بين شعورين جارفين وقع خبر استشهاد الرئيس صالح علي الصماد على قلوبنا قبل أسماعنا؛ شعور بالغبطة لفوزه بالشهادة، وهو المجاهد الصادق الجسور الوفي، سليل المعارك، وابن التضحية، ورمز النزاهة والشهامة والإباء! هذا الشعور يزف بكلمات التهنئة الشهيد الحي، للشعب بنيل رئيسه هذا الوسام الرفيع، وارتقائه بكده ودأبه للفردوس الأعلى، منتميا لثلة من الشهداء الأبرار، الذين سبقوه، فسار راضيا مختارا على دربهم، تاركا لنا أنموذجا في الرياسة لا يتكرر، وأمثولة في الصدق وافتداء الوطن لا تكاد -لولا أن خبرناه- تُصدّق!
وينازع شعور الغبطة ذاك شعور طاغ بالأسى، على وطن فقد قلبا وهبه كلّ هذا الحب، وكلّ هذا التفاني، شعور بالخسارة لرجل من الطراز الرفيع، حوّل الأقوال إلى أفعال، وافتقدته اليمن في مرحلة من أصعب مراحل مواجهة العدوان والصمود! شعور افتقاد ضوئه في ليالي العدوان الظلماء، يجعلنا نستشعر حجم الفاجعة، وفداحة الرحيل، ووحشية الجريمة.
لم يكن صامدا في يمن الصمود، بل هو وحده الصمّاد؛ وكلنا يحاول أن يرتقي المرتقى الشاهق الذي بلغه في الصمود واليقين بالوطن، وما يعزينا في افتقاد هذا الرجل الرجل، هو أنه فاز ببغيته، وذهب إلى الشهادة شجاعا، كرارا غير فرار، مقبلا ليس بمدبر، واعيا بحجم المخاطرة، ولكن كما قال: ليست دماؤنا أغلى من دماء الشهداء، والمجاهدين في الجبهات كلها!
كأن أبا تمام كان يصوّر لنا الشهيد الرئيس صالح الصماد حين قال:
وحـنّ للـمـوت حتـى ظــنّ جـاهـلـه بـأنـه حـنّ مـشـتاقـا إلى وطـن
لو لم يمت بين أطراف الرماح، إذن لمات –إذّ لم يمت ـ من شدة الحزن
يتوجب علينا في جبهة الثقافة، وفي شتى الجبهات التماسك اقتداء بالصماد، والاحتفاء به والانتماء إليه موقفا صلبا مع الحق اليمني في وجه الباطل السعودي وحلفه، وأن نحاول التغلب على خسارة فقد الوطن له، فنستلهم من الشهيد الحي معاني الاستمرار في المواجهة، والإصرار على الدفاع عن الأرض والعرض، والصدق في العمل على حماية الوطن وبنائه، والنزاهة والعفة حد الزهد في متاع الدنيا بكل زخرفها، والخوض بشجاعة في لجج المصاعب، دونما خوف، بل بأمل نيل شرف الشهادة، التي هي أكرم ما يناله مؤمن، وأعز ما يصبو إليه صاحب قضية، وعلى نهج الصماد نمضي بيقين في النصر، وثقة في تهاوي باطل العدو، كلما أوغل في بطشه وجرائمه سواء تلك التي سبقت استشهاد الرئيس صالح الصماد أم التي تزامنت مع نيله الشهادة أم التي تلت ذلك مباشرة، أو حتى تلك التي سيقترفها، فكلها تقول إننا بمواجهة باطل زين له الشيطان غيه، وجرائمه وبطشه، وعلى حق خذله العالمون كي ننصره، وعلى وعد بنصر من الله قريب!
وإنا بفضل من الله على خطى أبي الفضل شامخون في مواجهة العدوان، وكلنا بعون الله صامدون على درب الصماد.
الخلود للرئيس الشهيد وجميع شهداء الوطن العظماء، النصر لليمن المتجدد البطولات والأبطال حد التأسطر، والخزي والعار والهزيمة يصنعها رجالنا وصواريخنا بحق العدو الهمجي الحاقد!