إرادَة الله هي الماضية فوق إرادَة البشر والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون؛ فالمتأمل لمجريات الأحداث الأخيرة يجد أن العدوان الصهيوني على غزة بتلك الوحشية والهمجية المفرطة والتي حوّلت من غزة مقبرة للنساء والأطفال، لكنها كشفت للعالم حقيقة مظلومية اليمن وجعلت جميع من كانوا ضحية ويصدقّون الدعايات الإعلامية والكلام الناعم والكذب والتزييف عن حقيقة التحالف العربي الصهيوني الأمريكي على اليمن، جعلتهم يستغربون عن الصمت والخذلان العربي أمام ما يحدث في غزة ثم يتذكرون ما حصل من تحالف عربي يسمى عاصفة الحزم لما سمّوه إعادة اليمن للحضن العربي!! ما الذي حدث ويحدث؟ أين تلك المقاتلات والطائرات وتلك الخطابات الحازمة التي كانت ترعد وتزمجر أنها ستقضي على من أسموهم الحوثيين في أَيَّـام وبعدها قالوا في أسابيع وبعدها غرقوا في وحل اليمن، يمن العروبة والإيمَـان، ولسان حال كُـلّ العرب والمسلمين بل والعالم يقول: يا أُمَّـة الإسلام ها هي فلسطين العروبة تباد ويقتل فيها آلاف النساء والأطفال وتمحى أحياء كاملة وتمسح من السجلات المدنية عوائل كاملة والفاعل معروف وهو اليهودي الصهيوني وبدعم أمريكي فماذا أنتم فاعلون؟ القدس محتلّ ويتم تهويده ومحاولة طمس ملامحه الإسلامية، فأين عواصفكم؟ وأين مقاتلاتكم؟ وأين أبطال صقور الجو؟ فلماذا لا تعيدون أرض فلسطين المحتلّة للحضن العربي مثلما حاولتم إعادة اليمن لأحضانكم النتنة ونحمد الله تعالى كَثيراً أن اليمن لم تعد لتلك الأحضان المطبعة والعميلة وأصبحت اليوم يمن الإيمَـان والعروبة وقبلة الأحرار ومهوى النفوس، أصبحت مواقفها مستقلة مشرفة تقوم بواجبها الديني والأخلاقي والإنساني تجاه ما يحدث في فلسطين من مجازر تدمى لها القلوب وتبكي لها الأفئدة وجعلت من الأغلب عاجزين عن اتِّخاذ موقف حرّ يرضون به الله ويرضون بها ضمائرهم، فما سر تميّز يمن الإيمَـان عن غيره وهل كانت الطريق سهلة ليصل لهذه المواقف العظيمة والتي شرّفت كُـلّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟
هي دماء الشهداء الزاكية من أول شهيد سقط في سبيل استمرار هذا المشروع القرآني التعبوي الثقافي مُرورًا بدماء مؤسّس المسيرة الشهيد القائد الحسين بن بدر الدين الحوثي ورئيسنا الشهيد صالح الصمّاد وكل قطرة دم بُذلت في سبيل الله من رجال اليمن الأحرار قادة وأفراداً، ما أعظمها من دماء خطت طريق العزة والكرامة والنصر؛ فالعزة لها ثمن والكرامة تحتاج لتضحيات وبذل وعطاء، فإرادَة الله وحكمته شاءت أن يفتتح السيد القائد عبدالملك الحوثي -يحفظه الله- شهر جمادى الأولى وهو شهر الشهداء في اليمن بخطاب باليستي قوي وصل صداه لكل أرجاء المعمورة، خطاب ترجم إلى أفعال وعمليات هزّت كيان هذا العدوّ الصهيوني الضعيف والذي اهتز اقتصاده بعملية بحرية واحدة في باب المندب فكيف لو استمرت العمليات وتكاتفت الجهود؟ والقاعدة القرآنية تؤكّـد أن الكثرة ليست شرطًا للنصر على العدوّ، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، تزامنت أحداث “طُـوفان الأقصى” الذي بيّض فيه مجاهدو فلسطين وجه أمتّنا ورفعوا رؤوسنا مع الذكرى السنوية للشهيد في اليمن وهذا بحد ذاته أَيْـضاً ربما من آيات الله وحكمته أن نتذكر كُـلّ شهداء الأُمَّــة الإسلامية الذين جاهدوا نفس العدوّ وعلى نفس الدرب ولنفس الهدف من فلسطين وإيران إلى العراق ولبنان وسوريا واليمن، فشهداءنا في اليمن رفعوا شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل، وصرخوا من أعماق قلوبهم وانطلقوا للجهاد في سبيل الله يبتغون رضا الله وعزة الإسلام، فتصدى لهم أدوات الأمريكي والصهيوني؛ لأَنَّه حرّكهم وفق مصالحه، فكان شهداءنا سلام الله عليهم يتمنّون اليوم الذي يواجهون فيه الصهيوني والأمريكي وجهًا لوجه دون استخدام الأدوات من الجهلاء والعملاء والمغرر بهم والسطحيين الأغبياء، ولكنهم مضوا على طريق القدس التي كانت هي أَسَاس المشروع القرآني وفاتحته التي فتح بها الشهيد القائد حسين بن بدر الدين سلسلة محاضراته التي أعادتِ الأُمَّــة وربطتها بالقرآن الكريم، وبعد محاضرة يوم القدس جاء شرح تفاصيل الطريق إلى القدس وهي تعريف المسلمين بالله أي محاضرات معرفة الله والثقة بالله ومن نحن ومن هم؟ والهُــوِيَّة الإيمَـانية وشرح سورة البقرة وال عمران والمائدة والتي كلها تحكي وتكشف عن حقيقة بني إسرائيل وكيفية مواجهتهم من خلال اتباع تعليمات الله وتوجيهاته القرآنية؛ فبعد بناء المجتمع وتأسيس هُــوِيَّته واعادته لهُــوِيَّته وثقافته الأصيلة التي عمل حزب الإصلاح الوهَّـابي بالتعاون مع السعوديّة ومن فوقها أمريكا على طمسها واستبدالها بثقافات دخيلة بعيدة كُـلّ البعد عن ثقافة الجهاد والاستشهاد التي مضى بها رسول الله صلوات الله عليه وآله وكل الأئمة الأطهار والتابعين الأخيار.
