أتذكر أنه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2006م أعلن عبدالمجيد الزنداني مساندته لمرشح للرئاسة حينها، فلم يسع كوادر حزبه إلا النيل منه والتشكيك في قدراته العلمية ومهاراته السياسية والحط من قدره، وحين تكتمل عين الرضى عنه نجدهم يجاهرون بعلميته ويفاخرون بها، وإن تعرض له أي أحد بالنقد تداعوا كلهم في صعيد واحد قائلين بصوت واحد إنّ لحوم العلماء مسمومة.
ولا أدري كيف لهم أن يبيحوا لأنفسهم ما هو في نظرهم محرم على غيرهم وكأنهم من طينة أخرى غير الطينة التي خلقنا الله منها، وأكاد أرى أنهم قاربوا على القول أنهم أحباب الله وحدهم وأصفياؤه من خلقه- كما ذهبت بعض الأمم من قبلهم إلى ذلك.. وأذكر- وأنا كنت أحد الكتّاب في صحفهم- أن موقفهم من حرب صعدة كان موقفاً مناهضاً ورأوا في نظام علي عبدالله صالح الطغيان ومصادرة الحريات والقمع وكاد هذا القائد العسكري الذي استطاع اختراق تحصينات السيد حسين بدرالدين الحوثي – عليه رحمة الله – أن يصبح تتارياً وسفاحاً، وقبل أن يجف حبر الصحف الناطقة باسمهم أو المساندة لهم أصبح بطلاً أسطورياً يعددون مآثره ومحاسنه ويتحدثون عن بطولاته وصولاته وجولاته.
وحين نسيه الإعلام الرسمي تذكروه ونثروا صوره في كل الوسائل الإلكترونية والورقية لا لشيء إلا لأنهم شاهدوا حشداً جماهيرياً كاد أن ينازعهم امبراطوريتهم القادمة.
ومن غرائب الاخوان أنني حين كنت أكتب معهم في صحفهم كان خطابهم عني بما يثلج صدري ويعلي من شأني، وحين أصبح موقفي لا يتفق معهم حين تمادى التفاعل الثوري بالصيغة التي كان بها في عام 2011م وتعرضت لحادث إطلاق نار تناقلته وسائل الإعلام حينها بعبارات موحية بضلوعهم في الحادث- بالرغم من أنني لم أتهم أحداً في البلاغ الصادر عني – صدر عنهم بيان يتجاهل وجودي الذي كان مثار اهتمامهم وبتنكير للعَلَمية التي كانت تتصدر خطاباتهم، وبدلاً من أن كنت علماً بارزاً أصبحت «المدعو» وبلغة انتهازية لا تدرك تبعات ما تقوله أو تقدم عليه.
ولعل المتابع لوسائل إعلامهم زمن تشكيل حكومة الوفاق وجد أنه كان يعدد الفتوحات البطولية للوزير واعد باذيب ومعاركه الوجودية في استعادة ميناء الحاويات أو المنطقة الحرة بعد أن عمل النظام السابق – حسب زعمهم – على التفريط بهذا المنفذ المهم، حتى إذا رفض الوزير واعد باذيب وزير النقل عروض شركاتهم في تشغيل الميناء بالأمر المباشر وكانوا قد عرضوا عليه الشراكة الباطنية في مقابل الموافقة، رأينا حملاتهم الإعلامية التي تحط من قدر واعد باذيب وتنال من كفاءته ونزاهته، والمشكلة أن الحديث عن الفساد يتزامن مع ممارسات ضمنية وعملية له، ولذلك عملوا ما وسعهم الجهد على تعطيل الهيئة العامة لمكافحة الفساد حتى لا تكون شاهد إثبات على غواياتهم وانحرافاتهم.
وأمام مثل ذلك التضاد أذكر أنه أطل اليدومي في واحدة من الصحف التابعة لحزبه ليتحدث عن الفرق بين من يريد أن يبني الدولة ومن يريد أن يحكم، وكأن الرجل يحاول أن يستغفل الجماهير أو كأنه يظن أن الجماهير العريضة من الغباء بالمكان الذي يمكنها تصديق أن الإصلاح يسعى جاهداً إلى بناء الدولة ولا يسعى إلى الحكم.. ولعمري أن تلك المقولة هي الأصدق في غيرهم من القوى، ولكنها أبعد ما تكون عن الإصلاح، فبناء الدولة لا يكون مطلقاً بإيقاظ الخلايا الجهادية النائمة لكي تقتل وتغتال وتفجر وتعطل حياة الناس من أجل غايات سياسية بحتة هادفة إلى إفشال فكرة الدولة وتفرض شروط الاستغلال والترهيب كما حدث مع أسرة آل سبيعيان وهي أسرة تم إبادتها بالكامل لم يرحموا صغيرا ولا كبيرا ولا امرأة فيها.
وبرغم كل الاختلالات الدالة على روح الإقصاء والتفرد وعلى مبدأ الغنيمة نجد اليدومي يتحدث عن الفرق بين من يريد أن يبني ومن يريد أن يحكم، فنحن لم نقرأ رؤية للبناء أو نشهد مشروعاً تنموياً أو حضارياً ولكننا نرى ونشهد ونلمس سباقاً محموماً على السلطة وبروح انتحارية لم نشهد لها مثيلاً في التاريخ فحين خاب الظن في السعودية والإمارات هاهم اليوم يتغنون بأمجاد تركيا ويناشدونها التدخل كما فعلوا من قبل مع السعودية.
بعد ما يزيد عن أعوام خمسة من التأييد والهتاف للسعودية والإمارات هاهم اليوم يخرجون في مظاهرات منددة بالتحالف في تعز من نفس المكان الذي هتفوا فيه للتحالف من قبل , مثل هذا التناقض الذي يقع فيه الإصلاح يضعه في صورة الانتهازي، والبهلواني الذي يخدع جمهوره بالطرق البهلوانية والسحرية، والأدهى أنه حين يتحدث عن الدين فهو يحوله إلى قيمة مادية دنيوية.. ومن هنا يكون ضرره على الإسلام أكثر من أي تيار آخر كما أن جناحه الجهادي قد أساء إلى وجه الإسلام المشرق بالطرق والأساليب الخاطئة.
ويبدو لي أن جريمة الإبادة الجماعية التي تعرضت لها أسرة آل سبيعيان ستكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير فهم قد مارسوا ما هو أبشع وأفظع حيث قطعوا الألسنة وفجروا الأماكن العامة والمؤسسات حتى المستشفيات لم تسلم من غرور نزواتهم وقطعوا الطرق وخطوط الإمدادات الكهربائية وفجروا أنابيب النفط وحاربوا المسلمين في مصالحهم ومنافعهم وكانوا في كل ذلك يغيرون مع الذئب ويبكون مع الراعي.
ولعلنا نتذكر اشتغالهم على القدس وفلسطين في عقود بزوغهم وكيف كانت فلسطين والقدس شغلهم الشاغل وهاهم على لسان صعتر في تغريدة له يقولون بالتسامح والتطبيع وجواز التعايش وعقد المعاهدات كما فعل الرسول علية الصلاة والسلام ومثل هذا التبدل في المواقف والفكر والمنهج يكشف جوهر الإخوان وحقيقتهم.
نحن في مرحلة خطرة تبدل فيها كل شيء وضاعت الحقائق ولابد من الاشتغال الثقافي حتى نعيد الأشياء إلى نسقها الطبيعي.