لقد أوضح تقريران على قدر كبير من الأهمية نشرا الأسبوع الماضي الدور المرتبك للولايات المتحدة في الصراع الدائر في اليمن, ونتيجة لهذه الحرب العدوانية أزهقت آلاف الأرواح, وحدث دمار فعلي لدولة هي في الأصل هشة, وزاد الصراع من حدة وتفاقم الأزمة الإنسانية بشكل مروع في بلد يعد من البلدان الأكثر فقرا في الشرق الأوسط.
في تحقيق نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش يتهم فيه التحالف بقيادة السعودية بشن غارتين جويتين هما الأعنف من نوعهما في شهر مارس الماضي استخدم فيهما القنابل التي قدمت من قبل الولايات المتحدة, والتي استهدفتا مدينة في شمال غرب اليمن, وقتل على إثرها 119 على الأقل من المدنيين, بمن فيهم 25 طفلا.
وفي شهر مارس الماضي كانت الذكرى الأولى لتدخل المملكة السعودية في الحرب الأهلية التي شنتها على حدودها الجنوبية وهو التدخل الذي قامت به الرياض وحلفاؤها وتورطت في معركة صعبة مع المقاتلين اليمنيين.
وبشكل مستقل, أثار تقرير خاص لرويترز إمكانية أن يستغل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية, وهو جناح التنظيم الإرهابي, والذي كان يعد الهدف منذ وقت طويل لعمليات مكافحة الإرهاب للولايات المتحدة الأمريكية, الفراغ الذي حدث جراء الحرب بقيادة السعودية على اليمن وقام ببسط سيطرته على الأرض, وقام بتعزيز مكانته في سلسلة المدن الساحلية في حين قام بتكديس أموال طائلة من الثروات التي ينهبها.
ومما يثير استياء بعض الحلفاء العرب, أن الولايات المتحدة قد لعبت دورا صامتا إلى حد ما في الحرب خلال العام الماضي. كما أنها مازالت تزود التحالف بقيادة السعودية وترفده بالمعلومات الاستخبارية, وبناقلات الوقود المحمولة جوا, بالإضافة الى تزويدها بالذخائر.
وهذه الأسلحة, وفقا لدراسة حديثة قامت بها هيومن رايتس ووتش, يعزى إليها الضربة التي وقعت في 15 مارس على سوق مكتظ بالناس في قرية مستبا. ويعتقد أن 10 من مقاتلي الحوثي قتلوا في الانفجارين المزدوجين ـــ والذي نجم عن إسقاط قنبلتين لم يفصل بينهما سواء خمس دقائق ـ وأسفر عنه قتل العشرات من المدنيين.
وقد أثار هذا الحادث حفيظة أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ودعا على إثره إلى إجراء تحقيق مستقل.
وهنا ما توصل إليه الباحثان في منظمة هيومن رايتس ووتش:
أجرت هيومن رايتس ووتش تحقيقات في الموقع يوم 28 مارس, ووجدت بقايا في السوق من قنبلة جي بي يو-31موجهة بالأقمار الصناعية, والتي تتكون من قنبلة 84 ام كيه مقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية محتوية على2,000رطل من المتفجرات مترافقة مع مجموعة من جيه دي أم والتي يتم توجيهها عبر الأقمار الصناعية وهي أيضا مقدمة من الولايات المتحدة.
وزار فريق من الصحفيين في 26 مارس
الموقع من قناة الأخبار أي تي في, وهي قناة أخبار بريطانية , ووجدوا بقايا من قنبلة أم كيه -84مترافقة مع مجموعة من موجهات ليزر. وقامت هيومن رايتس ووتش باستعراض الصور التي التقطها الصحفيون ولقطات من هذه الشظايا.
لكن الخسائر المتواصلة جراء الغارات الجوية في اليمن—والتي أسفرت عن قتل الآلاف من المدنيين نتيجة للحرب, غالبية الضحايا كانت جراء الغارات الجوية– قد جعلت بعض الحكومات في أماكن مختلفة تعيد التفكير في تحريم بيع الأسلحة للمملكة السعودية.