دماء الشهداء أيقظت الغافلين وأحْيَت نفوس التائهين فزاد المشروع القرآني قوة وانتشارا وقبولا بين الأُمَّــة التي كانت متعطشة لمواقف بطولية ترفع بها الرؤوس وكانت لا تسمع عنها سوى في المسلسلات وقصص التاريخ، ولكن يمن الإيمان أحفاد الأنصار أعادوا للإسلام هيبته ومكانته وجدّدوا الأمل في النفوس بأن النصر على العدوّ ليس مستحيلا، فكانت هذه الأحداث فرصة لكسر الهالة الإعلامية الضخمة التي صنعها العدوّ ورسخ في النفوس بأن أمريكا العصا الغليظة التي لا يمكن كسرها وبأن جيش كيان العدوّ هو الجيش الذي لا يقهر، فكُسرت هيبة أمريكا وكُسرت أُسطورة هذا الكيان، وقد قالها مؤسّس المسيرة القرآنية بأن أمريكا مُجَـرّد قشة وقالها السيد القائد حسن نصر الله بأن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت فتحولت كلمات قاداتنا إلى عقائد راسخة في النفوس واستطاع المجاهد في فلسطين وفي لبنان وفي اليمن والعراق أن يقدموا بطولات نادرة وخالدة والسبب هو أن الله كُبر في نفوسهم فصغر ما دونه، وتجسد شعار الله أكبر الموت لأمريكا والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود قولا وعملا، وزاد التفاف الشعب حول القيادة محليا وعربيا وهذه هي الكارثة التي يخافها كيان العدوّ وجعلته يبدو عاجزاً عن الرد على الضربات اليمنية؛ خوفًا من تحطّم وسقوط كُـلّ هجماتهم الإعلامية الأفّاكة والدعايات التشويهية عن حقيقة من هم الأنصار ومن هو قائدهم وماهي أهدافهم، سيتضح وقد اتضح للجميع أن هؤلاء هم أحفاد أنصار الرسالة المحمدية في بداية بزوغها، وهم أنصار الإسلام في هذا الزمن، واليهود عرفوا هذه الحقيقية جيِّدًا منذ انطلاق شعار الصرخة في وجه المستكبرين وبداية تأسيس المشروع القرآني ولهذا بذلوا كُـلّ ما في وسعهم؛ مِن أجل القضاء على الأنصار بسِتِّ حروب في صعدة يليها تحالف ظاهره عربي وحقيقته صهيوني لمدة تسع سنوات ارتكبت فيها أبشع الجرائم وقدم فيها الشعب اليمني التضحيات الجسيمة وضرب فيه أروع البطولات والصمود فانتصرت إرادَة الشعب.
هؤلاء الشهداء هم أيقونة الصمود ودماءهم كانت هي الوقود التي حركت طوفان اليمن ليناصر “طُـوفان الأقصى” بكل ما أوتي من جهد وقوة فكان الشعب الذي يحتشد بالملايين؛ مِن أجل فلسطين بصورة مُستمرّة لا يمل ولا يكل وينفق الأموال بقدر ما يستطيع وبقدر ما تسمح له ظروفه المفروضة عليه، وتتسابق الجهات الرسمية والشعبيّة في إقامة الفعاليات والأمسيات دعما لأبناء فلسطين، وحتى يتم التسابق في الإصدارات للأعمال الفنية التي تحتوي على أناشيد وفلاشات كلها تعبّر عن التضامن مع فلسطين والاستعداد لبذل الأرواح والأموال في سبيل الله لمواجهة هذا الكيان المتغطرس، فالشعب الذي يخرج بالملايين لذكرى مولد نبيه الأعظم، هو الشعب الذي يخرج غضبا للقرآن وهو الشعب الذي رفع سلاح المقاطعة لبضائع الأعداء قبل أي شعب وهو الشعب الذي كُـلّ مواقفه مشرفة لسبب واحد وهو أنه عرف أن الطريق الوحيد لمواجهة الأعداء هو طريق الجهاد والاستشهاد وبهذه الطريق ستقل التكلفة وتقل الخسائر مهما عظمت؛ لأَنَّ طريق الجهاد في سبيل الله لا خسارة فيها أبدا فهي التجارة الرابحة مع الله فالنصر عزة وقوة والشهادة فوز ورضوان.