إن الصراع بين الإسلام والكفار هو صراعُ دائم ومُستمرّ، صراعُ بين الحق والباطل، بين الخير والشر، لقد جرب الأعداء كُـلّ الطرق الممكنة والسُبل والوسائل المتاحة لاختراق النواة الإسلامية وتفكيك نسيجها الإيماني بما في ذلك استخدام سلاح القوة والنفوذ مرارًا وتكرارًا، ولكن كُـلّ هذا لم ولن يجدي معهم نفعاً، لقد عرف المستشرقون مكمن السر من خلال دراساتهم القديمة والحديثة لتاريخنا وديننا ومذاهبنا وثقافتنا وتقاليدنا وتمكّنوا من معرفة السبب الحقيقي لعظمة وقوة الإسلام والمسلمين ونقاط ضعفه، مما جعلهم يفكرون بوسائل أُخرى لدس سمومهم القاتلة وأفكارهم المُنحطة وثقافاتهم المغلوطة، لذا حولوا ميدان الصراع من حرب المسلمين أنفسهم إلى حرب العقيدة الإسلامية ذاتها، وبهذا تغيرت ملامح المعركة فلم يعد ميدانها الرئيسي الأراضي والسهول وإنما أصبحت الأدمغة والعقول، ولم تعد وسيلتها الأسلحة الفتاكة والجيوش الجبارة والأساطيل البحرية، ولكنها أصبحت الحروب الناعمة والأفكار الملغومة والأباطيل المكذوبة.
لقد وجد دعاة الفتنة من المستشرقين والمناصرين لهم ومن سلك طريقهم ونهج بنهجهم غايتهم المنشودة في الفرق المتطرفة والمنحرفة والخارجة عن جادة المنهج السليم والقويم، تلك الفرق والمذاهب التي تم إعدادها وخلقها وتشكيلها من قِبل كيانات غربية مستشرقة لخدمة وتنفيذ مخطّطاتها وفرض سيطرتها ونفوذها وغطرستها على الدين الإسلامي عن طريق فئة تتدعي وتتصور اليوم بأنها مجددة الدين وحاملة راية الإسلام والمسلمين وتوهم نفسها بأنها اليوم من تقود الحركات الإسلامية الصحيحة وهي بحد ذاتها صناعة غربية جاءت لتحطيم النواة الإسلامية وتبديل مفاهيم الدين الصحيحة بمفاهيم وضعية وباطلة.
وهذا كله تزوير للحقائق وإخفاء للأهداف الحقيقية التي تسعى تلك المذاهب المؤدلجة لتحقيقها وأُولئك الأشخاص الذين تم تجنيدهم وإعدادهم لخدمة أجندة غربية، وفي هذا لا نستغرب من المستشرقين عند أحيائهم لجذور هذه الفرق الضالة والمتطرفة وبعثها لنشر سمومهم المميتة ليصرفوا به الأُمَّــة عن جادة الهدي والصراط المستقيم.
لقد تعرض تاريخنا الإسلامي لأكبر قدر من الغزو الفكري الاستشراقي، وركز الأعداء على تشويه تاريخ الأمه الإسلامية ذلك التاريخ الحافل بالشموخ والأمجاد وموطن الإباء والاعتزاز.
الأعداء يعرفون حق المعرفة بأننا لا نكون أعزاء على الكافرين أذلاء على المؤمنين إلَّا إذَا كنا متمسكين بكتاب الله ومؤمنين إيماناً عميقاً قطعياً بالله ومرتبطين بديننا وسالكين طريقنا طريق الجهاد في سبيل الله ومقاتلين تحت راية واحدة ومُسلّمِين لقيادة واحدة.
لذلك تكالب علينا الأعداء من الداخل قبل الخارج وقاموا بإعداد الجيوش وتجنيد ضِعاف النفوس من الجهلة وضحايا الغزو الفكري في العالم الإسلامي لِبث أفكارهم بين المسلمين، سيول عارمة وجارفة تعددت أشكالها وتنوعت مصادرها وسهولة الوصول إليها، دراسات أكاديمية وقنوات فضائية إباحية ومراكز أبحاث تاريخية وندوات ومؤتمرات علمية، كُـلّ هذا تم تسخيره لتحقيق أهداف مختلفة منها (فكرية وثقافية، وانحلال أخلاقي وانحطاط ثقافي وتراجع قيمي ومجتمعي).
أمام هذه التحديات التي تواجهنا اليوم ينبغي علينا أن نعرف أن القوة التي تواجهنا اليوم ليست هي قوة سيف إزاء سيف أَو جيش مقابل جيش بل إنها قوة الأسلحة الفكرية والحروب الناعمة، ويجب علينا أن لا نتساهل حول تلك الحروب التي تمضي بيننا بصمت ونعومة، مع أنها حرب ضروس لا تضع أوزارها حتى تترك ضحاياها بين أسير وقتيل كحرب السلاح بل هي أشد فتكاً منها.
يجب علينا أن نتصدى لكل الزحوف الغربية ومحاولات تذويب الهُــوِيَّة الإسلامية ومحاولة قطع صلة الأمة بدينها وذلك من خلال تفريغ فريق للكتابة عن الحضارة الغربية وتاريخها ودسائس مستشرقيها وعلمائها لكي ينكشفوا على حقيقتهم كما هم في الواقع، وفي الحقيقة لو تمكّنا من دراساتهم لخرجت صورة سيئة ومخزية ينكرها المستشرقون قبل غيرهم، لعلهم يمتنعون عن أساليب الكذب والمكر والخداع والتضليل والتزييف والهدم.
* نقلا عن : المسيرة نيوز