وقالت بريانكا موتابارثي, باحثة الطوارئ لدى هيومن رايتس ووتش في تصريح لها” واحدة من الضربات الجوية العنيفة التي نفذها التحالف ضد المدنيين خلال عام من الحرب على اليمن نفذت بأسلحة تم تزويد التحالف بها من قبل الولايات المتحدة, وهذا ما يوضح وبشكل مأساوي جدوى السؤال: لماذا ينبغي على الدول التوقف عن بيع الأسلحة للمملكة السعودية.”
وأضافت” ينبغي على الولايات المتحدة وأعضاء التحالف الآخرين إرسال رسالة واضحة إلى المملكة السعودية مفادها أنهم لا يريدون أن يشاركوا في قتل غير قانوني للمدنيين”.
وقام البرلمان الهولندي الشهر الماضي بالتصويت على إيقاف تصدير الأسلحة للسعودية, وأرجعوا ذلك إلى استمرار الانتهاكات الإنسانية.
ومن جهة أخرى, فبينما الحرب بقيادة السعودية لتدمير اليمن يقوم جناح تنظيم القاعدة والذي يعرف بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية لتعزيز سيطرتها على المناطق الجنوبية التي تخضع تحت قوات التحالف السعودي ووجود مايسمى “الحكومة” المدعومة من الرياض.
وقد تحدثت تقارير رويترز بالتفصيل عن مدى مكاسب التنظيم, وتتضمن هذه المكاسب استيلاء التنظيم على الموانئ الأساسية والتي لها ارتباط قوي بصناعة الغاز والصراع على النفط اليمني. وهذا التقدم كان متاحا نتيجة للحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية على اليمن.”
وقال خبراء ومحللون إن الحرب هيئت لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بيئة مناسبة للتمدد والحصول على كميات كبيرة جدا من الأسلحة المعقدة والمتقدمة, بما فيها صواريخ محمولة على الكتف وعربات مدرعة.”
في بعض المناطق, يحصل مقاتلو القاعدة ووكلاؤها على الأموال عن طريق نهب البنوك وعن طريق الابتزاز لشركات حكومية متعددة. لقد شبه المقال ميناء المكلا على خليج عدن كمدينة الرقة في سوريا والتي تعد عاصمة فعلية للمنظمة الجهادية التابعة لتنظيم الدولة.
لقد قام مقاتلو القاعدة, كما ورد في تقارير رويترز, بمباشرة” حملة وقحة لزعزعة الشركات المملوكة للحكومة, من ضمنها شركات الموبايل وشركات النفط الوطنية. وتقوم القاعدة باستخدام المال التي تحصل عليه في مناصرة قضاياها.
وقد أطلقت اليزابيث كيندال, باحثة يمنية في جامعة أكسفورد, على هذا النهج اسم” استراتيجية روبن هوود” تحمل بين ثناياها آثاراً مخيفة لا يمكن إنكارها.
وقال دبلوماسي اقليمي رفيع لرويترز” ربما قد نواجه أمور أكثر تعقيدا من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب,” ” ليس فقط كونها تنظيماً إرهابياً لكن كحركة تحكم الآن سيطرتها على الأراضي.
لقد اثنى الرئيس الأمريكي اوباما في شهر سبتمبر 2014م, على استراتيجية مكافحة الإرهاب في اليمن على أنها تمثل نموذجا ناجحا للحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد مليشيات تنظيم الدولة في العراق وسوريا في ذلك الوقت كانت غير ذات خبرة بما فيه الكفاية.
وبتفاقم نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن, يبدو انه من غير المستحسن أن تطرح كنموذج يستحضر أو يحتذى.
* صحيفة واشنطن بوست الأمريكية
ترجمة: انيسة معيض