|
الوحدة اليمنية والمستقبل الآمن
بقلم/ عبدالرحمن مراد
نشر منذ: 3 سنوات و 5 أشهر و 24 يوماً الجمعة 28 مايو 2021 10:13 م
ربما كان هذا العام عاما يتيما في مســار الوحدة اليمنية، لكنه
في الســياق ذاتــه كان عامــا مليئــا بالتأمل والتبصر، وأعاد نســق
الأمــور إلى مكانهــا الطبيعي الذي ينبغــي أن تكون فيه , فخطاب
رئيــس المجلس الســياسي الأعــلى مهدي المشــاط بمناســبة عيد
الوحــدة اليمنيــة كان خطابــا متبــصرا وواعيا , حمــل الكثير من
الــرؤى وهــي رؤى تعاملــت مع الواقــع وفق معطياته وســياقاته
العامــة , ولم تقفز على حقائق الواقع ولا مقدراته، ولذلك يمكن أن
يقــال أن ثمة متغير قد حدث في وعي النخب وفي الواقع , فالحياة
حركة تبدل دائم ولم تكن مسارا واحدا في كل حقب التاريخ .
أحياناًأصل إلى قناعة مطلقة وأرى أن الذي حدث في اليمن منذ
2011م إلى اليــوم كان لابــد أن يحدث حتى تصفــو الحياة وتذهب
العلائــق والشــوائب التــي تشــوش الــرؤى وتحجــب عــن الناس
الحقائــق , فحركــة الاضطرابات هذه هي حركــة تدافع بين الخير
والــشر وحركة التدافع من ســنن الله في كونه , ولذلــك فكل تدافع
لا يخلــو من فائــدة للبشر وللحيــاة وفــق تقديرات اللــه وتدابيره
لشؤون خلقه في الأرض .
ظل الــصراع على فكــرة الوحدة طويــلا قبل أن تتحقــق في عام
90م , وكأن حلم التوحد يفضي إلى حلم الانفصال , وحلم الانفصال
يفــضي إلى حلــم التوحــد , وهو الأمــر الذي ظــل ملازمــا لليمن في
تاريخه الممتد عبر الحقب والأزمنة , وشــهدنا بعد تحقيق وحدة
اليمــن صراعــا يتــوق إلى الانفصــال وعــودة دولــة الجنــوب كمــا
يسميها البعض ,وبعد سنين طوال من الصراع ها نحن نرى الذين
كانوا ينادون بالانفصال يرون في الوحدة طوق نجاة .
مــا يحــدث في الجنــوب اليوم كشــف مــا كان غائبا عــن الكثير
, فحلــم التحــرر الذي تشــدق به من تشــدق بعد إعــلان العدوان
عــلى اليمن أصبــح تيهــا وضياعا , فالجنــوب تمــزق في الوجدان
العــام وتاهــت مقدراتــه , وعاث فيــه المســتعمر فســادا وانتهاكا
للأعراض ونهبــا للمقدرات حتى رأى دعاة الانفصال واســتعادة
دولة الجنوب الوحدة خيارا حقيقيــا ومنطقيا للوصول للحرية
والاستقلال والكرامة والسيادة الوطنية .
لقــد شــاهدت في الفضائيــات المحســوبة عــلى الجنــوب واقعا
جديــدا ومفهوما متغيرا بعــد أن أحدث التدافع في أنفســهم تبدلا
وتغــيرا في موقفهم مــن الوحدة اليمنية، ولذلــك قالت لهم صنعاء
لا بــد مــن العــودة إلى تحكيم العقــل وتغليب مصلحــة اليمن على
غــرور الذات وطموحاتها , وقالت أيضــاً أن اليمن تتعرض لحملة
تســتهدفها كما تســتهدف الأمة قاطبة ولا بد من توحيد الجهود
والطاقات لمواجهة أعداء اليمــن وأعداء الأمة وهي دعوة صادقة
من ســلطة صنعاء لمن تماهوا في مشــاريع العدو حتى يعودوا إلى
رشدهم وينبذوا ما كانوا فيه من غي وظلال وتيه .
