اختيار السيد القائد لذكرى المولد النبوي الشريف؛ ليبدأ في مرحلة التغييرات التي كانت الدولة بحاجة ماسة لها، إنما يعزز الارتباط بالنبي -صلوات الله عليه وآله- وهو دليل على تجذر الهُــوِيَّة الإيمانية في الشعب اليمني وهذا ما يهدف له قائد الثورة يحفظه الله، وقد بدأ السيد خطابه الذي يستشف منه المتابع مدى ارتباط هذا القائد بالنبيّ الأكرم ومدى شعوره بكل ما عاناه، حَيثُ تناول بصورةٍ مختصرة الوضع قبل ميلاد النبي وكيف استطاع الرسول أن يغير واقع مظلم في غضون سنوات قليلة وذلك بإخلاصه وثقته بالله وتحَرّكه رغم كُـلّ العوائق والتحديات التي واجهها.
ومثلما كانت ذكرى يوم المولد النبوي الشريف بداية لتغيير كامل في واقع الجزيرة العربية بل وفي واقع العالم مثلما وضح السيد القائد، بإذن الله أَيْـضاً في عصرنا وفي يمننا سيكون هذا اليوم يوم المولد بداية لتغيير جذري وللأفضل في واقع شعب الأنصار، فما أعظمها من مناسبة يستحق فيها الشعب اليمني أن يتم تجديد الأمل في نفوس أبنائه الذين عانوا ويلات العدوان والحصار وصبروا كَثيراً على التخبط والعشوائية التي كانت تسير بها بعض المؤسّسات الحكومية، وكان الوضع يتطلب المزيد من الصبر والحكمة من القائد، خَاصَّة وهو كان منشغلًا بمواجهة العدوان الغاشم وَغير المبرّر على بلدنا، وما أعظمه من قائد نفخر به جميعاً ولا يبغضه سوى منافق، وما أعظمه من خطاب كان عند مستوى التطلعات الكبيرة والآمال العريضة عن أبناء شعب الأنصار، وما أعظمه من شعب خرج يوم ذكرى المولد النبوي الشريف كالسيول المتدفقة الجرارة التي لا يرى أولها من آخرها ومستحيل أن ترصدها أَو تستوعبها أية كاميرا، مئات الساحات في كُـلّ المحافظات والمديريات والقرى رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا، شيوخًا وشبانًا، رسموا أعظم لوحة تاريخية تصف مدى حب وولاء اليمانيون بنبيهم، وستظل شاهدة للأجيال القادمة، وستظل تكبر كُـلّ عام عن العام الذي سبقه ولو كره المبغضون والمرجفون، فالملاحظ لحشود المولد كُـلّ عام لا شك سيدرك أنه كُـلّ عام تتضاعف الحشود أضعافًا مضاعفة عن العام السابق وهذه حقيقة ملموسة، فمهما شنّوا من دعايات ومهما نشروا من أكاذيب ومهما حاولوا أن يثُنوا اليمانيين عن الخروج والاحتفال وإظهار مظاهر الفرح من أول ربيع فلن يستطيعوا، فكل مؤامراتهم تبوء بالفشل وتعود عليهم بالوبال والحسرة، وما أعظمه من نور محمدي يشع من وجه القائد يلحظه حتى الخصوم والمبغضين ولكنهم يكابرون وتأخذهم العزة بالإثم، فكيف لا وهو النعمة المهداة لهذا الشعب اليمني المؤمن الذي ارتبط بالنبي وآله عَلى مرّ التاريخ، كيف لا ودماء حيدر الكرار وفاطمة الزهراء تجري في شرايينه وإن كنت أعرف أن هذا الحديث يصيب البعض بحالات غريبة من التحسس يظهر من خلالها أنهم ينزعجون من ربط القائد إلى سلالته الطاهرة ويتهمونا بالعنصرية والسلالية وغيرها، ولكن الأيّام كفيلة بأن تجعلهم يؤمنون بما نحن مؤمنون به؛ لأَنَّه منهج يهدي الله لنوره من يشاء فمن يؤمن بثقافة القرآن في الاتباع وفي اختيار القادة سيدرك أن كلماتي هذه ليست من باب تعصب أَو عنصرية.
حفظ الله قائدنا فما أحوجه هذه الأيّام بالذات للدعاء والمساندة والتأييد، فالتسليم للقائد والتفويض ليس مُجَـرّد شعارات نردّدها أَو وُسُوم (هاشتاقات) نطلقها وننشرها، السيد القائد يحتاج السند والعون من الجميع قولاً وعملاً، فقد حذر السيد القائد في خطاب التغيير الجذري يوم المولد من الفتن التي سيحاول العدوّ إشعالها لتقف حاجزاً دون أي إصلاح، فعلينا أن ندعو الله دائماً بأن يؤيد قائدنا برجال مؤمنين يكونون له عوناً وسنداً في مسيرة الإصلاحات وفي مواجهة الأعداء والمنافقين في الداخل والخارج.
فكان خطابه في المولد أشبه بالخطاب الثوري الممزوج بلمحات تاريخية وتوجيهات قرآنية وتوصيات وتحذيرات ونصائح وأعظم وأجّل ما في الخطاب هو أنه استفتحه بآية النور (الله نور السموات والأرض) هذه الآية العظيمة التي فيها من النور والتبيان والبلاغة والمعاني ما لا يدركها الكثير ولا يعرف معانيها سوى الراسخون في العلم وهم قليل، فقد حاولتُ أن أصل لدلالة هذه الآية النورانية العظيمة فعجزتُ وذلك لغزارة المعاني الظاهرة والباطنة، فهذا أول خطاب للقائد يبدأه بأية قرآنية شاملة وتحتوي على اسم من أسماء الله العظمى، وأكّـد أن القرآن الكريم هو المرجعية الأولى والأخيرة في كُـلّ التشريعات والتغييرات القادمة.
