في كتاب (مستقبل وهم ) لسجموند فرويد ( 1856- 1939م ) كان لا يرى فيه فرقاً بين تعريف الثقافة والحضارة - وهو مخطئ في ذلك تماماً لأن الثقافة هي خلق مستمر للذات أما الحضارة فهي تغيير مستمر للعالم وذلك يعني أن الثقافة قوة ذاتية تكتسب بالتنشئة أما الحضارة فهي قوة العلم التي تقهر الطبيعة عن طريق الاختراعات والاكتشافات والصناعات المختلفة -
وكان يعتقد أن التعريف المناسب للثقافة هي كل ما يُميز الإنسان عن الحيوان المفترس فهو يقول : ( أقصد بالثقافة الإنسانية - وأنا ارفض هنا التميز بين الحضارة والثقافة - كل ما أمكن للحياة البشرية أن ترتفع عن طريقة فوق الشروط الحيوانية وأن تتميز به عن حياة البهائم ) وهذا التعريف - للأمانة العلمية - غير مسبوق بحسب علمي واطلاعي على تعريفات الثقافة المختلفة - هناك ما يزيد عن 160 تعريفا للثقافة - ذلك أنه يجعل من الثقافة كل تصرف أو سلوك يُميز الانسان به نفسه عن الحيوان ، فعلى سبيل المثال : إذا كانت الحيوانات تتناسل أمام بعضها البعض وجب على الإنسان المثقف أن يستتر وهو يمارس نفس الغريزة كي يضع بينه وبين الحيوان حاجزاً من الحياء والثقافة وإذا كانت الحيوانات تعيش لتأكل في كل وقت وجب على الإنسان أن يأكل في بعض الأوقات ليعيش ويصوم متى أراد ان يُعلي من شأن الروح على حساب الجسد وإذا كانت الحيوانات تفترس بعضها البعض - حال شعورها بالجوع - وجب على بني الإنسان أن يتعففوا عن ذلك وأن يصونوا دماء بعضهم البعض حال الشبع .
هذا هو التعريف الحقيقي للثقافة - سلوك يُميزك عن الحيوان المفترس - فالحيوانات تعيش مع بعضها من جنسها فقط في قطعان ولا تقبل التعايش مع الأجناس الاخرى وذلك السلوك يجعلها حيوانات لا تقبل الا من يشبهها شكلاً ومضموناً ، أما الإنسان المثقف فهو الذي يقبل الانسان المختلف عنه شكلاً ومضمونا لأن ميزة الإنسانية هي الاختلاف عن بعضها لانها لو تشابهت تحيوّنت ، في المجال الإنساني وحدها الاختلافات تتشابه كما يقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر جيل دولوز .
ولو طبقنا ذلك التعريف على سلوك العدنيين الذين يتشدقون بالمدنية والأتعوز الذين يتباهون بالثقافة من خلال سلوكهم في هذه الأيام تجاه المواطن اليمني من غير محافظتهم لتبين لنا - بناء على تعريف فرويد للثقافة - أنهم يكذبون في ادعائهم وسلوكهم مؤخراً يفضح ذلك الادعاء .
ماذا حدث في تعز :
يوم السبت 15 أغسطس من العام الماضي إنسحب الجيش واللجان الشعبية من تعز بناءً على إتفاق تم إبرامه في مسقط ، حدث بعدها ما لم يكن في الحسبان ، صباح الأحد 16 أغسطس يوم لا يمكن أن يُنسى ، تم قتل المختطفين من بيوتهم من أسرة الرميمة في الطرقات ، تم سحلهم وسط تصفيق وصفير العامة وزغردات النساء ، تم إلقاء بعض الجثث من مجمع السعيد وتركها دون دفن ، نهب البيوت وإحراقها ، وقد شاهد العالم ما حدث - في نفس اليوم - في شوارع عاصمة الثقافة والمدنيّة من سحل وصلب وإحراق للجثث.
أن تتكرر حوادث السحّل والصلب والتمثيل بالجثث وحرقها في عاصمة الثقافة للمرة الثانية يومي الخميس والجمعة 11 مارس هذا العام فذلك يعني أن قيم الغابة والحيوان المفترس هي السائدة في عاصمة تدعي الثقافة أو بلغة عصرية ثقافة القاعدة وداعش هي من تحكم تعز وأن العقل الوهابي التكفيري هو العقل الجمعي الذي فرض نمط تفكيره على الجميع ، الرسالة الخطيرة التي سربتها تلك الحوادث هي أن الثقافة هي من سُحلت في تعز وتم إحراق القيم المدنيّة ورميها في صناديق القمامة وأن القيم والأخلاق صُلبت ولم يعد لها وجود ، تحررت تعز من كل تلك الأشياء ، كما تحرر المرتدون من الاسلام يوم موت النبي في نجد وما يجمعهما هو المال السعودي .
يُحكى أن أحد الجبناء في عهد الامام يحي كان يدعو الله بالقول : يا رب حوّل لي بعسكري ميّت شقتله - أصبح مضرباً للأمثال - هذا حال كل من يسحّل القتلى ويمثل بجثثهم ، إنها ارتكاسة نفسية سببها الخوف والذل والجبن والحقد الدفين تجاه المسحول في لاشعور من يقوم بتلك الأفعال . الشجعان يقاتلون الأحياء بنفس وسائلهم وحدهم الجبناء من يقتلون الأموات . اذا رأيت يا صديقي حيوانات الغابة تسحّل ضحاياها وفرائسها وتسحبهم خلف الحمير، أو السيارات أو الموترسيكل فإعلم أن تلك الحيوانات مثقفه و أن المدنيّة دخلت الغابة .الحمد لله على نعمة القبيلة .. بصراحة الثقافة تعب .