لا أخفيكم سراً أنني -ومنذ أن حط الرئيس الأمريكي (جون بايدن) رحاله في مطار (جدة) وحتى هذه اللحظة- قد تعمدت أن أتتبع القنواتِ السعوديّةَ والخليجية واحدةً واحدةً ونشرةً نشرة وتقريراً تقرير، فلم أجد قناةً أَو مذيعاً أَو مراسلاً أَو حتى مداخلاً واحداً ذكر أَو أورد أن الرئيس الأمريكي قد وصل إلى منطقة (مكة).
الجميع في الحقيقة -وبلا استثناء- ذكروا أنه قد وصل إلى مدينة (جدة) الساحلية.
مع أن مدينة جدة تعتبر واحدةً من أهم المدن التابعة إدارياً لمنطقة (مكة) بحسب التقسيم الإداري السعوديّ طبعاً!
طبعاً بالنسبة للكثيرين، فَـإنَّ هذا الأمر يبدو عادي جِـدًّا.. يعني (مش فارقة معاهم) أن يتم تناول هذا الخبر بهذه الصيغة أَو بأُخرى!
لكنه بالنسبة لي ولكل من لم يخنه (عقله) أَو (ذاكرته) لا يبدو كذلك، فقد أعادني هذا الأمر ببساطة إلى حوالي ست سنواتٍ خلت، تحديداً إلى نهاية شهر أُكتوبر من العام (2016) حين خرجت وسائل إعلام السعوديّة والدول المتحالفة معها أَيْـضاً وقد ملأت الدنيا ضجيجاً ونواحاً وصراخاً وعويلاً بخبرٍ يقول: (الحوثيون) يقصفون مكة بصاروخٍ باليستي!
مع أن اليمنيين يومها في الحقيقة لم يقصفوا سوى مدينة (جدة) الواقعة أصلاً على بعد 70 كيلومتر تقريبًا غربي (مكة) المكرمة بصاروخ باليستي من نوع (بركان1) أبى يومها إلا أن يصل ويحط رحالة بأمنٍ وسلام في ذات المطار الذي وصل إليه (بايدن) اليوم – مطار جدة أَو كما يسمونه مطار الملك عبدالعزيز!
فلماذا إذن ادَّعوا يومها زوراً وبهتاناً أن (بركان1) قد وصل مستهدفاً (مكة) بينما يؤكّـدون اليوم أن (بايدن) وصل (جدة) مع أن الوجهة ومقر الوصول واحدة؟!
هل؛ لأَنَّهما لم يجتمعا على ذات الغاية والهدف كما اتفقا على ذات الوجهة ومكان الوصول مثلاً؟!
أم ماذا يا تُرى؟!
ولماذا لم نرَ أُولئك الذين اعتلوا المنابر وتصدروا مراكز الإفتاء وأصموا مسامع العالم أجمع بفتاوى وبيانات التكفير والتجريم لهؤلاء (الحوثيين) (الروافض) وَ(المجوس) بما قاموا به وأقدموا عليه بحسبهم من جريمة استهداف وقصف (مكة)؟!
أين هم اليوم من وصول الرئيس الأمريكي (بايدن) وحط رحاله في (مكة)؟!
لماذا لم نسمع لهم اليوم (بكاءً) ولا (عويلاً) ولا (صراخاً) أن وطأت أرض (مكة) قدما (زائرٍ) غير مسلمٍ ولا مسالمٍ ولا موحد؟!
أم أنه لا يحضرهم ذكر (مكة) إلا على وقع أقدام (بركان في جدة) فقط، أما (بايدن في جدة) فذلك ما هو إلا عنوانٌ لمسلسل من مسلسلات الترفيه النصف أَو الربع موسمية في جدة ليس إلا..!
لماذا بصراحة لم يتعاملوا مع (بايدن) على الأقل كما كانوا يتعاملون من قبل مع (بركان)؟!
على الأقل كانوا سيضفون على أنفسهم شيئاً قليلًا من الشفافية والمصداقية..!
قللك (بركان) في مكة.
قللك بايدن في (جدة).. قال.