نتذكر كربلاء، إذ وقف فيها الحسين عليه السلام وحيداً مع قلة من أهل بيته وأنصاره يواجهون الموت في شرف وعزة وشوق إلى الله وكرامة، في أمة كان فهم كثير من أبنائها للإسلام هو التقرب إلى الله بتنفيذ أوامر السلطان حتى ولو كانت ضد من بشَّره الله بسيادة أهل الجنة، لقد كان لديهم حجية أوامر يزيد وابن زياد أقوى من حجية الآيات والأحاديث، وسرعان ما صارت تلك الأوامر والمواقف السياسية المناقضة للإسلام والمنافية للقرآن دينا يدان به، وكُتِب تاريخ الظالمين وهو يدين الحسين الشهيد ويقدس الحاكم القاتل، ولهذا لا زالت الأمة الإسلامية تعاني من هذا التمرد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
نتذكر الحسين شهيدا بطلا مدافعا عن الحق والفضيلة، وهم يتذكرونه متمردا متهورا أهلك نفسه، نرى في الحسين ويزيد امتدادا لابني آدم ولإبراهيم وقومه وهو يرمى إلى النار وليحيى بن زكريا ورأسه يُقدَّم هدية لبغيٍّ (زانية)، ونتذكر أن ذلك ليس تمردا ولا إلقاء للنفس إلى التهلكة، وإنما هو إحياء الأمة والتضحية الواعية والفداء المزلزل، هو ما يمكن أن نسميه خطأ الشهداء.
نحن اليمنيين نتذكر الحسين عليه السلام، كربلاء ليس بلطم الخدود ولا بشق الجيوب ولا بنوح النساء ولا بتفريغ شحنات الحزن والأسى في طي بكاء وجداني طويل، ولا بمواكب العزاء التي قد لا تصمد للواقع، بل يجب أن نتذكر كربلاء الثورة بالمواقف الصادقة في نصرة المظلومين والثورة على الظالمين في أي مكان وفي أي زمان.
نتذكر الحسين وكربلاء على أنها قيم الحق والعدالة والكرامة والإباء وعنفوان الشهادة الصادقة ومجد الانتصار للحق، على أنها سبيل إصلاح أمر أمتنا الإسلامية العظيمة التي خرج الحسين بن علي على أن يصلح أمرها، نتذكر الحسين المطلول دمه في كربلاء فنجده اليوم في أربعين جبهة ومعركة تحيط بهذا الوطن، نتذكر الحسين الذي خرج ثائرا ضد الظلم والاستبداد والأثرة وإحياء السنة وإماتة البدعة فنجده في ربوع اليمن الحبيب وأنحاء هذا الوطن الكريم المفضال، نتذكر الحسين الأبي الثائر فنجده في شبابنا الثوار الأبرار، ومجاهدينا الكرماء، ونتذكر الحسين الكريم – وخير ما جاد به المرء نفسه – فنجده في شهدائنا الأطهار، نتذكر الحسين الحريص على الأمة وصلاحها وإحياء روحها التي أريد لها الموت فنراه في مصلحين كُثْر بذلوا أنفسهم ونفيسهم من أجل إحياء معالم الإسلام وأحكامه الغراء.
نتذكر الحسين على أنه قيمة حضارية ونفحة ربانية وإلهية ليس لأهل البيت ولا للزيدية بل هو للمسلمين جميعاً وللبشرية جمعاء، فمن من الناس يحب الظلم ويدمن على الضغينة والدماء؟ ليسوا سوى تلك الفئات المنحرفة عن الفطرة الإنسانية التي ثار عليها الحسين، ولا أحد يستطيع الادعاء بملكية الحسين والاختصاص به، فهو ملك الجميع وسيد أهل الجنة، ومن الأهمية أن يتحرى المسلمون طريقة الحسين إذا أرادوا تحرير وعيهم وأفكارهم وقيمهم وأنفسهم وبلدانهم من التبعية والاستبداد والظلم والأثرة، يجب أن يستيقظ الحسين في قلوبنا وعقولنا وأفكارنا ومواقفنا، ويجب أن يذهب يزيد وعلماؤه وفكره وجيوشه وخيله ورجله من عقول هذه الأمة وأفكارها ومواقفها وإلى غير رجعة، لا يمكن أن يجتمع حب الحسين مع كراهة طريقته، ولا حب الحسين والتشبع بروح الظلم اليزيدية، لا يمكن أن تكون ثائراً على مستبد وأنت تدين بالولاء لمستبد آخر.
وأخيراً يجب أن نتذكر الحسين في كربلاء ونتذكر أولئك الذين لبسوا ثياب التقوى وتقمصوا سرابيل الفتوى يعظون الحسين أن لا يخرج على يزيد حتى لا يتعرض للقتل، فنجدهم بذات الشكل والملبس والفهم يطبلون للظالمين ويفتونه بقتل المخالفين لهم، فمن أفتى بقتل أبناء الجنوب وصعدة ومن أفتى بقتل ثوار ثورة التغيير السلمية ومن يفتي بقتل اليمنيين أو المسلمين، ومن أفتى مبرراً هذا العدوان الغاشم على بلدنا الحبيب أياً كان لا يمكن أن يكون حسيني الأفكار ولا محمدي التصور ولا إسلامي الفهم، إنه إلى يزيد أقرب منه إلى الحسين، وإلى الظلم أقرب منه إلى العدل، وإلى الخراب والدمار أقرب منه إلى العمران والبناء.