في كل الأحوال والظروف يبقى الحوار الجاد والحقيقي بين القوى السياسية في أي بلد هو الركن الأساس للبناء وتصحيح الأوضاع بشرط وحيد هو أن تكون هذه القوى حرة غير تابعة لدولة معينة أو مستسلمة لجشع المصالح المتوحشة أو مرتهنة لأيديولوجيات شمولية أو عنصرية لا تقبل الحوار ، فإدارة الشأن العام لا يمكن أن تقوم أو تستقيم إلا بشراكة وطنية حقيقية ترفض العنف والاستقواء بالخارج ولابد كذلك من إدراك أهمية وجود معارضة وطنية قوية ليس بما تمتلكه من أسلحة ولا بما تتلقاه من دعم خارجي وإنما قوية بشعبها الحر والقوي الكريم كما تعي أهمية دورها في تحقيق العدالة وحفظ التوازن ، وتحقيق المتطلبات الأساسية والضرورية للمجتمع وتؤمن بصدق بأن التداول السلمي للسلطة ليس شعارا للمزايدة ينتهي بالوصول للسلطة وبأن الحوار لا يتم إلا بين أحرار وليس بين أتباع !؛
الحوار المنشود ينطلق من الحاضر وينظر إلى المستقبل ويستفيد من عِبَر الماضي ، ويتمثل أهمية استمرارية الثورة الحقيقية وليس الشعاراتية في بناء الدولة العادلة؛
لقد كشفت لنا الأحداث أن هناك من المحسوبين على الثورة والجمهورية والوحدة من يجهلون أو يتجاهلون أهمية التفرقة بين العلاقة بين الدول وبين التساهل في رهن وطنهم لدول أو دويلات لا تمتلك مقومات الدول ولا تكترث لمعنى الاحترام المتبادل في العلاقات الدولية أو حتى الإنسانية ، وتجلت حقائق كثير ممن عُرِّفوا بأنهم النخب أو القوى السياسية الحية ليتبين أنهم لا يفرقون بين المصلحة العامة والخاصة !؛
العلاقات السوية قوامها الحرية أما الارتهان فطرفاه راهن ومرتهَن ، سيدٌ وعبد تابعٌ ومتبوعْ ، ومع ذلك نجد من يرهن نفسه ووطنه ليرفع صوته فوق خصومه السياسيين ويتهمهم بالعنصرية وهو غارقٌ فيها من رأسه حتى أخمص قدميه !؛
مَنْ مِنْ الأحرار في الوطن العربيُّ لم يشارك أو لم يستبشر بانطلاقة ثورة ما يسمى بالربيع العربي التي أشعلها رماد جسد بوعزيزي ليندلع حلم التونسيين بالثورة في 17/ ديسمبر /2010 وتتحقق خطوتها الأولى برحيل رمز النظام في 14/يناير /2011 لتتلاحق بعدها عديد من الأحلام بالثورات العربية قبل بدء قوى الثورة المضادة محاولاتها المستمرة في إطفائها بالمبادرات والتسويات وكل أشكال ومحاولات الاحتواء ، وباستغلال رغبة بعض المشاركين فيها في الاستحواذ والسرقة !؛
آه ما أفظع سرقة الثورات والمتاجرة بدماء الشهداء ، إنها سرقة للآمال والطموح والأحلام بوطن حُرٍّ شريف وعزيز ، وما أسوأ أن نكتشف بعد حين أن من صنع ربيع الثورة هو نفسه من صنع فينا الخنوع للظلم والاستبداد فهل هناك أبشع من هذا الشعور ؟! إنه شعور لا نريد أن يتملكنا ولكنا نريد أن نزرع الشعور بقدرتنا على التخلص منه !!؛
لقد تعددت وسائل سرقة الثورات العربية بوسائل ومبادرات مختلفة باختلاف ظروف كل قطر ثار أو جرى تثويره ، أخطرها وأشدها فتكاً هذا الاستعداد المجنون لاستقواء الأخ على أخيه بالخارج وبأي ثمن وعدم المبالاة بالتفريق بين العلاقة السوية والتبعية المُذلَّة لدويلات أو دول هي نفسها تابعة!، هذا النوع من الاستقواء يبدو أكثر أشكال الضعف بؤساً ومهانة حتى بنظر المتبوع فهو لا ينظر إلى تابعه إلا كخائن مبتذل ومن يخون مرة يخون ألفَ مرة !؛
تبقى بذرة الحرية في نفس كل حر وتتجلى في سلوكه مع أخيه وفي استعداده الجاد للحوار الذي لا يحتاج إلى دعم خارجي ولا إلى نفقات كمشروع استثماري تديره أجهزة المخابرات الأمريكية وغيرها وتنفذه أدواتها الرخيصة من المحسوبين على أوطانهم المؤقلمة بأمر السفارات ، حوار لا توزع مكارم وألقاب المشاركة فيه على الأقارب والأصهار للتمتع بامتيازاته ، حوار يكون فيه الوطن هو المستثمر الوحيد ويتم فيه التحاور بين أبنائه الأحرار لتقرير مصيره ووضع الأسس الحقيقية لبناء دولته الحرة المستقلة؛
أعتقد أنه يجب التسليم بأن مدرسة استحلال المحرمات باسم المصالح المتوحشة التي أباحت وتبيح الاستعانة بالشيطان لإضعاف خصومها مسؤولة عن كل هذا التفلت والاسترخاء أمام احتلال أجزاء غالية من الوطن والالتهاء بالتنابز بالألقاب ومن أكثر ما يثير السخرية والحزن أن من بين أقطاب هذه المدرسة قوى محسوبة على الثقافة تسمي من يقود منهجها اليوم ب(الشرعية) بعضهم متأثر بما يسمى بالعالم الحر ومنهم أصحاب المشروع وأغلب دول العالم المنشغلة بمشاكلها الداخلية لا تعترف إلا بهذه الشرعية ، وبعضهم لا يعرف حقيقة عدم شرعية (الشرعية) أو غير مبال بالجميع !!؛
لاستعادة اليمن كل اليمن لابد من إعادة تعريف الثورة ووقوف اليمنيين كل اليمنيين وقفة جادة مع أنفسهم أولاً وسيدركون أن الداخل هو محور الشرعية ومنطلقها للثورة والحوار ، وهذا لا يكون إلا باستعادة الحرية والكرامة في النفوس ونبذ رموز المدرسة التي فرطت فيهما!
سيظل لكل اليمنيين بذمة كل من شارك في حوار موفنبيك اعتذاراً كلٌّ بمقدار ما يمتلكه من عقلٍ وشجاعة لا تبرأ بدون أدائه طال الزمن أم قصر!
يحتسينا النفاقُ فنحسب أناَ طوينا الزمانْ،
حصدنا المنى وبلغنا الذُّرى وانتهى كل شيء.