الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي “عليهما السلام “، كانت ثورته امتداداً فعلياً في المبدأ والموقف لثورة جده الإمام الحسين عليه السلام، وكانت ثورته أيضاً تعتبر امتداداً حقيقياً لمنهج الإسلام العظيم، في درب جده المصطفى محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله عندما تحرك في وجه الطغيان الأموي المستحكم الظالم للأمة المفسد المضل إنما كان يتحرك طبقاً لتوجيهات الله طبقاً لتعاليم الإسلام ومن خلال تلك المبادئ العظيمة والمهمة التي تجعل للإسلام قيمته في هذه الحياة إذ ليس مجرد طقوس مفرغة لا أثر لها في الحياة ولا قيمة لها في الواقع.
نسبه وكنيته
هو الإمام زيد بن علي (زين العابدين وإمام الساجدين) بن الحسين (سيد شباب أهل الجنة) بن علي بن أبي طالب عليهم السلام حفيد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، جدته فاطمة الزهراء بنت خاتم الأنبياء محمد صلوات الله عليه وعلى آله.
مولده ونشأته
ولد في المدينة النورة سنة 75هجرية ونشأ وترعرع في كنف والده العظيم الإمام زين العابدين عليه السلام، نهل من علوم أهل البيت حتى صار أعلمهم كما يقول أخوه الإمام الباقر عليه السلام: {لقد أوتي أخي زيد علما لدنيّا فاسألوه فإنه يعلم ما لا نعلم.} عكف على القرآن يتدبره ثلاثة عشر سنة حتى سمي حليف القرآن، فتح عينيه من أول يوم على ظلم بني أمية وجبروتهم، وعاصر طغاتهم ومجرميهم، ورأى ما وصلت إليه أمة جده رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من حالة مزرية جراء ظلمهم واضطهادهم فقرر تغيير الوضع مهما كلفه الثمن.
لا تؤذِ جليسنا (واقع لم يتغير)
ما أشبه وضعنا الحالي وضع أمتنا في هذا الزمن بذلك الوضع حين يهم من يعتبرون أنفسهم حكاما لهذه الأمة زعماء لهذه الأمة ويكون أهم شيء لديهم أن لا تجرح مشاعر اليهود ولو بكلام، كيف وقفوا من الشعار موقفاً شديداً وحاربوا من أجل إسكات هذا الشعار حتى لا تجرح مشاعر اليهود بكلام، مه لا تؤذِ جليسنا يا زيد.
ليبقى للحق مساره
واصل الإمام زيد (عليه السلام) ذلك المشروع بروحه ومبادئه ومواقفه وأخلاقه وحمل لواءه في الأمة مناديا ليبقى للحق صوته وليبقى للحق امتداده وليبقى للعدل حملته وليبقى للنور الإلهي من يعملون على نشره في الأمة وليبقى طريق ونهج الإصلاح لواقع الأمة والتصحيح لمسارها قائمًا وممتداً عبر الأجيال لا يوقفه زمن ولا تقف بوجهه وتؤده تحديات أو أخطار لأن له حملةً عظماء حملوا روحيته، حملوا مبادئه حملوه نورًا في قلوبهم وحملوه إيمانًا راسخًا في قلوبهم وحملوا لواءه ورايته بكل ما هناك من تحديات وأخطار ونكبات كبيرة ومصائب مؤلمة وجارحة بثباته بصلابته بوهجه وقوته كانوا يتحركون من عصرٍ إلى عصر من جيلٍ إلى جيل من زمن إلى زمن في مواجهة ألف يزيد وألف يزيد وألف هشام وألف هشام ولذلك يجب أن تعي شعوبنا المنتمية للإسلام حقيقة هذه المبادئ المهمة جداً لأن الوعي بها والالتزام بها والتحرك على أساسها هو أمر مهم جداً في أن تغير الأمة واقعها في أن تتخلص من الظلم الذي تعانيه والذي عانت منه على مر التاريخ.