على مدى سنوات قليلة عرف الإنسان في المحافظات الجنوبية
أن مــشروع القرية الذي يرفع رايتــه المجلس الانتقالي المدعوم من
الإمــارات ليــس مشروعــا حضريا قــادرا على صناعــة التحولات،
ولكنه مشروع نهب وضياع ودمار ومتاجرة بسيادة اليمن وبكرامة
أهلهــا وقد تحدث الكثــير عن ذلك ممن تشــيعوا لمشروع الانتقالي
فصدمهــم الواقع بحقائقه حين قال لهم : أن الانتقالي زمرة قروية
لا تحمل مشروعــا للجنوب بل تتاجر بالقضيــة الجنوبية حتى
تقتات وتــشرب الأنخاب في البارات والعواصــم العربية والأجنبية
دون أن يكون لهم مشروع حقيقي , فهم عبارة عن أدوات تحركها
الإمارات ومن بعدها الصهيونية وأمريكا .
اليــوم جزيرة ميون محتلة وجزيرة ســقطرة محتلــة والموانئ
والمنافذ ومصــادر الطاقة تحت نير الاحتلال ولا أدري بأي منطق
يــرى قــادة الانتقــالي أن ذلــك تحرير ؟ رأيــت الزبيــدي ومن معه
يتحركــون في مســاحات جغرافية محــدودة وقد بلغ بهــم الوهم
مبلغــا عظيما وهم في الواقع كالسراب الذي يحســبه الظمآن ماء
حتى إذا جاءه لم يجده شــيئا , تبدل كل شيء وتغير , وقد وجدت
قــدرا وافرا من الشــعور باليقين أن الوحدة أصبحت أكثر ترســخا
من ذي قبل , وقد هيأ الله من يجعل قيمتها أعلا وأوفر من خلال
سقوط رواد البارات والخانات والملاهي.
الكثير من الفضائيات التي واكبت الحدث وتحدثت عن الوحدة
قال المحتوى العام لبرامجهــا أن الوحدة هي طريق العبور الآمن
إلى المســتقبل وبمثله جاء موقف صنعــاء إذ ورد في خطاب رئيس
المجلس السياسي المشير مهدي المشاط قوله :
َ »ولع َّ ــل ِم ْن َم َز َ ايــا العيد الثَّ ِ انــي والع ْشر َ ين ِم ْن َم ُ ايــو أنَّ َها تُذَكِّ ُر
َ الجميــع ِ بطريــق ُ الع ُب ِ ــور ِ الآم ِ ــن، وطوق النَّ َج ِ ــاة َ الو ِ حيــد َ ألا وهو
َ العــودةُ َ إلى وحد ِتنَا وأُلْفَ ِتنَ َ ا، فالوحد َ ة في ح ِقيقَ ِت َها قَ َد ٌر ُم ْســتَ ِق ٌّر في
ْ أع َم ِ ــاق ُّ الش ُ ــع ِ وب ُ وص ٌ وت ُ لا ي َغ ِ ــاد ُر ُو ْج َد َ ان الأُ َّم ِ ــة َم ْه َم َ ا كان ُ حجم
ِ الاختلاف َ بين ِ أبناء ِ الشــعب ِ الواح ِ ــد والأُ َّم ِة َ الو ِ اح َ ــد ُ ة، وه َو َص ْو ٌت
َي ُش ُّ ــدنَا دائمــاً وأبداً ِّ إلى الر َس ِ ــالة المُ َح َّم ِد ِ يــة َ الج ِ ام َع َ ــة، وإلى م َع ِ الي
ِ الأمور َ والع َ ود ِة إلى تَ ْحكِ ِ يم ِ العقل َّ والض ِ مير، وتغليب المَصَالِ ِح ُ العلْ َيا
لِ َبلَ ِدنَ ُ ا وبلْ َد ِ ان أُ َّم ِتنَا قَ ِ اط َب ًة « .
لقــد عملت حركة التدافع على توحيد الرؤى .. فهل تعمل على
توحيد الطاقات ؟
هنا المحك الذي نقيس به الفعل السياسي في النجاح واستغلال
المتاح وإعادة ترتيب النســق بما يخدم اليمــن ومصالحه العلياء
, ولعل الاشــتغال على مشروع ســياسي جامع هــي القضية الأكثر
صعوبــة في المرحلة الراهنــة , وربما كان التحــدي في هذا أكثر من
غــيره , ذلــك أن الأهواء قــد تعددت وتشــابكت الكثير مــن المصالح
وتجــذرت تصورات في الأذهان نحتــاج إلى العقل والمنطق وتكثيف
الخطاب حتى نتمكن من الســيطرة على مقاليد المستقبل قبل أن
نفقــد أزمة الأمور ونذهــب إلى التيه مرة أخــرى , ولابد أن ندرك أن
التيه عقــاب الله للأمم التي تشرك وتحيد عن الصراط المســتقيم
والنهج القويم. |
|
|