فرغم أن ذكرى ثورة 21 سبتمبر لم تفصلها سوى أَيَّـام عن ذكرى المولد النبوي الشريف، ورغم أن الثورة التي كانت يوماً من أَيَّـام الله كما وصفها السيد القائد، لا تزال تفاجئ كُـلّ أعدائها وخصومها وأصدقائها، فقد قدمت في ذكراها التاسعة عرضاً عسكريًّا مهيباً وكَبيراً ويكشف بصورةٍ واضحة عن تنامي القدرات اليمنية وعن تطوير الجيش اليمني لإمْكَاناته، وجعلت من بعض القنوات والمواقع الدولية تتناول صور العرض وهي تشير إلى صنعاء بكل فخر وإعجاب لحجم الإرادَة التي تمتلكها رغم حرب التسع سنوات التي تقودها دول التحالف على اليمن، رغم أن قائد الثورة كان يحق له الإعلان عن تفاصيل التغيير الجذري في يوم الثورة كدليل أن الثورة مُستمرّة ومتجددة ولا تزال ثورة فتيّة وشابة وقائدها ينبض بالحياة وشعبه ملتف حوله، ولكن اختار القائد يوم ذكرى المولد النبوي الشريف والمبارك والعظيم، هذا اليوم الذي لا يضاهيه في عظمته أي يوم أبداً، فلم يستوعب بعد الأعداء والخصوم ذلك العرض العسكري في يوم الثورة ولم ينتهوا بعد من التحليل والتفكير ودراسة الأسباب ولم يستفيقوا بعد من أثر الصدمة، حتى جاءتهم صدمة الحشود الهائلة المليونية في ذكرى المولد النبوي الشريف، والتي لقفت كُـلّ ما يأفكون من مؤامرات لاستهداف الجبهة الداخلية، حتى قرأت تعليقاً لأحدهم من الجنوب قائلاً: احترت في تحليل وقراءة هذا الشعب في المحافظات الشمالية، فبالأمس قرأنا وسمعنا أنهم ضد الحوثي، واليوم شاهدنا حشوداً مليونية في كُـلّ المحافظات؟
طبعاً سيعجزون عن تفسير حقيقة ارتباط أبناء الأنصار بنبيهم وبقائدهم، وهذا وهم فقط يشاهدون صوراً جوية وصورًا بالفيديو وهم بعيدين عنهم، فكيف ستكون ردة فعلهم إذَا اقتربوا منهم وشاهدوا الرجال والنساء في اللجان التنظيمية والأمنية والاستقبال وهم يبذلون جهودًا خُرافية لإنجاح المولد ودون مقابل؟ ماذا لو زاروا إحدى الساحات وهي تجهز من قبل المولد بأيام والجميع يعمل كخلية نحل لا تكل ولا تمل وبروحٍ حماسية عالية يرتجون نيل الأجر من الله وبأن ينالوا دعوة وشكر من السيد القائد، وماذا لو رأوا النساء في بعض الساحات يشاركن في تجهيز الساحات وتقسيمها وبأيديهن لاستقبال ضيفات رسول الله؟ ماذا لو سمعوا الصلوات المحمدية تتردّد من داخل القلوب قبل الألسن! ماذا لو شاهدوا الأغلب يتركون الغداء في ذاك اليوم ويخرجون الساحات من قبيل الظهر ويكتفون بسندويتش أَو أية وجبة خفيفة تفي بالغرض؟ ماذا لو شاهدوا من وسط تلك الجماهير كبار السن والمرضى والجرحى والنساء الحوامل وحديثات الوضع، ماذا لو رأوا من لا يجدون قوت يومهم ولكنهم يفضلون رسول الله على أنفسهم ويدّبرون ثمن مواصلاتهم وتتدبر ببركة رسول الله! ماذا لو يرون حوالي عشرين واحدة وهذا ما رأيته بعيني يأكلن من طبق واحد والكل يشبع والطبق لا يزال فيه آثار من السلتة، حتى تستغرب الحاضرات وتذرف الدموع والكل يجمع أنها بركة رسول الله صلوات الله عليه وآله.
وأخيراً نصيحة أخيرة أَو رسالة إلى كُـلّ أعدائنا وخصومنا:
عليكم أن تيأسوا من هذا الشعب اليمني المؤمن، مهما وجدتم نماذج مخالفة وشاذة عن طبيعة اليمنيين، فهؤلاء ليسوا سوى نشاز، فمن ترونهم في الجبهات ثابتون وفي الساحات يتكبدون عناء الخروج والإعداد والعمل والتنظيم لوجه الله فقط، هؤلاء هم الأنصار اليمانيون الذي يستحيل أن تهزموهم ما داموا متمسكين بكتاب الله وعترة نبيهم -صلوات الله عليه وآله- فلا نجاة لكم سوى بمراجعة أنفسكم عن معاداتهم فهم متجذرين في عمق الأرض والتاريخ ولا يمكن ويستحيل إبادتهم، فعليكم التعامل معهم والحذر منهم، فهم سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم، والعاقبة دائماً كما قال تعالى هي للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.