المشكلة ليست «محتوى هابط»، فهو (والإنتاج الثقافي بشكل عام) مجرد معيار لسقوط منظومة شاملة وفي مختلف المجالات. فعندما تنهض أمة تكون نهضتها شاملة سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وفي كل المجالات، وكذلك السقوط.
مثلا: نلاحظ سقوط مصر الشامل، من خلال المعيار وهو إنتاجها الثقافي. كانت مصر سابقا منارة للثقافة، وأنجبت أبرز العلماء والمقرئين والأدباء والمثقفين والفنانين... الآن كيف وضع مصر الثقافي؟! وضع مُزرٍ من كل النواحي. المحتوى السينمائي والدرامي انهار وسقط في وحل التعري والابتذال، مقارنة بما كان عليه سابقا، وكذلك الفن والغناء، فمِن أم كلثوم وعبدالوهاب والسنباطي وغيرهم من الفن الراقي بالأمس، إلى شعبان عبدالرحيم وشاكوش وتامر وغيرهم من الأسماء في الفن الساقط اليوم. حتى المقرئين، كان المقرئون المصريون هم كبار المقرئين في العالم الإسلامي، مِنهم الحُصري والمنشاوي وعبدالباسط وغيرهم من المقرئين العظماء. أما اليوم فالمصري إذا أراد أن يستمع لتلاوة القرآن يستمع إلى السديس!
هذا السقوط الذي نراه ثقافي، إلا أنه في واقع الأمر معيار لسقوط أشمل وأكبر بكثير في مصر.
كذلك لدينا مثال آخر؛ ولكن في النهوض. إيران؛ إيران اليوم تختلف بكثير عن إيران الأمس في كل المجالات، بشهادة أعدائها، ونلاحظ نهضتها من خلال المعيار نفسه، وهو إنتاجها الثقافي. لاحظوا المحتوى السينمائي والدرامي القوي والرائع كيف غزا العالم الإسلامي، رغم الحرب الشعواء المفروضة عليها إقليميا ودوليا، ومع ذلك دخلت الدراما الإيرانية إلى كل بيت. حتى المقرئين، أصبح المقرئون الإيرانيون هم أبرز وأفضل المقرئين في العالم الإسلامي ويتصدرون أغلب المسابقات، آخرها مسابقة للمقرئين في السعودية فاز بالمركز الأول متسابق إيراني.
الفن والغناء الإيراني لم يحصل له انتشار إسلامي وإقليمي؛ نظرا لاختلاف اللغة. هذه النهضة التي نراها ثقافية، إلا أنها في واقع الأمر معيار لنهوض أشمل وأكبر بكثير في إيران.
وبالتالي فمشكلتنا ليست محصورة في مجرد محتويات مقاطع فيديو هابطة ليوتيوبر هنا أو هناك، فهي ضمن الإنتاج الثقافي الذي هو مجرد معيار لمشكلة أعم وأشمل وأكبر أصابت البلد بأكمله، وهي الانحدار الشامل الذي يضرب اليمن في كل المجالات.
ولا يعني هذا أنني ضد حملة مكافحة المحتوى الهابط، لا، بالعكس، أنا معها، وهي حملة موفقة؛ ولكني هنا ألفت النظر إلى أن المشكلة أكبر وأعمق، وفكرة التصحيح يجب أن تتوسع وتتعاظم لتشمل كل المجالات، السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من عوامل نهضة الشعوب.
* نقلا عن : لا ميديا