لماذا يجعلنا تصريح ترامب بأن تفجير لبنان “هجوم متعمد” لا نستبعد “نظرية المؤامرة” فمن يقف خلفه؟ ومن ارسل سفينة “نترات الامونيوم” الى مرفأ بيروت قبل سنوات؟ ومن عرقل كل المطالبات بنقلها؟ هل هي إسرائيل ام أمريكا وبتواطؤ محلي؟ ولماذا اتهموا “حزب الله” منذ الدقيقة الأولى؟ وهل اختيار التوقيت صدفة؟
اذا كان الانفجار الكارثي الذي دمر نصف بيروت وادى الى استشهاد مئة شخص واصابة اربعة آلاف آخرين ليس حادثا عرضيا، وانما هجوم مدبر مثلما قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فان أمريكا ودولة الاحتلال الإسرائيلي هما اللذان يقفان خلفه ويتحملان مسؤوليته سواء بشكل مباشر او عبر وكلائهما في لبنان، ونحن لا نستبعد نظرية المؤامرة، التي كانت هاتان الجهتان تقفان خلفها دائما، ولنا في العراق ابرز الأمثلة.
الرئيس ترامب كان الوحيد تقريبا الذي سارع بالتأكيد، صوتا وصورة في اجابته عن سؤال حول طبيعة الانفجار بالقول بأنه نتيجة “هجوم رهيب” وان جنرالاته الذين يثق فيهم اكدوا له ذلك بالنظر الى طبيعة الدخان، ونفوا ان يكون حادثا عرضيا.
صحيح ان متحدثين باسم وزارة الدفاع الامريكية “البنتاغون” تبرأوا من اقوال رئيسهم، وسخروا من تصريحه هذا، ولكننا لا نعتقد ان ترامب ينطق عن هوى، وغالبا ما يقول ما يعرف، خاصة انه يتحدث هنا عن لبنان الدولة التي تتعرض حاليا لضغوط امريكية وإسرائيلية غير مسبوقة لتفجيره من الداخل، وتهديد أمنه واستقراره عبر اشعال فتيل الحرب الاهلية، اذا لم يتم نزع سلاح المقاومة اللبنانية حماية لإسرائيل التي تعيش حاليا حالة من القلق والرعب، وتمهيدا لشرقة ثرواته النفطية والغازية في البحر المتوسط ولعل تصريحات السيدة كاثرين شيا السفيرة الامريكية في بيروت في هذا المضمار تؤكد ما نقول.
***
منذ اللحظة الأولى للانفجار “انفردت” محطة تلفزيون “سعودية” بالتأكيد على ان الانفجار ناجم عن مخزن سلاح لـ”حزب الله” في مرفأ بيروت، في تحميل مباشر للحزب وقيادته بالمسؤولية عنه، رغم ان كل التقارير الرسمية تؤكد ان الحادث كان عرضيا ونتيجة للإهمال وسوء الإدارة، في تحريض مباشر ضد الحزب، وقطاع عريض من الشعب اللبناني، وتحويل أصابع الاتهام عن إسرائيل وامريكا.
ندرك جيدا ان التحقيقات للتعرف على أسباب هذا الانفجار بدأت للتو، وقد يحتاج المحققون الى اكثر من عشرة أيام للوصول الى نتائج حاسمة حول أسبابه، والمتورطين فيه، ان لم يكن اكثر، ولكن تصريحات ترامب التي لم يتراجع عنها هذه تؤكد المقولة المشهورة “كاد المريب ان يقول خذوني”.
لا نستبعد أي احتمال، سواء كان التفجير متعمدا وتقف خلفه جهة اجنبية وبتواطؤ محلي ولا تريد الخير والامن والاستقرار للبنان، او كان حادثا عرضيا نتيجة الفساد والإهمال وسوء الإدارة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو حول كيفية وصول 2550 طنا من مادة نترات الامونيوم شديدة الانفجار الى ميناء بيروت، واذا كانت المعلومات التي تقول انها جاءت على ظهر سفينة مولدوفيه قبل ست سنوات، فمن هو صاحب هذه الشحنة، ولأي هدف جلبها، وهل كان يريد ارسالها الى المعارضة السورية مثلما تقول بعض التقارير غير المؤكدة، أم يريد تخزينها في لبنان لاستخدامات إرهابية، وصناعة القنابل وتلغيم السيارات؟
الكل يعرف في لبنان ان هذه المادة الكيماوية خطرة للغاية، وتملك “إسرائيل” اكثر من 12 الف طن منها، تشمل 800 نوع، موزعة على 1500 حاوية تخزين في ميناء حيفا، فهل جاءت هذه الشحنة اللبنانية منها عبر طرف ثالث، وتخزينها في مرفأ لبنان بالتواطؤ مع جهات محلية متآمرة انتظارا للوقت المناسب، وان هذه الجهات التي عرقلت كل المطالب والقرارات القضائية بتدميرها او نقلها الى مكان آمن، كانت متورطة، بحسن نية او سوئها؟
لا نملك إجابات عن بعض او جميع هذه الأسئلة، وانما نطرحها لعل المحققين يستفيدون منها، وقد احسنت السلطات اللبنانية صنعا بوضع جميع المسؤولين الكبار في مرفأ بيروت تحت الإقامة الجبرية في منازلهم ومنعهم من السفر حتى تنتهي التحقيقات ويقدم المحققون النتائج النهائية.
لبنان الجميل الذي فتح وشعبه قلبه لكل العرب، وكان الحاضنة الدافئة لملايين العرب وقضاياهم، ومنارة علم وابداع في المجالات كافة، آخر ما يحتاجه هو هذه الكارثة التي دمرت نصف عاصمته وشردت 300 الف من ابنائه، وتهدده بالمجاعة بعد ان تأكد حرق وتلويث معظم مخزونه من الغذاء في مرفأ بيروت، خاصة في هذا التوقيت الذي يواجه ازمة اقتصادية طاحنة، وانهيارا لعملته المحلية، وتفشي فيروس الكورونا، واكثر من 80 بالمئة من شعبه يعيش تحت خط الفقر وعلى حافة الجوع.
***
نحن نقف في خندق لبنان مثل مئات الملايين من العرب والمسلمين، ونتمنى ان يتحمل العرب والعالم مسؤولياتهم ويقدمون المساعدات المالية اللازمة، لإعادة اعمار ما تدمر بفعل الانفجار، وتصل تكاليفه الى حوالي خمسة مليارات دولارات، وتعويض ضحاياه المنكوبين، وتقديم كل الاحتياجات الطبية لمعالجة المصابين، رغم اننا نؤمن بأن كل مليارات العالم لا تعوض دماء شهيد واحد.
ختاما نقول انه “قد يأتي الخير من باطن الشر” ولعل هذه المأساة تكون السبب لاجتثاث كل القادة الفاسدين واحزابهم، والاقطاع السياسي الذي نهب لبنان وثرواته، وامتص دماء وعرق أبنائه على مدى مئة عام ان لم يكن اكثر.. وليس هذا على الله بكثير.