الطاغية هشام نموذج الظلم والإجرام
كان الطغيان الأموي يمثل كارثة كبيرة في واقع الأمة وعلى الأمة في كل ما هو مهمٌ وعظيمٌ ومقدسٌ لهذه لها، مثّل حالةً من الإجرام والإفلاس الأخلاقي والإنساني والقيمي، ومثّل حالة استهتار بالإسلام وبرموزه وبمقدساته وبأمته.. وهذا الاستهتار إلى درجة أن يقول الحاكم الأموي المعاصر للإمام زيد عليه السلام ـ هشام ـ أن يقول: والله لا يأمرني أحدٌ بتقوى الله إلا ضربت عنقه، وهذا النموذج الذي يتوعد من يأمره بتقوى الله؛ لأنه لا يعترف بتقوى الله سبحانه وتعالى، لا يرى لنفسه أن عليه أي ضوابط أو التزامات، أو أن أمامه أي حدود أبداً، ويرى لنفسه أن يستبيح كل شيء، وأن يفعل ما يحلو له، وألا ينضبط بأي ضوابط لا شرعية ولا أخلاقية ولا إنسانية ولا أي شيء، ويتعاطى باعتباره متسلطاً وظالماً وجباراً وطاغيةً.
بل وصل به الحال إلى أن يُسَبَّ رسول الله في مجلسه لا يغضب، ولا يشكّل ذلك عنده أي مشكلة؛ لأنه لم يكن للرسول، ولا للإسلام، ولا لمقدسات الإسلام، ولا لرموز الإسلام، أي قيمة، وعندما غضب الإمام زيد عليه السلام وانتهر ذلك اليهودي الذي أساء إلى رسول الله في مجلس هشام، يقول هشام للإمام زيد عليه السلام: مَهْ لَا تُؤْذِ جَلِيْسَنَا يَا زَيْد.
واللهِ مَا يَدَعُنِي كِتَاب اللهِ أَنْ أَسْكُت
الإمام زيدٌ عليه السلام تحرك من موقع المسؤولية بكل ما يحمله من قيم ومبادئ، من موقع الهداية، هو رجلٌ منتمٍ إلى العترة الطاهرة، هو مرتبطٌ بالقرآن الكريم، حليف القرآن، فكان لهذا القرآن أثره العظيم في روحيته، وفي فهمه للمسؤولية، في اندفاعه للتحرك، ، في إدراكه لخطورة الوضع القائم وما يمثله أولئك الطغاة، والظالمون، والمجرمون، والمضلون، والمفسدون من خطورة كبيرة على الأمة.
تحرك الإمام زيدٌ عليه السلام تحركاً مسؤولاً بكل ما تعنيه الكلمة، من منطلق المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، المسؤولية التي تربى عليها واستوعبها من خلال القرآن الكريم، والتربية الإيمانية التي حظي بها لدى والده زين العابدين وسيد الساجدين، لدى أخيه الباقر عليهما السلام، وورثها أيضاً في البيت الطاهر، تحرك الإمام تحركاً مسؤولاً بكل ما تعنيه الكلمة، وهو الذي يقول: (واللهِ مَا يَدَعُنِي كِتَاب اللهِ أَنْ أَسْكُت) يعني: لا يسمح لي كتاب الله بالسكوت، ما في القرآن من توجيهات، ما في القرآن من تعليمات، ما فيه من مبادئ، ما فيه من قيم، ما فيه من أخلاق، ما فيه من أثرٍ عظيمٍ في تربيته وتزكيته لا يسمح لي أن أسكت أمام واقعٍ كهذا الواقع بكل ما فيه من ضلال، (مَا يَدَعُنِي كِتَاب اللهِ أَنْ أَسْكُت) لا يسمح لي بالسكوت، فتحرك تحركاً مسؤولاً هادفاً وعياً على بصيرة من أمره، وهو الذي كان يقول: (البَصِيْرة البَصِيْرة ثم الجهاد) تحرك بناءً على هذا الوعي.
القرآن والمواجهة
تحرك الإمام زيد (عليه السلام) مع قلة الناصر وقلة العدد والعدة كما تحرك جده الحسين (عليه السلام) مقتبسًا أثره سالكًا في دربه في ظل راية الإسلام ونور الإسلام تحرك (عليه السلام) وهو ذلك الذي كان يحمل كل الألم وكل التوجع على أمة جده حينما يرى ظلم الظالمين وجور الجائرين ويستشعر مسؤوليته العالية مسؤوليته الكبيرة تجاه ذلك فيقول: ( والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت والله ما يدعني كتاب الله أن تكف يدي ) يتحرك من واقع الشعور بالمسؤولية لا ملتمسًا لشيءٍ من حطام الدنيا ولا هادفًا إلى سلطة ولا إلى مغنمٍ مادي.
