بدلاً من تعميم “الرفاه النسبي” على المدينة – باعتبار المحتلين الجدد أثرياء – يتم تجفيف تلك الخدمات التي اعتاد المواطن العدني أن يحصل عليها لعقودٍ خَلت.
إنَّها مفارقةٌ محزنة وعجيبة في الوقت ذاته حين يتناحر “الإخوة الأعداء” من العملاء اليمنيين التابعين لأبو ظبي والرياض على فتات السلطة البائسة في كواليس فنادق الرياض في السعودية، ويتصارعون بشراسة المستميت من أجل تقاسم “المناصب” في حكومة تعيش جل وقتها في المنفى منذ ما يقارب 6 أعوام، هي عمر العدوان السعودي الإماراتي على اليمن وعاصمتها صنعاء، ويتقاسمون الوزارات والمحافظات، حتى بلغ بهم الحال أن يتقاسموا مخافر الشرطة في أحياء عدن وضواحيها، وربما أدنى من ذلك!
هؤلاء العملاء المستأجرون بأرخص الأسعار من قِبَل دولتي العدوان السعودي – الإماراتي على اليمن، يتنافسون بشكلٍ محموم لانتزاع ما استطاعوا إليه سبيلاً في تلك الأروقة والدهاليز من مكاسب شخصية، مالية أو عينية أو وجاهية، ويعتبرون ما يقومون به شطارةً وحرفةً و”لعب شطّار”، ويعيشون الدور ويتماهون معه بأريحية كاملة وبضميرٍ “مرتاح”، كأشخاص وجماعات تابعة لمركزي القرار في الرياض وأبو ظبي، بل إنهم يتباهون بذلك علناً وسفوراً ووقاحةً، ولا ضير لدى هؤلاء العملاء والخونة في أخذ صور تذكارية وهم يلبسون الزي الشعبي الإماراتي أو السعودي، أو يحملون فوق أكتافهم عمائم منقوش عليها أعلام وصور أمراء تلك الدول المعتدية وشيوخها، ويقومون بالتقاط صور “سيلفي” وهم يسافرون في طائرات خاصة سعودية أو إماراتية، أو في تلك الغرف “الفارهة” التي يسكنون فيها.
هذه مشاهد مروِّعة لدى المواطن اليمني الذي يكابد ويتأذى من شظف العيش، جرّاء عدوان استمر كل هذه السنوات، وكنتيجة مباشرة لهذه الحرب الظالمة التي نتج عنها ذلك الحجم الهائل من الأوجاع والمعاناة والأمراض، إلى درجة الموت الجماعي والانهيارات النفسية لعددٍ غير قليل من شرائح المجتمع في عدن على وجه الخصوص، وهي معادلة يومية تنطبق على بقية المدن والمناطق اليمنية المحتلة.
فحين نخص مدينة عدن برمزيّتها المعنوية العالية لدى اليمنيين عموماً، فذلك لأنها مدينة ساحلية تصل درجة الحرارة والرطوبة فيها خلال فصل الصيف الحار القاتل إلى درجاتٍ عالية يصعب على المواطن تحملها، وخصوصاً شريحة كبار السن والأطفال والمرضى. تلك الشرائح.. وهي بمئات الآلاف تعتمد على القطاع الخدماتي الذي اعتاد عليه العدنيون منذ زمن الاحتلال البريطاني والاشتراكيين المتطرفين، وامتداداً في زمن دولة الوحدة اليمنية المباركة، علاوةً على أنها مدينة مَدنية مسالمة يعيش فيها المواطن على راتبه الشخصي المتقطع، مع غلاء فاحش في أسعار البضائع، والذي يفوق في المتوسط الأسعار في المدن اليمنية الحرة.
منذ أن وطئتها الأقدام النجسة للمحتلين الجدد السعوديين والإماراتيين- وهم الحكام الفعليون للمدينة- تعاني عدن وأهلها الكرام من انعدام الخدمات، من كهرباء وماء وبلدية وأمن ونظام، وهذه معايشة يومية لا ينكرها أحد، حتى أرخص أتباعهم وعملائهم.
