إن الإمام الحسين «عليه السلام» من موقعه العظيم وفي دوره المهم في هذه الأمة حدد الموقف المسؤول التاريخي، الذي يبقى مناراً للأمة في كل مراحل التأريخ، الإمام الحسين «عليه السلام» لم يكن مجرد ثائرٍ عادي، له مطالب محدودة تحرك من أجلها في الساحة، وله مطالب حقوقية معينة تحرك من أجلها، الإمام الحسين «عليه السلام» أولاً- باعتبار مقامه الإيماني العظيم وهو في عصره وفي مرحلة ثورته البقية الباقية من أهل بيت النبوة، الذين قال عنهم رسول الله «صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين»: ((إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كـتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)).
الإمام الحسين «عليه السلام» من هذا الموقع، في ظل هذا الدور المسؤول، من موقع الهداية وموقع القدوة، موقع الهداية باعتباره البقية الباقية من آل بيت رسول الله «صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله»، في الموقع الذي تتطلع إليه الأمة ليحدد لها مواقفها المسؤولة المنبثقة عن أصالة الإسلام، وعن مبادئ الإسلام، وعن قيم الإسلام.
الإمام الحسين «عليه السلام» من هذا الموقع الذي حدده النبي «صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله» حينما قال: ((حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسينٌ سبطٌ من الأسباط))، الحسين «عليه السلام» في ظل هذا الدور الذي يمثل فيه امتداد الرسالة الإسلامية، القيام مقام رسول الله محمد خاتم النبيين “صلوات عليه وعلى آله” وريثاً له، في موقع القدوة والهداية للأمة؛ ليتخذ الموقف الذي يعبّر عن الإسلام في أصالته، وفي مبادئه، وفي قيمه، وفي شرعه، الإمام الحسين «عليه السلام» تحرك من هذا الموقع، وضمن هذا الدور الذي أقام فيه الحجة على الأمة كافة، ورسم لها الموقف المسؤول الذي لا مناص عنه، الذي تفرضه المسؤولية بكل ما تعنيه الكلمة، والإمام الحسين «عليه السلام» من مقامه الإيماني والأخلاقي العظيم في ما هو عليه من كمال الإيمان، من التمثل الحق بمبادئ الإسلام، وأخلاق الإسلام، وقيم الإسلام.
الإمام الحسين «عليه السلام» الذي بلغ أرقى درجات الإيمان وكماله، فيما عبّر عنه الرسول «صلوات الله عليه وعلى آله وسلم» حينما قال عنه وعن أخيه الحسن «عليهما السلام»: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة))، هذه العبارات المهمة التي أطلقها النبي «صلوات الله عليه وعلى آله» والتي يتجلى لنا من خلالها المقام الإيماني العظيم الذي وصل إليه؛ لأن هذه العبارات ليست مجرد عبارات تشريفية وتشجيعية، بل تعبّر عن مضمونٍ حق، تعبّر عن كمال الإيمان الذي وصل إليه في كل ما كان عليه الإمام الحسين «عليه السلام»: (في إيمانه، في روحيته الإيمانية، في مبادئه الإيمانية، في قيمه الإيمانية…)، فيما كان عليه من معرفةٍ بهذا الإسلام: (في تعاليمه، وفي شريعته، وفي أحكامه، وفي حرامه، وفي حلاله)، اتخذ الموقف أيضاً، فهو موقفٌ مسؤولٌ صادرٌ عن مقامه في الهداية، ومسؤوليته في هداية الأمة، ومسؤوليته وموقعه في الإيمان.
الإمام الحسين «عليه السلام» هكذا تحرك تحركاً مسؤولاً، منبثقاً عن الإسلام، معبّراً عن الإسلام، موقفٌ يفرضه الإسلام، ويحدده الإسلام، والإمام الحسين «عليه السلام» حينما تحرك، تحرك في ثورةٍ خالدة لكل الأجيال، تمتد عبر الزمن إلى يوم القيامة؛ لتستفيد منها الأمة في كل مراحلها في مواجهة تلك الحالة التي واجهها الإمام الحسين «عليه السلام»، وضمن ذلك الخيار الذي اتخذه الإمام الحسين «عليه السلام».