شركاء في الإجرام
تحرك الإمام زيد عليه السلام ليواجه حكام الجور وليواجه أيضاً علماء السوء ووجه نداءه للأمة يستنهضها ويعمل على أن يحركها فيقول: ( يا علماء السوء أنتم أعظم الخلق مصيبة وأشدهم عقوبة إن كنتم تعقلون ذلك بأن الله قد احتج عليكم بما استحفظكم إذ جعل الأمور ترد إليكم وتصدر عنكم، الأحكام من قبلكم تلتمس والسُنن من جهتكم تختبر يقول المتبعون لكم أنتم حجتنا بيننا وبين ربنا فبأي منزلةٍ نزلتم من العباد هذه المنزلة فو الذي نفسُ زيد بن علي بيده لو بينتم للناس ما تعلمون ودعوتموهم إلى الحق الذي تعرفون لتضعضع بنيان الجبارين ولتهدم أساس الظالمين ولكنكم اشتريتم بآيات الله ثمناً قليلاً وأدهنتم في دينه وفارقتم كتابه) إلى أن يقول عليه السلام:
( فأَمْكَنْتم الظّلَمَة من الظلم وزينتم لهم الجور وشددتهم لهم ملكهم بالمعاونة والمقاربة فهذا حالكم ).
هناك فئتان في الأمة مكنت الجائرين والمستكبرين والمفسدين ليتحكموا في مصائر الأمة في واقع الأمة في إدارة الأمة في التحكم بالأمة: الفئة التي وقفت مع الطغاة وناصرتهم سواء بالقتال أو بالمقال أو بأي أسلوب أو بأي حال والفئة التي صمتت وسكتت وخضعت وهادنت وجمدت ولم تنهض بمسؤوليتها كانت شريكاً أساسياً للفئة المناصرة المباشرة للنصرة المباشرة للخدمة للطغاة والمستكبرين والجائرين.
وللطغيان ركائز
ركائز الظلم التي يقيم من خلالها الظالمون سلطانهم ومن خلالها يتمكنون من استعباد الأمة والسيطرة عليها هي ثلاث ركائز:-
الركيزة الأولى: التضليل والخداع
ويتحركون بوسائل كثيرة في ظل هذه الركيزة من مثل علماء السوء الذين يشرعنون ظلمهم ونرى كيف تحرك كثير من علماء السوء على مر التاريخ ليقولوا للأمة دائمًا إنه من الواجب عليها طاعة الظالم والإذعان للظالم والخضوع للظالم والاستسلام للظالم بل جعلوا ذلك عبادة وقربة إلى الله سبحانه وتعالى الله الذي لعن الظالمين.
الركيزة الثانية: البطش والطغيان
وهي التي تحرك من خلالها وتمكن من خلالها الطغاة والظالمون في استحكام أمرهم على الأمة وفي السيطرة على الأمة واستعباد الأمة يقتلون ويسجنون ويدمرون ويخربون ويستبيحون الدماء فيسفكونها بغير حق ويزهقون الأرواح بغير حق فاستعملوا البطش بقسوة كبيرة وفظاعة ووحشية لا نظير لها.
الركيزة الثالثة: التخويف والترويع
الإمام زيد عليه السلام حينما خضعت الأمة وهانت ورهبت سطوة الأعداء وقبلت بالذل والهوان لم يقبل بالذل والهوان واستنهض الأمة وعمل على أن يحيي فيها روح المسؤولية والشعور بالعزة وأن يستنهضها بكل ما يستطيع وكان يدرك حالة الرهبة السائدة في أوساط الأمة وهي من أخطر الحالات التي تستحكم بها سطوة الظالمين الرهبة والخوف ولذلك كان يقول: ( ما كره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا ).