وبدلاً من تعميم “الرفاه النسبي” على المدينة، باعتبار المحتلين الجدد أثرياء يتم تجفيف تلك الخدمات التي اعتاد المواطن العدني أن يحصل عليها لعقودٍ خَلت، وعِوضاً عنها يتم تكديس الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة من مجنزرات ومصفحات وأطقم ودبابات، ويتم تخزينها في المعسكرات القديمة، وأخرى يتم استحداثها في المدينة وضواحيها، وقد تم تسليمها لرعاع وصعاليك ومجرمين سابقين وجدد لا يقيمون للحياة الإنسانية وزناً، ولا يحترمون أرواح البشر، ولا يحافظون على أية ممتلكاتٍ عامة أو خاصّة، وقد أطلقوا العنان للوحوش الآدمية كي تقتل العلماء والمثقفين والشخصيات الاجتماعية والعامة، وحتى البسطاء من الناس.
بهذا الشكل تعامل المحتلون مع عدن وأهلها الكرام، ومن لديه حجَّة أو معلومة مغايرة لما أسلفنا ذكره، فليرد ويحاجج المعلومات التي ذكرناها، ومن المؤكد أنه سيصمت كصمت القبور حين نرد عليه بالوقائع والمعلومات الموثقة التي أصبحت متوفرة للجميع.
وأنا أهمّ بالكتابة عن عدن واجهتني صعوبة الإجابة على أمرين رئيسيين حدثا في المدينة:
الأمر الأول:
لماذا مارست دولتا العدوان السعودي – الإماراتي كل هذه الإجراءات والأعمال، وبهذه القسوة والعنجهيّة، ضد المواطن في عدن، وحتى في فرضية قصة الترهيب وتخويف المواطن، كي يقبل بالسلطة الجديدة التي يودّون فرضها على الناس؟! لكن بهذه الصفاقة والجلافة لن يقوم نظامٌ مستقر على الإطلاق، حتى بقبول العملاء والأدوات اليمنية الرخيصة إن كانت تسمى “بالسلطة الشرعية التي تستمد قوتها وشرعيتها من الرياض أو بسلطة المجلس الانتقالي التي تستمد شرعيتها من أبو ظبي”، فجميع أساليبهم محكوم عليها بالفشل.
الأمر الثاني:
مدينة عدن بطبيعة تكوينها الثقافي، أهلها وبالذات شبابها مثقفون ثوريون ولديهم إبداعات مسجلة لتاريخهم، وهم يعرفون أنَّ الأجنبي الغازي لا يبحث إلا عن مصلحته الخاصّة في احتلال الأرض والسيطرة على عقول أبنائها ووعيهم، وهذا حال أي مدينة تتعرَّض للغزو والاحتلال الأجنبي، فكيف لنا أن نفهم البعض الذي يسوِّق ويروِّج للمحتلين كل تلك الأفعال والأعمال المشينة ضد منتسبي مدينة عصرية مثل عدن، وقد قلنا البعض منهم فحسب، لأننا، وعبر مشاهداتنا ومتابعاتنا وسماعنا لأصوات حرَّة وشريفة مناهضة للعدوان، وهذا لعمري أمل اليمنيين الأحرار بأن تتوسع هذه الظاهرة وحركة الوعي، وتزداد تلك الشريحة المقاومة للوجود السعودي الإماراتي في عدن.
