملت شعار الإسلام سعت في آخر حياتها إلى استبدال اللغة العربية بالتركية التي اصطنعتها ، ولعل ذلك أحد أهم أسرار انهيار هذه الدولة إلى جانب الفساد !!؛
واحتلال الوعي هدف كل الكيانات التي لا تشعر بانتمائها الطبيعي للوطن الذي تحتله وعلى سبيل المثال الكيان الصهيوني الذي تكشف الأيام مدى الارتباط العضوي بينه وبين كيانات تنتسب للعرب مثل الكيان السعودي والإماراتي وبعض الكيانات الخليجية وغيرها ومثال ذلك هذا المسلسل الفضيحة الذي تقوم بنشره قناة «MBC» السعودية المسمى : (أم هارون) المرتكز على كذبة ومغالطة تاريخية واضحة وهي أن اليهود العرب هُجِّروا من بلدانهم إلى فلسطين بالقوة وهذه كذبة مزدوجة لأن التهجير كان بترتيب صهيوني تمهيداً لاحتلالها وتهجير أهلها الفلسطينيين وقد تعمد المسلسل القول بأن التهجير تم إلى إسرائيل وليس فلسطين وبهندسة وتوجيه بريطاني ثم أمريكي وتمويل سعودي إماراتي خليجي يندى لها جبين التأريخ الإنساني بما صاحب ذلك من مجازر وجرائم ولا تزال فصول هذه الجرائم مستمرة باستخدام المال المسمى بالعربي وهو ذاته ممول جرائم العدوان على اليمن الذي ترتكب من خلاله أبشع الجرائم بحق اليمنيين لعلاقتهم الوجدانية الواضحة بمساندة قضية فلسطين ، كل ذلك ضمن حلقات التآمر المتصلة بالمحاولات المستمرة لتصفية القضية الفلسطينية !؛
وفي مقال لاحق سنتناول المسلسل المُستهدف للوعي والذاكرة العربية اللتين يتوجب أن تكونا يقظتين في مقاومة فاعلة للمشروع الصهيوني الذي تتجدد فصوله وتتسع، ولعل مسلسل (حارس القدس) الذي تبنته وتقوم بعرضه قناة الميادين على مدى شهر رمضان المبارك والذي يحكي سيرة حياة مسيحي مؤمن عابر في تفكيره وسلوكه لكل الطوائف والأمراض الطائفية هو المطران هيلار يون كبوجي هذا العمل يبعث الأمل ويصرف الإحباط والتيئيس الممول من هذه العصابات والدويلات المحسوبة زوراً وبهتاناً على العروبة والإسلام فالوعي هو المستهدف في مختلف مراحل التاريخ ، وشهر رمضان من كل عام ينبغي أن يكون محطة لقراءة واعية تحصن العقل من عبث المفسرين الغارقين في بحر الروايات بقصد أو بدون قصد ، ولمحاولة إنقاذ الأمة مما وصلت إليه من تداعيات وشروخ ، فمن المهم العمل على حفظ التوازن بين العقل والنقل وعدم الانجرار وراء الخلافات الفقهية كأهم ثغرة يحاولون من خلالها إبقاء الأمة عاثرة عاجزة رغم كل القدرات والإمكانيات التي تمتلكها !!.
مدحي لغيرك لهْبُ نارٍ خضتها * فأَجِرْ عبيدَك من لهيب النارِ