بالنظر والتأمل إلى تاريخ أمريكا نجدها دولة قامت على الانتهاكات الصارخة للقيم الإنسانية.
من أول تكوينها حرصت على امتلاك المال وأدوات القوة، وفي مسعاها إلى تحقيق هذا الهدف لم تراع أي مبادئ، فتحللت من أي ثوابت، دينية أو قيمية، فكانت الغاية والهدف بالنسبة لها أعلى من التفكير بماهية الطريقة اللائقة للوصول إلى هذا الهدف.
ورغم أنها عاثت فسادا وإفساداً في كل بقاع الأرض إلا أنها وجدت في المنطقة العربية الضالة المنشودة حيث أنعم الله على هذه المنطقة بالكثير من المميزات والثروات، سواء على صعيد المكان الجغرافي أو على صعيد ما أودعه الله في باطنها وبحرها وجبالها من ثروات معدنية ونفطية وغازية.
وزرعت الكيان الصهيوني ليمثل لها مصدر التخويف والترهيب لكل من يفكر في النهوض ورفع رأسه والاعتماد على ذاته، كما مثّل لها العين التي تراقب تحركات أي دولة من دول المنطقة، وأي تأثير يمكن أن تُحدثه هذه التحركات على مستوى بناء الدول أو تطلعها للاستقلال من هيمنة البيت الأبيض. هذه أمريكا التي تعيش على دماء الشعوب.
وبالفعل، حققت أمريكا بمنهجيتها العدوانية السيطرة شبه الكاملة على دول المنطقة فباتت هذه الدول عاجزة عن مواكبة دول العالم المعروف بالمتطور، إلا ما سمحت به أمريكا لها من هذا التطور وهو غالبا شكلي وأدواته كلها غربية.
وبالنظر إلى مسار النشأة والتطور لهذه الدولة التي ذهبت الكثير من الدراسات إلى وصفها بالدولة المارقة، نجدها عاشت تاريخها على الحروب، وتطوير آلات الدمار الشامل، فأبادت مجتمعات عن بكرة أبيها بهذه الأسلحة كما أنها غذت الخلافات البينية ودعمت التباينات، بالمواقف والسلاح الذي كانت تستعيضه من ثروات الشعوب التي تشهد الصراعات، كما أطلقت أمريكا ليدها العنان في أن تضرب وتبطش وتُقر قوانين توفر لها الحماية من أية مساءلات مستقبلية في ضرب الدول وحصارها.
ودائما ما كانت أمريكا بلا عهد وبلا مواثيق، دولة لا تؤمن إلا بالإنجاز ولا تريد أي عائق يقف أمامها فجعلت من ترسانتها النووية فزاعة للسيطرة وإرهاب العالم، ويحكي التاريخ الكثير من وقائع الشر التي كانت بطلتها، تدفع بالشعوب إلى التناحر ثم تتخلى عن حلفائها، ويكفينا أن نشير إلى توريطها أوكرانيا مع روسيا وسعيها لتكرار الأمر مع تايوان لتصطدم مع الصين من أجل إنهاك القوى المنافسة على تسيّد العالم والإبقاء على النظام العالمي كما هو بسيطرة أحادية لأمريكا.
اليوم والى جانب ما تطلقه كييف من نداء لإنقاذ وضعها المتراجع وهي التي كانت نووية ذات يوم في ظل الاتحاد السوفيتي لتصبح دولة تشحت السلاح للدفاع عن نفسها، وزارة الدفاع الأمريكية تتحدث ببساطة قبل يومين بأن أوكرانيا ستكون مكشوفة نهاية فصل الربيع ولن يكون بمقدورها رد الهجمات الجوية إذ سينفد مخزونها من صواريخ الدفاعات الجوية، رغم ما كان يروج له الأمريكي من حديث عن دعم بعشرات المليارات، لكنه كما يبدو تعبير عن حقيقة أمريكا، فلم تكن في هذا الموقف إلا كما قال العالم الأمريكي اديسون للعالم العبقري والفلتة التاريخية نيكولا تسلا في الخديعة المشهورة حين طالبه بما اتفقا عليه «ألم تسمع بفكاهية الأمريكي يا تسلا، كنت أمزح معك»، إلا أن ما عبر عنه أديسون وهو العالم الكذبة الذي خدعوا العالم بخدمته للبشرية بالمصباح الكهربائي، بينما لم يكن أكثر من سارق كما اعترف هو نفسه بذلك، ليعبر بذلك عن حقيقة الدولة العميقة التي تقوم على النهب والهيمنة والخديعة كعقيدة من أجل البقاء والتطور وتصدر القائمة.