استكمالاً للشرح تطورات ما قبل اندلاع ثورة 21 سبتمبر وأهدافها كان لا بد من الحديثِ عن الحامل لهذه الثورة وإعطاء لمحة تاريخية عن تلك الوضعة، وعلى النحو التالي.
حركةُ أنصار الله والحروبُ الست وأهدافُ تحَرُّكِها الجهادي
لا بد أن نعترفَ أن المسيرةَ القرآنية وأبناءَها هم طليعةُ ثورة 21 سبتمبر والدينامو المحرك لها، والسؤال الذي يجب أن نبحثه هل هناك علاقة بين أهداف المسيرة القرآنية وثورة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي وأهداف ثورة 21 سبتمبر؟ وكيف أثّرت الحروب الست على صعدة وعلى تطورات الثورة ومساراتها؟ وكيف حفَّزت الجانب الثوري في المجتمع اليمني؟
والحقيقة أننا لا نستطيع الفصل بين أهداف ثورة 21 سبتمبر وأهداف المشروع القرآني نفسه؛ فقد انطلق المشروع القرآني بشكل واضح وبيِّنٍ منذ 2002م على يد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، عند إطلاقه محاضراته التوعوية، التصحيحية، النهضوية، التي استوحاها من القرآن الكريم.
اتخذت أمريكا أحداثَ الحادي عشر من سبتمبر 2001م ذريعةً لفتل عضلاتها أمام العالم، ولا سيما ضد العالم الإسلامي والعربي، ومضت تشن الحروب المدمّـرة في العالم بشكل فج ومدمّـر وبشكل عدائي، وانطوت معظم الأنظمة العربية والإسلامية تحت الرغبة الأمريكية طوعا وكرها، واستولت الذلة على قلوب حكام المسلمين بشكل غير مسبوق أمام هؤلاء المستكبرين، فنظر الشهيد القائد إلى أوضاع الأُمَّــة نظرة فاحص متأمل، نظر بعين إلى القرآن الكريم، وبالأُخرى إلى الواقع الأليم، فأدرك أن ما تعيشه الأمه من ذلة وسخط وتسلط لليهود والنصارى نتيجة عدد من العوامل، منها أزمة الثقة بالله؛ لأَنَّهم لم يعرفوا الله حق معرفته من خلال كتابه الكريم، ومنها الثقافات المغلوطة المتراكمة التي علقت بالأمة منذ ما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي غزتهم من خارج الثقلَين كتاب الله وعترة أهل بيته.
وفي سبيل معالجة ذلك الوضع دعا الشهيد القائد في محاضراته القوية وذات التأثير العجيب الأُمَّــة إلى العودة إلى القرآن الكريم من خلال منهجية الثقلين، وإلى محورية النص القرآني، وإلى تعزيز الثقة بالله، وإلى وحدة الأُمَّــة من خلال الاعتصام بحبل الله، وإحياء الشعور بالمسؤولية في واقع الأُمَّــة، وإحياء الروحية الجهادية، وإحياء المفاهيم الإيمانية الواعية، وتصحيح المفاهيم الثقافية المغلوطة، ورفع الشعار ومقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وغيرها من الأهداف والغايات التي تتمحور حول استنهاض الأُمَّــة إلى سبيل عزتها وكرامتها، ودعا إلى التحَرّك ثقافيًّا حول هذه الموضوعات.
وبطبيعة الحال استثار هذا المشروع التحرّري والشجاع السلطة العميلة في صنعاء، ولم تتحمل هتاف شباب المسيرة في المساجد بلعن أمريكا وإسرائيل، ورأت في ذلك خطرا يتهدّد كراسي حكامها؛ لأَنَّهم لا يريدون إغضابَ أمريكا، وهم الذين يبحثون دائماً عن ما يسعدها ويرضيها، وبدفع أمريكي صهيوني وتمويل سعوديّ شنّت – تحت مبرّر ما يسمى بمحاربة الإرهاب والتطرف – الحروب الست ضد محافظة صعدة وبعض المحافظات الشمالية، ووجَّهت هذه الحروب توجيها مذهبيًّا وطائفيا حينما حرّكت قوافل الوهَّـابيين لتشويه المسيرة القرآنية وقادتها، وتجاوزت الحرب الظالمة دائرتها المفترضة لتستهدف جميع أتباع المذهب الزيدي والهاشميين والقبائل والأسر المنتمية للمذهب الزيدي؛ الأمر الذي أشعر بالغبن والظلم والحيف، واستفز تاريخا عميقا في اليمن ينيف على الألف السنة.
غير أن نتيجة تلك الحروب كانت الهزيمة الساحقة للسلطة العميلة؛ إذ توسعت حركة المسيرة القرآنية جغرافيا، وبشريا، واجتماعيا، وعلى الرغم من حملات التشويه الساخنة والممولة إلا أنه سرعان ما كشفت الحقيقة عن لثامها، وتبين للكثير من أبناء المحافظات الشمالية أن تلك الحملات لم تكن دقيقة، بل وتناقل المجتمع المحيط بأنصار الله أخبار شجاعتهم وتضحياتهم وصبرهم وصمودهم ووفائهم وكرمهم ووعيهم القرآني ومظلوميتهم الواسعة فقوبلت بالانبهار والجاذبية نحوهم.
