كنتُ قد كتبتُ عن التفوُّقِ الأخلاقي والتأسيس القيمي للانتقال، وقلتُ حينَها: إن أنصارَ الله والقوى الوطنية المناهضة للعدوان بتصرفاتهم وتفاعلاتهم ذات الأبعاد القيمية والتأسيسية للانتقال يقودون ثورةً حقيقيةً في هذا الوطن، وإن من سواهم لا يكادون يفقهون قولاً أَو علماً ولا قيمةً عندهم لمبادئ التأسيس وليس في مشروعهم إلَّا فقهُ الغنيمة ومبدأُ الهيمنة، ويفتقدون للأبعاد الأخلاقية للثورات، وهي أبعاد تتجاوزُ الماضيَ لتؤسسَ للمستقبل، ولذلك لم يكن لهم من ظِلال في وجدان الناس ولا أثر في حركة الحياة.
بل كاد الواقع أن يتحدثَ عن السقوط القيمي ويتجرعَ ويلاتِ ذلك التمادي في الخطأ، ووحدَهم العقلاء من كانوا يرون ضرورة صهر هذه المشاعر الانفعالية الثورية في بوتقة الحقيقة حتى يتمايز الناس ويمتاز المجرمون ويعرف الناس دخائل كُـلّ قوة سياسية، ويكتشفون جوهر الواقع وحقائقه من خلال التفاعل اليومي لحركة الحياة والتداخل مع اقتصاد الدولة والاقتصاد المعاشي للأفراد والجماعات.
ولعل المرءَ يتذكرُ موقفَ القوى الاجتماعية والسياسية والعسكرية التي ذهبت إلى القول بالثورة في 2011م واشتغالها المحموم على موضوع السلطة رغم ما كانت تشهده من انقسام حاد في الشارع ولم يثنها ذلك من التصعيد الإعلامي والتصعيد الثوري إلى درجة صنع الحدث وإلصاقه بالنظام، أملاً في تسريع وتيرة العجلة للوصول إلى القصر لإحداث الفراغ الدستوري فيه.
واليوم نراهم في ذات المسلك فقد ذهبوا إلى السعودية صاغرين ولم يكن لهم من هدف سوى الوصول إلى قصر لرئاسة ولو على نهر الدماء وجماجم الشعب وتحت رايات التحالف الذي عاث في اليمن فسادا ودمارا وماتزال السنتهم تلهج بحمده وشكره في كُـلّ المناسبات دون خجل أَو وازع من دين.
لذلك مالوا إلى تفجير الوضع وإقلاق السكينة وإعلان حرب دمار شاملة مستهدفين كُـلّ اليمن، وكانت إرادَة الله غالبة على إرادتهم، إذ ردّ كيدهم في نحورهم ولم يتمكّنوا من أهدافهم، ولو علم الله فيهم خيراً لمكّنهم ولكنهم قوم لا يفقهون.
وأمام كُـلّ ذلك التعنت والصلف والتخشب كانت حكمةُ السيد العلم قائد الثورة تدعوهم إلى التبصُّر والانتقال السلس للسلطة، فيأبى غرورُهم ذلك غباءً وحقداً، ولم يهن على قائد الثورة حينها أن تذهبَ اليمن إلى المجهول والى الفراغ والى الفوضى، فكان إصرارُه على التأسيس القيمي للانتقال عبر اتّفاق السلم والشراكة، فتمّ له ما أراد ولم يكد حالهم يستقر حتى كانوا من المنقلبين على ذلك الاتّفاق رغم تأكيد الاتّفاق علي البناءات التنظيمية الاجتماعية والثقافية والسياسية كبديلٍ حضاري لمبادئ الفوضى والتدمير وكامتداد لمشروع التحديث في البناءات الذي ظل يكابد تأصيله في الواقع اليمني فيجد من الصدود والممانعة الشر الكثير ومن القوى نفسها التي ذهبت إلى الثورة بشعارات مطاطية، فكان تفاعلُها مع حركة التغيير دالاً على تضادها وعلى تناقضها، ومثل ذلك التناقض والتضاد، كشف الغطاء عن أدعياء الثورة والتحديث وصانعي الثورة والتحديث، فكان حظُّ قائد الثورة السيد العلم عبد الملك الحوثي هو الصنع والتحديث حتى وهو يخوضُ معركةَ العزة والكرامة وفق تقاليد عسكرية مبتكرة لم تكن معهودة في مسارنا العسكري والسياسي ولا في سياقنا الثقافي والحضاري، بل كانت ابتكاراً وتحديثاً أغاظ الكثيرَ من أعدائه؛ ولأنه أظهر تفوقاً أخلاقياً عاليًا ورفيعاً، شعر أعداؤه حينها أنهم سقطوا أخلاقياً وبالتالي جماهيرياً، فكان التهافت على سلطة العمالة وغنائمها تعويضاً عن الشعور بالنقص وتبريراً لحالة الانكسار والنكوص ولذلك تهافتوا على المال المدنس وسقطوا في وحل الرذيلة.
لقد كانت ثورة 21 سبتمبر نتيجة منطقية لمقدماتها التي لم يدركها الرئيس الانتقالي أَو التوافقي الذي عمد إلى كتلته السياسية الساندة -المؤتمر الشعبي العام- ليقومَ بتفكيكه والتقليل من دوره وفاعليته إرضاءً لقوى سياسية واهمة فكان تكتيكُ هادي وبالاً عليه، ووقعت تلك القوى الضاغطة على هادي ضحيةَ مؤامراتها فتشردت وضعفت قوتها ونالها من الهوان ما لم ينلها أحد من قبلها، وبقي اليمنُ وجيشُه ولجانُه الشعبيّة كأقوى مما كانوا عليه وبقي السيدُ العَلَمُ قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي كقطبٍ تسيرُ مِن حوله رحى السياسة، وذهب أُولئك الطارئون في ذل وهوان صاغرين.
يكفي السيدُ العلم عبد الملك الحوثي أنه يقود قوى التحرّر الوطنية لخلاص اليمن والأمة من هيمنة قوى الاستكبار العالمي ولا نبالي، وهو ذاتُه لا يبالي أن تصنفَه أمريكا في خانة الإرهاب؛ لأَنَّنا ندركُ أن صانعةَ الإرهاب ترى شعوبَ العالم وقواه بعين طبعها؛ ولذلك حين تسارع قوى الخزي والعار والعمالة بالتهليل والتكبير والتحميد والشكر لما قامت به أمريكا فهم لا يضيفون سوى أشياءَ مبتذلة إلى سجلهم المبتذل وقد خابوا وخسروا.