في لقاء مع قناة أثير المغاربية قالت الباحثة والكاتبة والمؤرخة الأكاديمية في تاريخ إسبانيا والأندلس: – أديبة روميرو سانشيز- المولودة في غرناطة عام 1984 والتي هاجرت مع والديها إلى مكة وهي في سن الخامسة وأقاموا بها عشر سنوات واستخدمت كما قالت ثلاثة أسماء هي: (آدا) اسمها الإسباني الأصلي، وفي مكة درست في المدرسة الابتدائية والإعدادية للبنات وكانوا يدعونها (عايدة) أما في البيت فإسمها (أديبة).
وذكرت أن إسبانيا بنيت على إبادة شعبها مؤكدة انحدارها من عائلة إسبانية الأصل مسلمة الديانة ، وأنها من العائلات المورسكية المسلمة من قرية شرق إسبانيا وأن السلطات الأسبانية حاولت بقوة بناء تاريخ إسبانيا الحديث على التزوير وإكراه المسلمين على اعتناق الديانة المسيحية بحجة أنهم من الغزاة العرب والمسلمين، وهذا السلوك كما يبدو بُني على ما ترسب في الوعي الجمعي المسيحي ناتج عن ممارسات بحق أجدادهم ، وهذه مسألة تاريخية قامت على روايات متضاربة بحاجة إلى تحري مصداقيتها لأن التاريخ لكي يكون علماً يستحق الاحترام لا بد أن يُبنى على أسس وقواعد علمية موثقة ومصادر موثوقة لأن محاولة تزوير التاريخ يبدو عملاً ممنهجاً تمارسه سلطات استولت على الحكم بالقوة في العديد من البلدان وحولت الحكم إلى استعباد للشعوب بدعاوى مختلفة .
كان لإقامة أديبة بمكة ثم عودتها إلى إسبانيا أثر واضح على شخصيتها فتكونت لديها انطباعات قوية عن أهم مناطق الشرق العربي والإسلامي وعن إسبانيا والثقافة الغربية والعلاقة بين الثقافتين ، ساعدها إتقان اللغة الإسبانية والانجليزية والفرنسية إلى جانب اللغة العربية بطلاقة وهذه الميزة بالإضافة إلى لون بشرتها وشعرها الأسود وأسلوب حديثها تجعلك غير قادر على التصديق بأنها إسبانية ، وأظهرت في اللقاء درجة من الحياد في بحث قضية من أكثر القضايا أهمية في تأريخ البلدان والشعوب التي تلاقت وتلاقحت وتحاورت أعراقها وحضاراتها وثقافاتها تارة بالحوار السلمي وأخرى بالمغالبة واستخدام العنف ، وفي اعتقادي أن(اسبانيا) هذا البلد الجميل والعريق الذي عُرف عند العرب والمسلمين في القرن الثامن الميلادي بالأندلس حين ظهر الاسم منقوشاً على عملة الحكام الأمويين في شبه جزيرة (أيبيريا) حوالي عام 715م، وبحكم موقعها الحساس كانت وما تزال من البلدان التي أثرت فيها عوامل الشد والجذب وتنازعتها أسماء لدول مختلفة ، ومن أكثرها تعرضاً للحروب والنزاعات والتطهير العرقي المتبادل الذي تحتاج دراسته إلى موضوعية وحياد هدفهما استئصال ثقافة الكراهية المتوارثة والتسلط .
بعد عودة أديبة إلى اسبانيا وإكمال دراستها الثانوية التحقت بجامعة غرناطة قسم الدراسات الشرقية وفقه اللغة العربية وحصلت على الماجستير في الثقافتين العربية والعبرية ودرست تاريخ الأندلس وإسبانيا المعاصرة والعالم العربي في 2019 وسجلت لدراسة الدكتوراة في اللغة والنصوص والسياقات في جامعة غرناطة عام 2003، وعملت كذلك في مسح مجموعات المخطوطات المختلفة مثل (fondo Kati) في تمبكتو، ولها مشاركات في العديد من الكتب والدراسات والمقالات للمجلس الوطني للبحوث الإسبانية ، وعبرت عن تفاؤلها ببدء تحول أكيد في السياسة الإسبانية يتسم بالتسامح الديني الذي يؤدي إلى إنهاء حالة التعصب والكراهية .
وأوردت واقعة لطيفة في أول محاضرة لها في جامعة غرناطة المعروفة بعراقتها على مستوى الجامعات العالمية، قالت: إن المحاضرة كانت لأستاذ اللغة العربية المستشرق مانويل سيمون الذي كان يتحدث بعدائية تحريضية واضحة ضد العرب والمسلمين مستنكراً كيف قفزوا بتلك السرعة من صحراء جزيرة العرب البدوية حسب قوله ليحتلوا إسبانيا ، وأن طردهم كان ضرورة لتصحيح التاريخ معبراً عن فخره بأنه حفيد من طردوا المسلمين والعرب الذين استمر احتلالهم لإسبانيا ثمانمائة عام ثم قال: هيا من يقرأ القرآن ، وأشار إلى أديبة فقلت له هل تريد مني أن أقرأ أم أرتل؟ فاستغرب وقال: ترتلين هيا رتلي، ففتحت المصحف ورتلت آية (الله نور السماوات والأرض) كاملة ، وبعد أن أكملت التلاوة نظر إليها وسألها : من أنتِ ؟! فقالت له: أنا أديبة حفيدة من لم يطردهم أجدادك !؛ عاشت أديبة حياة اجتماعية وفكرية تعكس حالة من التضارب بين الهُويتين الوطنية الجامعة، والدينية التي يُفترض قيامها في الدول الحديثة على حرية العقيدة كحق لكل مواطن وما يجمع الهُويتين هوعدم جواز فرضهما أو سحبهما بالقوة بعد انتهاء هيمنة الحكم المستبد ولو نظرياً وبروز الدولة الحديثة (دولة المواطنة المتساوية) التي تقوم على العقد الاجتماعي بين الشعوب والحكام والتي لا بد أن تتطور وتعم العالم ولكي يعم السلام في العالم لا بد من رفض حكم الفرد وإدانة تكوين الدول بالاعتماد على سفك الدماء ولم يعد لمقولة : (الناس على دين ملوكهم) التي تجسد عبودية الشعوب للحكام في العالم أي شرعية أو مشروعية .
من دم الشعب تزهر الأرض
والشمس تشرق من راحتيه.
*نقلا عن :الثورة نت