الإسلام رسالة جميع الأنبياء منذ آدم (ع) إلى آخر الزمان، وما من شك أن الله سبحانهُ وتعالى جعل الإسلام ديناً لنبيه إبراهيم (ع) وجعل شريعته الصحف، وجعل الإسلام أَيْـضاً ديناً لنبيه موسى (ع) وشريعته التورات، وجاء الإسلام كذلك ديناً لنبيه عيسى (ع) وشريعته الانجيل، وأصبح الإسلام ديناً للنبي الأكرم محمّـد صلى الله عليه وآله وسلم، وشريعتهُ القرآن الكريم، وهو ما يدلل على وحدة العقيدة والعبادة عند جميع الأنبياء والمرسلين.
ورسالة الإسلام هي رسالةٌ شاملةٌ خالدة، جاءت من علم الله الذي لا ينتهي، وحكمته التي لا تحصى، حمل أمانتها نبينا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وحمل المسلمون من بعده أمانة تبليغها حتى وصلت إلى هذا العصر الذي وهب الله فيه للبشر ذروة التقدم التكنولوجي والازدهار العلمي، حتى باتت الأرض بشعوبها المختلفة، قرية كونية صغيرة، لسرعة الاتصال وتبادل المعلومات والآراء فيما بينهم، في جميع مجالاتها ونواحيها وتركت لهم حرية التفاعل معها.
لقد جاء القرآن الكريم المنزل من الله سبحانهُ وتعالى كدستورٍ ومنهاجٍ جامع للشريعة الإسلامية منذُ الأزل، وكوحدةٍ كاملةٍ متكاملة، وكمالها يشمل جميع النواحي البشرية، بدءًا بعلاقتها بالله رب العالمين، والعلاقة بين الناس في إطار المسلمين وغير المسلمين، ومسار العلاقة المنضبط في العبادة والأسرة والسياسة والاقتصاد والعلوم والتربية والثقافة، والعلاقات الدولية في السلم والحرب، وعلاقة الناس بخالقهم، وعلاقتهم فيما بينهم، وعلاقتهم بالأرض ومن فيها وما فيها، مُرورًا برسم علاقة البشر بعالم الغيب والشهادة، وانتهاء بعلاقة الدنيا بالآخرة… إلخ.
ونظراً للأهميّة الكبيرة والمكانة والتقديس التي يحظى بها القرآن الكريم في نفوس المؤمنين من مسلمين وغيرهم من الديانات الأُخرى، تأتي الحملات “الصهيونية والماسونية” العالمية بين فترةٍ وأُخرى بمشاريعٍ من شأنها أن تترك آثاراً عميقة وقوية من الغزو الفكري الشامل للأُمَّـة، من خلال جملة من الممارسات والتصرفات التي تنخر في جسد الإسلام من الداخل، ومحاولاتها فصل الأُمَّــة الإسلامية عن منهاجها ورموزها المقدسة، وفق برامج مدروسة وخطط منهجية، قائمة على التدرج الزمني والتنفيذ المتأني.
وما الظاهرة والتقليعة الجديدة القديمة المتمثلة بإحراق نسخ من القرآن الكريم في السويد والدنمارك وغيرها من المناطق، والتي تأتي تباعاً كُـلّ يوم جمعة بشكلٍ ليس بعرضي ويحظى بالتغطية الإعلامية الكبيرة، إلا خطوة من مسلسلٍ طويل من التطاول المشين والإساءة المتعمدة للمنهج البشري وللرموز الإسلامية المقدسة، والتي لن تنتهي، مادام وباء التدجين والتهجين الذي تعاني منه الأُمَّــة والذي فتح مجالاً واسعاً للنظم الوضعية والايديولوجيات المستوردة والهدامة، وللثقافات المغلوطة أن تتغلغل في الأوساط الجماهيرية في العالم الإسلامي.
وعلى الرغم من أن القرآن الكريم هو قائد الأُمَّــة، والمنهجية الأقدس لكل المسلمين بمختلف مذاهبهم وطوائفهم وفرقهم وانتماءاتهم ومشاربهم وجنسياتهم، إلا أن الإساءة إليه اليوم لم تجعلهم يتبنوا موقفاً موحداً تجاه هذا التطاول، والسبب يعود إلى أن الكثير من أبناء الأُمَّــة صاروا أسارى للثقافة التغريبية، التي دفعت وتبنت بعضاً من أبناء جلدتنا، ليتكلموا بألسنتنا بعد أن تثقفوا بثقافتها وتربوا بتربيتها، وبات هؤلاء هم من يمثل الإسلام ويتكلمون باسمه وباسم الأُمَّــة، على الرغم من إدراك الجميع أن هؤلاء مُجَـرّد تابعين وعملاء ومنافقين.
هذا الدور الهدام لحركة النفاق والمنافقين من داخل الأُمَّــة، ضد الانتماء الإيماني، وضد التوجّـه السليم للأُمَّـة لم يكن وليد اليوم، بل جاء على مراحل متتالية ابتدأ منذُ صدر الإسلام، وظل ارتباط حركة النفاق ضد الأُمَّــة مُستمرّ، يعمل جنباً إلى جنب مع أعدائها، في مؤامراتهم ومشاريعهم، والتي تسعى إلى حرف الأُمَّــة عن التوجّـه الإيماني الصادق الأصيل، وفصلها عن منهاجها القويم، وعن رموزها ومقدساتها، من خلال التثبيط والتهجين والتدجين وما إلى ذلك.
وأمام كُـلّ هذا نحن على موعدٍ يوم الجمعة، القادم لمشاهدة منظر يستفز الحجر والشجر ناهيك عن البشر، والذي يفترض بالشعوب المسلمة التي يصل قوامها نحو مليار ونصف المليار، أن تفز وتغضب لأقدس رموزها، وأن تستنفر وتتحَرّك لإجبار أنظمتها بقطع كامل العلاقات وطرد السفراء وتفعيل مبدأ المقاطعة الاقتصادية لكل المنتجات الخَاصَّة بتلك الدول التي تمثل مصدر الإساءة، فقد أصبح العالم الإسلامي اليوم خاضع لاختبار إلهي يقاس فيه المؤمن الصريح والمنافق الصريح، وبالمناسبة وكخيارٍ فردي أدعو أحد المسلمين من رجال الله في تلك البلاد إلى إسكات ذلك الكافر المتطاول اللئيم، بالكيفية التي تشفي صدور وقلوب المؤمنين، وتردع كُـلّ من تسول له نفسه التطاول على مقدساتنا.