الإمام الحسين «عليه السلام» حدد الموقف المسؤول بكل ما تعنيه الكلمة، موقفٌ ليس متهوراً، وليس عبثياً، وليس انتحارياً. |لا|، هو موقفٌ مسؤولٌ بكل ما تعنيه الكلمة، فرضه الله «سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى»، ويحدده الإسلام، ثم هو- أيضاً- موقفٌ واعٍ، هو نتاجٌ لوعيٍ حقيقيٍ بحتمية ذلك الموقف، ووعيٍ بالبدائل التي يمكن أن تحدث لو لم يتخذ ذلك الموقف، وهي بدائل فظيعة جدًّا، فالإمام الحسين «عليه السلام» حدد الموقف، وحدد الخيار، وقدّم هو- فعلياً- قدّم الدرس، وتحمل المسؤولية، ولم يكن فقط مجرد مُفتٍ أصدر فتوى وأطلقها، بل كان هو في طليعة هذا الموقف متحملاً للمسؤولية بكل ما تعنيه الكلمة، ومتحركاً بنفسه، وقدّم- هو بنفسه- أعظم درسٍ للأمة.
الإمام الحسين «عليه السلام» حدد لنا في كل مراحل التاريخ الموقف الشرعي، والموقف المسؤول، والموقف المبدئي، والموقف الأخلاقي، حينما نواجه حالةً من تلك الحالات التي فرضت عليه أن يتحمل مسؤوليته، وأن يتحرك تحركه:
أولاً: حينما يصل إلى موقع السلطة والحكم على رقاب الأمة طاغيةٌ، ظالمٌ، مستكبرٌ، غشوم، لا يحرّم حرام الله، ولا يحلّ حلاله، لا ينضبط لمبادئ الإسلام، ولا لقيم الإسلام، ولا لأخلاق الإسلام، يستهتر بالأمة، ويستبيح كل شيء، ويجعل من موقعه في السلطة والحكم واقتدار الدولة فرصةً لممارسة جبروته، وظلمه، وطغيانه، وأهوائه، ونزواته، على رقاب الأمة وفي مقدرات الأمة، مثل هذا النوع من الحكام المتسلطين والجبابرة الطغاة لا يجوز للأمة أن تسكت عنهم، ولا أن تحكّمهم في رقابها وفي مقدراتها، ولا أن تذعن لهم وتستكين لهم ليمارسوا بها وفيها هوايتهم من: الظلم، والجبروت، والطغيان، والعبث، والنهب، والسلب؛ فيعبثوا بالأمة، ويحوّلوا حياتها إلى جحيم؛ فتتحول الساحة الإسلامية التي يفترض لها الإسلام أن تكون ساحة العدل، وساحة الحق،
وأن تقدم النموذج أمام بقية العالم: (في إقامة الحق، في الالتزام بالمبادئ، في التخلق بأخلاق الإسلام، في إقامة الحق والعدل في الحياة)، فتتحول إلى ساحة للمنكر، وواحة للظالمين، وساحة للجريمة، وتتحول الأمة التي أراد الله لها أن تعتز بهذا الإسلام، وأن تنعم بعدل هذا الإسلام، وأن تتخلق بأخلاق هذا الإسلام، تتحول إلى أمةٍ مقهورةٍ، مستعبدةٍ، مظلومةٍ، مستباحة، لا عز فيها ولا كرامة، ولا عدل فيها ولا خير، هذه مسألة كارثية تمثل انقلاباً على أهم قيم الإٍسلام، وأعظم مبادئ الإٍسلام، وحالةٌ لا يرتضيها الإسلام أبداً، مهما كان الثمن في سبيل مواجهتها، والتصدي لها، والحيلولة دونها.
هذه الحالة التي عبّر عنها رسول الله «صلوات الله عليه وعلى آله»، وتحدث عنها الإمام الحسين «عليه السلام» في إحدى وقفاته الشهيرة وخطاباته العظيمة، حينما قال «عليه السلام»: ((أيها الناس إن رسول الله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقاً على الله أن يدخله مُدْخَله))،
هنا يقدّم الإمام الحسين «عليه السلام» فيما رواه عن جده رسول الله «صلى الله وسلم عليه وعلى آله» هذا الموقف المبدئي الإسلامي، الذي هو نابعٌ من أصالة الإٍسلام، والذي يفرض علينا كأمة إسلامية أن نتبنى موقف التغيير، والموقف المناهض لهيمنة هذا النوع وهذا النموذج من الهيمنة والتسلط: السلطان الجائر الظالم، الذي لا يلتزم بالعدل، ولا يريد الحق، والذي ينزو على الأمة برغباته وأهوائه، ويتحكم في رقاب الأمة، ليس لديه أي انضباط لا بمبادئ هذه الأمة في قيمها وإسلامها، ولا في أخلاقها، ولا في شريعتها، ولا في حرامها، ولا في حلالها، يتحرك وفق مزاجه، وأهوائه، ورغباته، وأطماعه، يمارس الظلم والجبروت، ولا يكترث لأي شيء، ولا يبالي بأي شيء.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
ذكرى عاشوراء 1439 هـ
*نقلا عن : موقع أنصار الله