لقد خرجت السلطة من الحروب الست مهانة الهيبة مكسورة الجناح مهيضة الجانب، وانحسرت هيبتها عن التصور الذهني العام، وبات واضحًا أن موازين القوة باتت تميل لصالح هذه الحركة الفتية، التي بدا أن لديها فائض قوة بالموازين العسكرية والسياسية والفكرية يزداد يوماً إثر آخر وبشكل متسارع، جدير بالذكر أن العُمقَ التاريخي الزيدي الثوري لهذه الحركة كان أحدَ المحفزات القوية للتحَرّك الثوري القوي والفاعل والمؤثر الذي لا يجعل حساباً للتضحيات كيفما كانت، في الوقت الذي ظل فيه النموذج الثوري الإيراني ماثلا للذهن، وقد غيّر مسار العالمين العربي والإسلامي، في ظل ظروف مشابهة، وكل هذه العوامل حرّكت ووسّعت الجانب الثوري الجهادي في واقع هذه المسيرة الفتية.
لقد نجحت أدبيات الحركة في تثبيت وأهميّة القيادة القرآنية الموحدة، وإزالة عوامل الفرقة والاختلاف الفكرية والثقافية التي علقت بالزيدية لا سِـيَّـما في قرونها المتأخرة، والتي أنتجت وضعاً مأساوياً ومأزوماً من الاختلاف والفرقة الداخلية، وثبّتت أَيْـضاً أهميّة التحَرّك بالقرآن الكريم كخطاب جامع للأُمَّـة، بعيدًا عن جميع أنواع العصبية التي نهى عنها القرآن الكريم.
وهكذا أطلّ عام 2011م، وهناك حركة ثورية جهادية متوثبة خرجت منتصرة من ست دوامات عنف، وبيدها مشروع جهادي ثوري نهضوي يعد نفسه لمواجهة أمريكا وإسرائيل، وليس فقط عملاء لهم يتحكمون في الشأن المحلي.
التهيئةُ لثورة سبتمبر بثورة 11 فبراير المغدورة
هبّت رياحُ ثورات ما يسمى بالربيع العربي على اليمن، وعلى الرغم من دخول قوى النظام الحاكم على خط الثوار في ساحة التغيير، إلا أن قرارا اتخذ من قيادة أنصار الله بالانخراط الواسع والقوي والفاعل في نشاطات ثورة فبراير من أول، يوم فشارك شباب أنصار الله وحلفائهم فيها مشاركة فاعلة، وباتوا رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في تلك الساحة الثورية من قبل اللجنة الثورية التي سيطر عليها شباب وقيادات حزب الإصلاح وفرقة علي محسن الأحمر.
لم يحمل شباب الإصلاح وبعض القوى السياسية همَّ التغيير إلى نهاية المطاف ومهما كلف من ثمن، ولذلك لما أرادت السعوديّة إعادة اللحمة للنظام المنقسم على نفسه من خلال المبادرة الخليجية في ديسمبر 2011م، أراد أُولئك الثوار رفع المخيمات الثورية، لكن أنصار الله ثبتوا في الساحة الثورية يخرجون المظاهرات الأسبوعية، ويتحملون أذى وتسلط قوات علي محسن الأحمر، التي وصلت في بعض الأحايين إلى تعمد قتل الثوار داخل ساحة التغيير.
إن استمرار الحالة الثورية من جانب أنصار الله، وتسييرهم المظاهرات الأسبوعية وفي المناسبات وضع اليمن في متن الثورة وفي طريق استكمالها، وأثبت أن أنصارَ الله مرشَّحون لأَن يكونوا الحامل الحقيقي لمشروع التغيير الذي أجهض في المبادرة الخليجية وحكومة باسندوة المنبثقة عنها، وقد تبين أن معظم الثوار الحزبيين الذين خرجوا في 11 فبراير عملوا على دفن غايات وأهداف الثورة المعلنة تحت الرغبات الخليجية والسعوديّة والأمريكية، وأن هدفهم هو الوصول إلى السلطة، وأن لهم سقفا لا يتعدى ما تريده دول الخليج وعلى رأسها السعوديّة.
نشط كوادر أنصار الله أثناء ثورة فبراير في أوساط الثوار، وفي أوساط المجتمع اليمني، فتحَرّكوا في جميع المدن والحواضر والمراكز اليمنية يبشرون بمشروع التغيير، ويحذرون من الانسياق للقوى السياسية التي باعت الثورة وخانت أهدافها ومبادئها، واستقطبوا كَثيراً من الشباب إلى دورات ثقافية، وكان لهم نجاحات مبهرة ومذهلة، أفسحت لهم المجال الواسع، وتعرّف الشعب عليهم عن كثب، في وقت كان الجميع يريد أن يسمع ما لديهم من وجهة نظر، ولست مبالغا إن قلت: إن الأجواء التي هيأتها ثورة فبراير، وانتكاسة آمال الشعب بمسارعة القوى السياسية إلى المبادرة الخليجية ومخرجاتها، ثم الأداء السياسي والإداري الفاشل لحكومة المبادرة، وانصياع هذه الحكومة للإملاءات الأمريكية بأكثر وأفظع مما كان عليه الحال سابقًا، لقد صنعت هذه العوامل أجواء واسعة لتحَرّك شباب وكوادر أنصار الله الثقافي والاجتماعي، وقرّبت كَثيراً من كوادر وقيادات أنصار الله وجها لوجه مع قيادات المجتمع اليمني في معظم أنحاء البلاد، وهو ما شكل متغيراً جديدًا في الحالة المجتمعية اليمنية وتطوراتها اللاحقة.