الجهاد في سبيل الله فريضة إيمانية إلزامية، كما الصيام قال عنه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[البقرة من الآية:183]، كما الصلاة فريضة من الفرائض الدينية… كما بقية الفرائض، هذه فريضة من أهم الفرائض الدينية، ولهذا يؤكِّد عليها الله في القرآن الكريم بكل العبارات الإلزامية، بكل الصيغ التي تجعل منها فريضةً تمثِّل جزءاً من الدين نفسه، جزءاً من الالتزامات الدينية والإيمانية، جزءاً من الواجبات، جزءاً من العمل الصالح، في كثيرٍ من العبارات، وفي كثيرٍ من التوجيهات، وفي كثيرٍ من الصيغ التي قدَّمت لنا في القرآن الكريم، وعن طريق الرسول “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَـيْهِ وَعَلى آلِه” هذه الفريضة، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ}[البقرة من الآية:216]، (كُتِبَ)، ما معنى (كُتِبَ)؟ يعني: فُرِضَ، هذه فريضة، مثلما قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، هذه فريضة مكتوبة إلزامية، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}، وهذه الكراهية ما هو سببها؟ سوء الفهم، النظرة الخاطئة، ولهذا قال الله “جلَّ شأنه”: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }[البقرة من الآية:216]، فهي فريضة من فرائض الله التي لابدَّ منها في أن تكون مؤمناً، لا يمكن أن تحصل على هذه الصفة بمصداقية فتكون من المؤمنين الصادقين وأنت مخلٌ بهذه الفريضة، وأنت لا تقبل بهذه الفريضة، وأنت تتنصل عن هذه الفريضة بغير عذر، ولهذا يؤكِّد الله هذا في القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة، عندما قال “جلَّ شأنه”: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة الآية:111]، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، إذا أنت تريد أن تكون من المؤمنين؛ فلابدَّ لكي تكون من المؤمنين أن تكون على هذا النحو: أن تبيع من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن تدخل في هذه الصفقة ما بينك وبين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
عندما نجد في الآيات المباركة الحديث عن هذه الصفة كصفة تعبِّر عن المصداقية: عن مصداقية الانتماء الإيماني، وقد رد الله على الأعراب يوم قالوا: (آمَنَّا)، {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات من الآية:14]، ما الذي كان يدل على مصداقية أن تقول: (آمَنَّا)؟ قال الله “جلَّ شأنه”: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات الآية:15]، (هُمُ الصَّادِقُونَ)، فلكي تكون من المؤمنين، ولكي تثبت مصداقية انتمائك الإيماني، لابدَّ من هذه الفريضة، هي جانبٌ أساسيٌ في التزاماتك الدينية والإيمانية، إذا شطبتها، وتنصلت عنها، وتهربت منها؛ فهذا يدل على أنك لا تعيش حالة الإيمان، أن الإيمان لم يصل بعد إلى قلبك، ما الذي يدفعك إلى أن تتنكر لهذه الفريضة التي وردت بها أوامر الله وتوجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؟
ثم هي فريضة ذات أهمية كبيرة جدًّا أولاً في مرتكزاتها الإيمانية؛ لأنها هي التي من خلالها تتوفر العناصر الإيمانية اللازمة بما لا يتوفر في غيرها، متطلباتها الإيمانية ذات أهمية كبيرة جدًّا، هذه الفريضة لكي نقوم بها نحتاج إلى أن ننمي في أنفسنا حالة الخشية من الله، والخوف من الله، والمحبة لله، والرغبة فيما عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ حتى تكون هذه الحالة الإيمانية النفسية التي موطنها القلب ومحلها النفس، حتى تكون حالةً راقية تتفوق على كل الحالات المؤثرة سلباً.
عندما تتنصل عن هذه المسؤولية فهناك عائق، هناك مشكلة تعيشها أنت، هذه المشكلة قد تكون نقصاً في محبتك لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أنت تحب أشياء أخرى أكثر من محبتك لله، وهذا أقعدك عن القيام بهذه المسؤولية، أو أنت تخاف من الآخرين بأكثر من خوفك من الله إن قصرت، وإن عصيت، وإن أهملت، وإن تنصلت عن واجباتك التي أمرك بها، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة الآية:24]، حالة غير إيمانية: عندما تكون علاقتك وارتباطاتك الأخرى تفوق علاقتك بالله، تفوق محبتك لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتؤثر عليك في مدى الاستجابة لتوجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، عندما تكون حالة الخوف من الآخرين هي التي أقعدتك، أثَّرت عليك، دفعت بك إلى التنصل عن المسؤولية، الله يقول: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[التوبة من الآية:13]، {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران من الآية:175]، وهكذا نجد أنَّ الموقع لهذه الفريضة في سلم الالتزامات الإيمانية، وفي الواقع الإيماني، هو موقعٌ مهم، موقعٌ مهم، لابدَّ فيه من تنمية الحالة الإيمانية حتى تكون حالة واقعية، حالة صحيحة، حالة مؤكَّدة، حالة موجودة بالفعل فيما يؤهلك للنهوض بهذه المسؤولية، وأداء هذا الواجب، وأداء هذه الفريضة.
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الرمضانية الـ18 لعام 1440هـ
*نقلا عن : موقع أنصار الله