العيون شاخصة الأبصار في (المجمع) قلب المدينة وعاصمة محافظة مأرب شرق اليمن .. سرب العصافير المحلق في السماء تطارده الأبصار أين سيحط الرحال؛ هل سيغادر إلى مكان بعيد خارج المنطقة أم سيتمهل حتى يصفو الجو قليلا بما يسمح بالرحيل المؤجل بشكل أفضل دراماتيكية على النحو الذي يقوم به كبارات القادة ومسئولي الدولة هنا في مدينة مأرب الصغيرة وقد أصبحت محاطة من كل الجوانب بالمعارك والتقدم المتسارع والضارب من الجيش اليمني لتحرير المجمع وإخضاعه لسلطات صنعاء بعد سبع سنوات من اعتباره معقلا رئيسيا لما يسمى تحالف دعم الشرعية اليمنية بقيادة السعودية التي تتهاوى وتنهار جحافل قواتها العسكرية كل يوميا في جبهات الشرق والوسط اليمني ؛ شبوة والبيضاء ومأرب التي تتشارك مديرياتها تفاصيل الحرب والرعب والتساقط المثير على وقع هزائم نكراء تلحقها قوات صنعاء بأتباع التحالف هناك وفي كل ميادين المواجهات وساحات وجبهات القتال .
القلق المتصاعد توجسا وترقب يسكن مجمع مأرب وسكانها يعايشون مرحلة صعبة مسكونة بالتحديات تظهر من خلال إيقاع حياتهم اليومية العامة والاعتيادية .. المشاعر مضطربة .. الساعات تمر بطيئة والوقت ثقيل والزمن متوقف الحركة عند نقطة الصفر بما ترمز أليه من غموض وحيرة لمن وجدوا أنفسهم فجأة في نهاية المطاف وهم داخل نفق مظلم اعتقدوه او اعتمدوه عالم الرفاه الساحر الذي بنوه وهما وشيدوه افتراضا كخاطة تحمل اسم الجمهورية اليمنية المتخيلة والسرمدية بما ان سواهم من الخصوم والأعداء والفرقاء لا يستحقون العيش في اليمن الجمهوري المحتكر لهم وحدهم قبل ان يضيق بهم كما هو حاصل الآن ولم يعد أمامهم من مجال غير الفرار الى المجهول تائهين في صحاري الربع الخالي من الحكماء والعقلاء في صف الامتهان للارتهان المذل لدول الخارج وممارسة الاتجار بدماء الأبرياء للتكسب والثراء وفقا لتوصيفات النخب المعايشة للمشهد المأربي بالتحليل السياسي والرصد الإعلامي المواكب لتطورات الوضع المزدحم بحدث صاخب على مدار تعاقب الليل والنهار .. فيما عقارب المراقب لا تفارق التركيز المتحفز للحظة الفاصلة المنتظرة المسماة مجازا ؛ سقوط المجمع ؛ أي سيطرة من يسمونهم “الحوثيين” عليه وهي السيطرة المتوقعة التي صارت واقعا قائما داخل مدينة مأرب وتطفو على سطح الشارع من خلال الاحتقان الرسمي المتزايد والتأزم النفسي المصاحب لخطوات القوات المسلحة واللجان الشعبية اليمنية وهي تقترب من أسوار المجمع وتطرق ببنادقها ابواب ما تبقى من مناطق مأرب بضغط لوجيستي خانق يتخذ من مسار الجوبة بوصلة للوصول للهدف الاستراتيجي ومن مسار جهة صرواح عمقا حيويا للاسناد وتعزيز الهجوم لعمليات المسارات الأخرى تطبيقا لتكتيكات حربية أطلقت صنعاء اسم : ربيع الانتصارات ؛ الأمر الذيجعل من حلول فصل الشتاء مفعما بأجواء ربيعية دافئة بالنسبة للطرف المنتصر والمسيطر على معظم الأرض في محافظة مأرب .
سرب طيور أكبر حجما واكثر عددا يحلق في سماء المجمع على ارتفاع منخفض والنظرات الشاخصة الذهول والزيغ تطارده إلى أن يغيب وراء جبال الكسارة والبلق بينما لا يأبه سوى البعض بمجموعة صقور قادمة لمدين المجمع من جهة جبل مراد ولا يهتم كثيرون بأسراب الغربان المتجهة صوب الكسارة ولا تكترث بشأنها فأدخنة وغبار غارات الطيران السعودي تحجب الرؤية لكنها لا تمنع مقاتلي الجيش اليمني عن التقدم من كل وأي مكان .. لقد أصبح هيلان خلفهم وكذلك صارت وراء ظهورهم مساحات شاسعة تمتد من حريب وبيحان والعبدية وعسيلان الى محاذاة وادي عبيدة والفلج وأمامهم وقد صاروا على مشارف المجمع ما بعده وما هو أبعد من صافر المزدان بضجيج حقول وآبار ومصافي النفط والغاز المحاط بسياج من أطماع إقليمية وقوى نفوذ خارجية وملفات خطيرة مدفونة تحت الرمال المتحركة بالصراع المفتوح على الجراح .