فلسطينُ وجوهرُها القلبي القدس، هي عصبٌ حَسَّاسٌ جِـدًّا لدى كُـلّ عربي ومسلم.. حساسٌ دينيًّا وعقائديًّا وإيمانيًّا بأبعادٍ سياسيةٍ ومعنويةٍ ومبدئيةٍ لا تَخفى.
وقد بقيت قضيتُها -على مدى عقودٍ طويلةٍ مضت وحتى اليوم- مَعْلَمًا مضيئًا دَالًّا على أن طريقَ الحرية والعزة والكرامة ومواجهة المحتلّين والمعتدين هو الطريقُ اللائقُ والأسلم، رغم ما يستدعيه من تضحيات وأثمان باهظة.. وهذا ما شكَّلَ روحًا حيةً نابضةً محرِّكةً للشعوب في وجه ظُلَّامِها وجلَّاديها وأعدائها الألدَّاء، كالشعب الفيتنامي والشعب الجزائري والشعب الإيراني والشعب الكوبي وغيرهم من الشعوب التي شكّلت تجاربُها التحرّريةُ الظافرة مناراتٍ مضيئةً في طريق غيرها من الشعوب التي مَسَّها الضرُّ الاستكباري العدواني المرير.. ولشعبنا اليمني فضلُ التتويج لهذا المسار المشرِّفِ بتجربته الجهادية التحرّرية الرائدة والفريدة في مواجَهةِ العدوان الأمريكي الصهيوني النفاقي الحاقدِ الأرعن على مدى تسع سنوات، وما زال على هذا الدربِ حتى النصرِ الناجز بإذن الله تعالى.
في الشأن الجِهادي النضالي الفلسطيني التليدِ والعتيد، نرى اليومَ تحديثًا تاريخيًّا ناصعًا لقائمة الشواهد التحرّرية الإنسانية الشامخة عبر ملحمة “طوفان الأقصى” ونرى عظمة ومهابة المشهد، حَيثُ تتراكم شواهد الشرف والمجد في إصرار الشعب الفلسطيني، ومعه محور الجهاد والمقاومة، على التصدي لجرائم المحتلّ الصهيوني وعدوانيته الفاشية الوحشية البائنة والمسنودة بدعم غربي مطلق.. وتتوالى الأحداثُ المُغَذِّيةُ ليقينِ النصرِ الحتمي وصدقِ وعدِه المَحْظِين بالمقتضى الإرادي الإلهي الذي لا حائلَ دونَ نفاذِه، ومنطقِ نواميس هذا الوجود الثابتة.
ها نحن نرى اليوم، كما يرى العالم بكله أن تناميَ وتيرة الفعل الفلسطيني المقاوم واجتراحاتِه المذهلة وعملياتِه الفدائية المدهشة.. أغرق الصهاينةَ المحتلّين في أمواجِ الرعب والهلع، وضرب منظومةَ أمنهم في الصميم، ووضعهم أمامَ حقيقة أن لا مستقبلَ لهم في أرض فلسطين، وأن نهاية كيانهم اللقيط وشيكة، وأن خياناتِ الأعراب و”تطبيعَهم” لا يُجديهم في شيءٍ.
وما انطوى وينطوي في هذا الحصادِ التحرُّري الجهادي المتوالي والمتراكم، من مظاهر العنفوان والزخمِ الاستثنائي المتعاظم والمتصالب لمواقفِ أحرار وشرفاء الأُمَّــة، وبقية أحرار العالم.. يرفدُ حتمية بزوغ فجر النصر الآتي لدى الشعب الفلسطيني وكل شعوب أمتنا المظلومة.. وهذه الحتمية التي لا مِراءَ فيها ولا ريبَ يعتريها، تتغذَّى من حقائقِ منطقِ التاريخِ وسُنُنِ الله في هذا الوجود، ولا يستطيعُ العدوُّ “الإسرائيلي” ومن معه مِن الداعمين والمتواطئين -مهما كان مستوى قوتهم وإمْكَاناتهم- الحيلولةَ دونَ نفاذها.. فأقصى ما تطالُه غريزةُ إجرامِهم المكابِرةُ المعانِدة، هو ارتكابُ المزيدِ من الجرائم التي تُغرِقُهم أكثرَ في وَحْلِ مصيرِهم الأسودِ المحتوم.