مواجهة الطغاة (مبدأ الثائرين)
كانت ثورته عليه السلام تعبيراً حركياً وعملياً عن حقيقة مبدأ الإسلام العظيم عن حقيقة الإسلام كمشروع عدالة، مشروع كرامة، مشروع حرية لبني الإنسان، وكانت استجابة فعلية لتوجيهات الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله محمد (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله)، ولذلك يجب أن تعي شعوبنا المنتمية للإسلام حقيقة هذه المبادئ المهمة جداً لأن الوعي بها والالتزام بها والتحرك على أساسها هو أمر مهم جداً في أن تغير الأمة واقعها في أن تتخلص من الظلم الذي تعانيه والذي عانت منه على مر التاريخ.
في المقابل كانت هناك ثقافة تحرك من خلالها حكام الجور وعلماء السوء استحكمت من خلالها قبضتهم على الأمة وسيطرتهم على الأمة، لقد قُدمت طاعة الجائرين والطغاة والخضوع للظالمين والاستسلام للمستكبرين والمفسدين والإذعان لهم قدمت تلك الأمور ديناً، قدمت باسم الدين، قدمت على أنها محسوبة على الإسلام ومن تعاليم الإسلام، قدمت إلى الأمة لتتعبد بها الأمة، لتتعبد الله تعالى بطاعة الظالمين بالخضوع للمفسدين بالخضوع التام والمطلق لكل ما يفعلونه بها، فكانت النتيجة رهيبة جداً جداً جداً هي النتيجة التي نشاهدها اليوم، لأن واقعنا اليوم ـ كما نكرر كثيراً وكثيراً ـ ليس وليد اللحظة إنه نتاج الماضي إنه امتداد للماضي الذي حوّل الأمة الإسلامية من أمة قوية كبرى كان لها حضورها العالمي البارز والعظيم والمؤثر إلى واقع لا أسوأ منه في العالم، اليوم وقوى الطغيان مجتمعة في هذا الزمن قوى الطغيان والشر والظلم والجور من داخل أمتنا من المحسوبين على المسلمين تحت الراية الأمريكية تحت الراية الإسرائيلية عبيداً وخدماً وعملاء ومرتزقة يتحركون مجتمعين لتدمير المنطقة واستعباد الشعوب وقهرها وإذلالها، فنحن اليوم في حاجة ماسة إلى هذه المبادئ إلى هذه القيم القرآنية إلى هذه الروح إلى هذه العزيمة إلى هذا الصبر إلى هذا المستوى العالي من الاستعداد من للتضحية إلى هذا الإباء إلى هذا الصمود إلى هذه القيم العظيمة إلى هذا الإيمان إلى هذا الوعي لنتحرك به في مواجهة هذه التحديات والأخطار.
ونستفيد من الإمام زيد
أن نوجه مواقفنا إلى رأس الهرم وأن نثبت مهما كان حجم الظروف
اليوم نجد أن الشر الكبير الذي تعاني منه الشعوب والمعاناة الكبيرة التي تعاني منها الشعوب هي من الحكومات والسلطات المتجبرة والظالمة سواء في منطقتنا، الحكومات التي هي عميلة وتعمل لصالح الأنظمة والحكومات المتسلطة والدول المستكبرة أو في بقية العالم، ولذلك نجد أن البعض ممن يتهربون من المسؤولية ومن ضعيفي الإيمان والوعي هم لا يعون جيداً مسؤوليتهم في الوقوف ضد الظالمين والجائرين والمستكبرين وسيكون في الحد الأقصى وليس الأدنى إذا أراد أن يحس بمسؤولية لإقامة العدل أو للوقوف ضد المنكر ضد الظلم ضد الفساد للأمر بالمعروف للنهي عن المنكر فهو سيوجه مواقفه على الآخرين، الناس العاديين!. أما ضد المتجبرين والسلطات والحكومات والدول المقتدرة المتمكنة فهو يخافها ويرهبها.
