مع اقترابنا من الذكرى الثانية لقتل خاشقجي، يحرص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أن يضع هذه القضية خلفه.
أصدرت محكمة سعودية أحكاماً ضد 8 أشخاص بالسجن ما بين 7 سنوات و20 سنة، في قضية اغتيال جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر 2018. السلطات السعودية تعتبر القضية مغلقة، والسلطات التركية تعدنا بفتح الملف مرة أخرى، ويفترض أن تكون الأحكام الصادرة نهائية.
ومع اقترابنا من الذكرى الثانية لقتل خاشقجي، يحرص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أن يضع هذه القضية خلفه. ليس صعباً أن نرى سبب ذلك، فيبدو أنَّ هناك قلقاً بين الدكتاتوريين العرب من أن لا يكون ترامب رئيساً لأربع سنوات أخرى ليتستّر على أفعالهم، ويعلم ابن سلمان أنه مع حلول كانون الثاني/يناير المقبل، قد يواجه مسؤولين في البيت الأبيض أكثر عدائية، في حال خسر ترامب. أحكام السعودية لا تحمل شرعية قانونية أو أخلاقية، لكونها جاءت في نهاية عملية غير عادلة وغير شفافة.
من الواضح أن ابن سلمان ظنَّ أنَّ بإمكانه أن يجعل اختفاء خاشقجي غامضاً إلى الأبد، وذهب مرتكبو الجريمة إلى حدود بعيدة لتغطية جريمتهم، من جلب خبير في الطب الجنائي، وآخر شبيه بالضحية، إلى إرسال فريق للتنظيف بعد ذلك. ما حصل كان جريمة مثبتة بأدلّة لا تقبل الجدل، تشير إلى تورّط الساعد الأيمن لابن سلمان.
قد يظنّ المرء بعد ذلك الفشل الذريع أن ابن سلمان كان سيفهم خطورة موقفه، لكنه استمرّ بالتغطية على الجريمة، وكأنّ الغضب الدولي سيستمر لمدة أيام قليلة فقط، وهناك تقارير تفيد بأن ابن سلمان استمر في محاولات اغتيال معارضيه واختطافهم بعد قتل خاشقجي، كما حصل مع ضابط المخابرات السعودي سعد الجبري في كندا، وعبدالرحمن المطيري في لوس أنجلوس. وفي العام 2019، حذّرتني المخابرات النرويجية من أنني مستهدفة أيضاً. أخذ الأمر أشهراً قبل أن يدرك ابن سلمان أنّ شبح خاشقجي لن يتوقّف عن ملاحقته. وعندما أدرك ذلك، كان أمامه طريقان؛ الأوّل طريق الشفافية الكاملة، ليبعث إشارة بتغيّر كامل في تصرفاته، والآخر طريق المقاومة القصوى.
اختيار طريق الشفافية الكاملة يعني تطهير سلسلة أوامر كاملة متورّطة في عملية القتل، وهو ما سيكون أمراً صعباً إذا ما اعتبرنا أن سلسلة الأوامر تنتهي عند قدميه، وكان بإمكانه على الأقل أن يأخذها إلى أحد المساعدَين اللذين أدارا العملية؛ ساعده الأيمن سعود القحطاني وأحمد العسيري، اللذين برأهما في كانون الأول/ديسمبر 2019.
ربما لو فعل ذلك، لكان يمكن أن يقنع العالم بما فيه الكفاية لإعادة صورته كمصلح ليبرالي. من الواضح أن ابن سلمان يسعى لبناء دولة بوليسية؛ دولة تستحيل فيها المعارضة. وإحدى القواعد الأساسيّة للدول البوليسيّة أن يضمن الأشخاص الّذين يقومون بما يطلبه الديكتاتور الإفلات التام من العقوبة.
ولذلك، لا يمكن أن يُتهموا بجرائم أو أن يواجهوا العقوبة لتنفيذهم الأوامر. ومن الخطير جداً لأي ديكتاتور أن يحاسب من يفرضون إرادته، لأنَّ فعل ذلك يشكل خطراً على سلطته، وخصوصاً إن كانت دولته البوليسية لا تزال قيد البناء ولم تكتمل بعد.
كان أمام ابن سلمان هذان الطريقان للاختيار بينهما، ولكنه اختار الأسوأ، فكانت محاكمة تمثيلية لم تقنع أحداً، وضحَّت ببعض أكثر رجاله ولاء، ولا يزال العالم يراه مجرماً، ولكن الذين يقومون بفرض إرادته يعرفون أنه يمكن إلقاؤهم تحت عجلات الحافلة في أي وقت.
هذه النتيجة لا تغير شيئاً، ولكنها تشير فقط إلى أن خصمنا غير قادر على تعلم أي دروس، وسيبقى قادراً على أن يجد أتباعاً ينفّذون أوامره، ثم يتخلّص منهم عندما تنتهي فائدتهم. ستستمرّ السعودية في زحفها نحو الديكتاتورية الدموية، وسيبقى عمل المعارضين سيفاً صارماً على محمد بن سلمان.
* الميادين نت