إنني لا أرى سلاماً ولا أشم رائحة أمان، وكيف يريدون بالتاريخ أن يترُكَ جسورَ الواقع ويمشي على جسور خيالهم لمُجَـرّد أن يجاملَهم في ذلك الحلمُ المستسلمُ الكسولُ بسلامٍ يُعطَى مجاناً؟!
إننا اليوم نواجهُ عدواً حقيقيًّا، وجارّاً غادراً، ومفاوِضاً كاذباً، ومبعوثاً أممياً ماكراً، وعميلاً خائناً، ومرتزِقاً مأجوراً، وتأييدًا غربياً، وتواطؤاً عربياً، ومساندةً أمريكية، وبوقاً إعلامياً، وصحفياً مُدلساً، ومزعوماً شرعياً غير دستوريّ ومتشرعنين باعوا أرضاً وشعباً وديناً وإنساناً.
إننا اليوم نقِفُ على مشارف منعطف تاريخي خطير، فالسلام الذي يدسونه في طعامكم الإعلامي والأمان الذي يلوكونه بأفواهكم ليس إلَّا تخدير موضعي استعداداً وتأهباً لذات الشوكة، وهل تراجع الغرب الباغي الأكبر وعلى رأسهم أمريكا الشيطان الأكبر عن تنفيذ مخطّطاتهم الاستراتيجية ومؤامراتهم الإقليمية وخير دليل على ذلك دولة العراق، أليست أمريكا هي من أشعلت النيران وألقت بالعراق حطباً يابساً لنيرانها تمهيدًا لغزوها ونهب نفطها وزرع قواعدها وبوارجها العسكرية، أجمعوا أمركم قبل أن تأخذكم وأنتم على غفلة من أمركم.
إن
القلق؛ بسَببِ حربٍ محتملةٍ أفضلُ من النوم على سلام كاذب، وأولى بنا ألَّا نخدَعَ أنفسَنا وأن نواجهَ الواقعَ بكل احتمالاته، وأن نتأهَّبَ للأيام الأسوأ والاعتماد على سِلْم ونصرة أمريكا اعتمادٌ على سراب بِقِيعة؛ فأمريكا تعيش حلم اليقظة في صناعة إمبراطورية عظيمة باتساع الأرض هذا الحلم الكبير يحتاج إلى كلاب مسعورة ووكلاء عسكريين ومرتزِقة مأجورين وعملاء خائنين في كُـلّ بقعة استراتيجية، والمنطقة العربية أرضُ الخيرات وحقول النفط والثروات لا بُـدَّ أن تؤولَ إلى السيطرة الأمريكية بالكامل ودويلات حديثة الولادة هي الكلاب المسعورة التي تستطيعُ أن تؤديَ هذه المهمة؛ فتم الزج بها في أتون معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وهم يعرفون حق المعرفة بأنهم مهزومون فيها لا محالة وسيصبحون ضحية للذئاب المفترسة وحطباً يابساً تأكله النار المستعرة، ولكن أوهموهم بأنهم منتصرون وسيحقّقون نصرًا مؤزرًا ومكسباً وفيرًا، وأمريكا تساندهم والغربُ يؤيدهم والمجتمع الدولي يعطفُ على قضيتهم والصحف تكتُبُ لصالحهم وبوقٌ إعلاميّ يناصر ظلمهم ويتستر على جرائمهم وأن اليمن لو عاشت في سلام دائم ستكون هي العقبة الكؤود في طريق ميلاد إسرائيل.
وهل عرفنا وعرف الشعبُ اليمني اليوم من يقوم بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع؛ بهَدفِ -كما يزعمون- حمايةَ الأمن الدولي، الحقيقةُ التي يجهلُها الكثيرُ أن أذيال الأمريكان والإسرائيليين هم أنفسهم اليوم من ينفذون قرارات مجلس الأمن العدواني بشن حرب عدوانية على الشعب اليمني.
أين السلام الذي تتشدّق به الأمم المتحدة؛ خوفاً من أن يفوتها القطار؟
إن حُضنَ الافاعي أكثرُ أمناً من حضن ولايات المكر والغدر والإرهاب، ذلك القطار الذي ظلوا يضحكون به علينا منذ أكثر من ستين سنة، القطار الذي لا عمل له سوى اختراق الحدود، واغتصاب الأرض، والتوسع بلا نهاية طمعاً في خريطة بلا حدود، ولكنه اليوم قوض السلام الإنساني بالعدوان الذي استهدف المنشآت المدنية اليمنية، وقام -عمدًا- بالحصار لتجويع الشعب اليمني، واستولى -بواسطة عملائه في المنطقة- على أموال اليمن اللازمة للمرتبات وتشغيل الخدمات العامة الضرورية للحياة!، وهذه الأفعال -جميعاً- تمثل جرائم عدوان، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، ولكن رغم كُـلّ هذا التكالب العالمي علينا هل حقّقوا شيئاً على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي طبعاً لا والحاضر يشهد والمستقبل يتأهب والتاريخ يُكتب.
الجرائمُ التي ارتُكبت في حق الشعب اليمني لا يمكنها أن تسقُطَ بالتقادم، طال الزمن أَو قصر، وكلّ جريمة لم يحدث قط أن وُلدت كاملة؛ إذ لا بُـدَّ أن ينقصها شيءٌ، والمجرم مهما بلغ ذكاؤه لا بُـدَّ أن ينسى شيئاً صغيراً تافهاً ينهار؛ بسَببِه البنيان كله في الوقت المعلوم، وهذه الجرائم العدوانية المحبوكة التي اشترك فيها مئات العقول الساذجة وقد امتلأت بالثغرات سوف تنفضح وتنهار رغم حبكتها؛ فكل بنيان يحمل معه جرثومة فنائه، وكل أكذوبة تحمل معها جرثومة فضحيتها، ونحن أبناء هذا الزمان سوف نشهد هذه الخاتمة ونرى بأعيننا انهدامَ هذا الهيكل الأُسطوري لكثرة ما سال من دم، لترتفع جدرانه عالية؛ فعمر الباطل مهما طال هو -في عُمر الأبدية- مُجَـرّد ساعة.
* نقلا عن : المسيرة