البصيرة ثم القتال
عبارة أطلقها الإمام زيد (عليه السلام) من رؤية قرآنية نافذة فهو يعلم خطورة الجهل وغياب الوعي وما يؤدي إليه من اختلالات في سلمية التوجه وصحة المسار النابع من صميم الإسلام المحمدي الأصيل ذلك لأن التوجه الخاطئ أو الناقص ـ حتى وإن كان تحت عنوان (في سبيل الله) ـ إنما ينتج عنه أخطاء كارثية ويعود بخسارة كبيرة، في مقدمته خسارة عظماء وأعلام ورجال مؤمنين، لذلك الإمام الأعظم زيد بن علي (عليهما السلام) ـ كما يقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه) ـ: كان يقول في ذلك الوقت (البصيرة البصيرة) يدعو أصحابه إلى أن يتحلوا بالوعي، ألم ينهزم الكثير ممن خرجوا معه؟ ألم يتفرقوا عنه؟ لأنهم كانوا ضعفاء البصيرة، كانوا ضعفاء الإيمان، كانوا قليلي الوعي، أدى إلى أن يستشهد قائدهم العظيم، أدى إلى أن تستحكم دولة بني أمية من جديد).
التحرك الواعي.. حتى لا تتكرر المأساة
التحرك الواعي أمرٌ ضروريٌ للأمة؛ لأن الأمة بدونه إنما تعاني أكثر، وتدفع الضريبة بشكلٍ رهيب جداً، فعندما تختار الأمة لنفسها أن تتنصل عن المسؤولية، وأن لا تبالي، وأن تمكن الطغاة والظالمين والمجرمين من السيطرة عليها، والتحكم بها، والتغلب عليها، هذا له نتائج وخيمة، وكوارث كبيرة جداً، يوصل الأمة في الأخير إلى القناعة بحتمية التحرك، ولكن بعد معاناة كبيرة، بعد مظالم رهيبة، بعد أن تُسحق الأمة وتذل وتهان.
وعلى سبيل المثال فإن الأمة ضد الطغيان الأموي وصلت في الأخير إلى قناعة بضرورة التحرك، وقناعة حاسمة، وتحركت وأسقطت الحكم الأموي والتسلط الأموي وأنهته، ولكنها دخلت في حقبة جديدة؛ لأنه كان تحركاً لم يمتلك الوعي الكافي لإحلال المشروع الصحيح بدلاً عن ذلك، مشروع الحق والعدل والخير بدلاً من الملك العضوض والأثرة والاستبداد والظلم والطغيان، لم تنطلق الأمة وهي معتمدة لمعايير لمبادئ تبني عليها واقعها وواقع ولاية أمرها، فتركت المجال لطغاة آخرين جدد أتوا من جديد، الحقبة العباسية التي كانت حقبة امتداداً للحقبة الأموية فيما كانت عليه من مظالم، ومفاسد، ومنكرات، واستبداد، وأثرة.
وهنا فإنه ليس للأمة من خيارٍ صحيح إلا أن تنهض، وأن تقف بكل جدية في مواجهة الطغاة، وإلا فستدفع ثمناً باهظاً وتعاني ولا تسلم، حينما يكون السبب أو الدافع الذي يدفع البعض للتنصل عن المسؤولية هو المخاوف، والحرص على السلامة، والتهرب من أعباء المسؤولية، الثمن أكبر، والمعاناة أشد وأفظع، وفي النهاية بعد سلسلة طويلة من الكوارث، من الخسائر الرهيبة جداً تصل الأمة إلى قناعة بحتمية التحرك من واقع أصعب، ومن ظروف أشد، ثم تتحرك وقد لا تصل إلى نتيجة إلا بعد زمن طويل، و ثمن كبير جداً.
والدرس هذا درس مهم جداً، في هذا الزمن الذي تواجه فيه الأمة مؤامرات ومكائد كبيرة عليها من الطغيان الأمريكي الإسرائيلي وأدواته التي هي من داخل الأمة وتعمل لصالحه، الأمة في أمسّ الحاجة إلى أن يترسخ هذا الوعي فتعي قيمة المبادرة، قيمة المسارعة، قيمة النهوض كما ينبغي بالمسؤولية، وتعرف أن هذا الإسلام بعطائه العظيم في أثره التربوي والنفسي والمعنوي هو يدفع بالأمة بعنفوانٍ عظيم هو عنفوان الإسلام في قيمه العظيمة بما فيها من عز، من إباء، من كرامة، وعالية، وإحساسٍ عالٍ بالمسؤولية، من وعيٍ عميقٍ وراسخٍ بخطورة الطغيان.
*نقلا عن : موقع أنصار الله