ثم يتحدث لنا أيضاً فيما يتحدث عنه: عن استراتيجيتهم، ووسائلهم التي يعتمدون عليها في استهدافهم للأمة، ونجد أن كثيراً من النصوص تبين لنا كيف أنهم يسعون إلى إفقاد هذه الأمة كل عوامل القوة والنصر، ويسعون لإضعافها؛ حتى يصلوا بها إلى مستوى الانهيار التام، ويتمكنوا من السيطرة عليها، مجمل النصوص القرآنية هي تقدم لنا هذا التصور عنهم: أنهم يركزون على هذه الاستراتيجية.
الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” قد ضرب عليهم الذلة، وهم يخافون من أن تمتلك الأمة عوامل القوة والنصر فتضربهم؛ فلذلك هم يعملون بشكلٍ واسع وبأساليب كثيرة لإضعاف هذه الأمة، وللوصول بها إلى حالة الانهيار، ولسلبها كل عناصر القوة، والحيلولة بينها وبين أن تمتلك هذه العناصر، أو تسعى إلى تنميتها في واقعها، وهذه استراتيجية خطيرة، وهم أيضاً يستغلون كل نقاط الضعف في داخل الأمة، ويوظفونها إلى أقصى حد في استهدافهم لهذه الأمة.
لكي يُفقِدوا الأمة كل عوامل القوة والنصر، هم يركزون ابتداءً- في المقدمة- على الجوانب المعنوية، وعلى الأسس المهمة التي تضمن لهذه الأمة أن تستعيد قوتها، وأن تبني نفسها من جديد، وأن تصل إلى مستوى مواجهة هذا التحدي وهذا الخطر، ولذلك يركزون على التضليل والإفساد والتطويع لهذه الأمة؛ من أجل تحقيق هذا الهدف: ليفصلوها عن الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”، ولهذا يقول الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” عنهم في القرآن الكريم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء: من الآية 44]، ويقول عنهم: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية 69]، {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا}[البقرة: من الآية 109]، {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}: لا يريدون لهذه الأمة أن تحمل أي رؤية صحيحة، أي رؤية هادية تنطلق على أساسها في أي مجالٍ من المجالات، فهم يريدون لهذه الأمة الضياع، ويريدون أن تكون أي رؤى تعتمد عليها تكون رؤى خاطئة، رؤى ضالة، رؤى تضيّع هذه الأمة، فهم يتجهون إلى استهداف هذه الأمة على مستوى الرؤية: ألَّا تمتلك الرؤية الصحيحة، معناه: هناك استهداف واسع من جانبهم على المستوى الفكري، على المستوى الثقافي، على مستوى الرؤية، على مستوى الأفكار والدراسات، على مستوى السياسات، على مستوى صناعة الرأي العام، وهناك نشاط واسع لهم يركز على هذه الجوانب: كيف يعملون على إضلال الأمة، كيف تحمل مفاهيم خاطئة، ثقافات خاطئة، أفكاراً خاطئة؛ لأن الإنسان أول عنصر يحتاج إليه لكي يتحرك بشكل صحيح: رؤية صحيحة، إذا لم يمتلك الرؤية الصحيحة، وتحرك بناءً على رؤية خاطئة ومغلوطة؛ لن يصل إلى النتيجة الصحيحة، فهم يسعون إلى أن تكون المفاهيم، الثقافات، الرؤى، الأفكار، لدى أبناء هذه الأمة، خاطئة وغير صحيحة، حتى على مستوى عقائدها الدينية، على مستوى المفاهيم الدينية، هم بذلوا جهداً كبيراً، ومن واقع ما يمتلكونه من خبرة كبيرة في التزييف والتحريف للحقائق، وقد حرفوا رسالات إلهية سابقة: رسالة الله إلى موسى، ورسالته إلى عيسى كان اليهود وراء تحريفها، فحرفوا الكلم عن مواضعه، وحرفوا المفاهيم الدينية، وحرفوها تحريفاً رهيباً، ثم اتجهوا للإسلام في جانبه العقائدي، في مفاهيمه الدينية لتحريفها إلى حدٍ كبير، وهذا كان له تأثير سلبي في واقع المسلمين، أفقدهم الثمرة الحقيقية للإسلام في رؤيته الصحيحة، في مفاهيمه الصحيحة، في عقائده الصحيحة.
وأكثر من ذلك يمتدون إلى بقية المجالات، لا يريدون للأمة أن تكون لها رؤية صحيحة؛ لأن الإسلام قدَّم منهجية صحيحة تبني الأمة في كل مجالات حياتها، وتجعل منها أمةً قوية، حتى في واقعها الاقتصادي، حتى في واقعها العسكري… حتى في كل مجالات حياتها.
فهم يريدون ويعملون بناءً على هذه الإرادة إلى أن تضل الأمة؛ ولهذا يتسللون إلى مناهجها الدراسية، يتسللون إلى منابرها الإعلامية ووسائلها الإعلامية، يتسللون ويخترقون خطابها الديني، ويخترقون أيضاً واقعها السياسي، ثم يحرصون على أن تكون التوجهات والسياسات والمواقف محرفةً، وأن يكون حتى الرأي العام السائد في ذهنية الأمة أن يكون كذلك ضالاً وضائعاً وخاطئاً.
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا}[البقرة: من الآية 109]، يعملون على مسخ هذه الأمة في هويتها، وأن يفقدوها إيمانها، إيمانها بالله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” بكل ما يمثله من أهمية في العلاقة مع الله، والحصول على تأييده، ونصره، ومعونته، ورعايته، وبكل ما يمثله الجانب الإيماني من أهمية على مستوى القوة المعنوية، الدافع المعنوي، القيمة الأخلاقية والإنسانية، عناصر النجاح التي تبنى على تلك القيم وتلك الأخلاق في الواقع العملي، والثمرة التي يمكن أن تتحقق بناءً على ذلك، فهم يسعون إلى ضرب الأمة؛ لأنهم يدركون أن هذا من أهم عوامل القوة لهذه الأمة.
يقول الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة: من الآية 64]، (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا)، (يَسْعَوْنَ) فهم يعملون بكل جد، وبكل نشاط، وبوسائل وأساليب كثيرة، إلى نشر الفساد في كل مجالات الحياة، (فَسَادًا) صيغة التنكير بكل ما تعنيه في كل مجالات الحياة: الفساد في الواقع الاقتصادي، الواقع الأخلاقي للأمة، والواقع الاجتماعي للأمة، والواقع السياسي للأمة، واحدة من الاستراتيجيات الأساسية التي يشتغلون عليها بوسائل وأساليب كثيرة، ويتجهون إلى اختراق الأمة بها.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد في يوم القدس العالمي 1441 هـ
*نقلا عن : موقع أنصار الله