إنني أكرر تساؤلاتي دائماً بسؤالٍ مباشر: لماذا يتفنّن العملاء الخونة اليمنيون الأكثر رخصاً بين العملاء على مستوى العالم في إيذاء شعبهم ومواطنيهم الّذين يعيشون في المحافظات المحتلة، ولا يهتمون بتوفير الحد الأدنى من خدمات الكهرباء والمياه والبيئة، ولا يؤمِّنون لهم حقوقهم الخاصة والعامة؟
إنه أمرٌ محيّر وغير مفهوم، مع العلم أنهم عملاء مستأجرون لأغنى دولتين في الجزيرة العربية، وفِي العالم العربي كله، وبحكم قربهم وبقائهم في فنادق عاصمتي العدوان، يتاح لهم الطلب المباشر من أسيادهم بتأمين تلك المتطلبات السهلة للمواطن العدني البسيط.
وإذا ما تابعنا مواقف هؤلاء العملاء وآراءهم، فسنجد أنهم يطالبون بلدَي العدوان – وبشكلٍ علني – بأن يواصلا إغلاق مطار صنعاء، ويستمرّا في حصار ميناء الحديدة، ومنع سفن النفط من الرسو في الميناء لتفريغ حمولاتها، ومنع سفر المرضى، واستمرار قطع رواتب الموظفين في الجهازين العسكري والمدني، فكيف لنا أن نفهم أنَّ هؤلاء أشباه البشر يتشدقون، وبأصواتٍ عالية مستفزة، أنهم يحاربون “الانقلابيين الحوثيين وحلفاءهم المؤتمريين” التابعين لإيران؟! كيف يستسيغ هؤلاء العملاء، وبعد 6 أعوام من العدوان ترديد تلك العبارات الممجوجة والحروف الكاذبة والرسائل الهابطة شكلاً ومضموناً؟!
إنَّها المأساة بعينها والملهاة بجوهرها في سلوك عملاء الرياض وأبو ظبي الذين يتكيَّفون مع أسيادهم ويتماهون معهم، ولو طلب منهم علناً تغيير عقيدتهم وفكرهم وقناعاتهم وقد شهدنا ذلك التماهي الرخيص من قِبل عملاء أبو ظبي (المجلس الانتقالي) معهم، حين باركوا لسيّدهم الشيخ محمد بن زايد فِعل التطبيع مع الكيان الصهيوني وإعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية والتجارية.. لقد وجدنا هؤلاء الخونة للوطن يباركون الخطوة، ويطالبون أيضاً بفتح سفارة للصهاينة الإسرائيليين في عدن!
تخيَّلوا معي إلى أيّ مستوى من الانحطاط السياسي والسقوط الأخلاقي والإذلال الشخصي وصل هؤلاء، وحجَّتهم في ما ذهبوا إليه أنَّ أسيادهم في أبو ظبي يغدقون عليهم بالمال والسلاح لكي يحققوا هدف الانفصال عن اليمن، أما عملاء الرياض فقد سبقوهم في السقوط الأخلاقي والإنساني حين بعثوا وزير خارجيتهم الأسبق خالد اليماني للجلوس من دون خجل وعلى طاولة واحدة مع المجرم الإرهابي بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وإلى جانبه وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية السيد مايك بومبيو.. إذاً، جناحا العمالة متّفقان 100 % على خدمة أسيادهما، وما عدا ذلك هما مختلفان على كلّ شيء، بما فيه تقاسم فتات السلطة.
الخلاصة
كرَّرناها مراراً، وسنظل نكرر مدى الدهر أن أي إنسان عميل يخون وطنه، ويتحول إلى سمسار مع أعداء شعبه لن يهتم بقضايا أمته ووطنه، ولن يقدم لمواطنيه سِوى الخراب الشامل، لأن هؤلاء البشر في مسيرتهم السياسية والحزبية، وفي مسعاهم العام يبحثون عن مصالحهم الذاتية الأنانية، وإن رددوا ليلاً نهاراً الشعارات والعبارات البراقة المخادعة بأنهم يخدمون الشعب ويستميتون لأجله.. هؤلاء الخونة المستأجرون يتاجرون بآلام البسطاء ومعاناتهم فحسب، والله أعلم منا جميعاً.
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
رئيس مجلس الوزراء