كان لشهر سبتمبر شرف احتضان ثورتين يمنيتين عظيميتين الأولى في فجر يومه السادس والعشرين والثانية في مطلع يومه الحادي والعشرين ولم يكن للخمسة الأيام من عمر الشهر الفاصلة بينهما حظ في إبعادهما عن بعضهما ولا للسنوات الأكثر من خمسين سنة من تاريخ الشعب اليمني نصيب في تفريقهما عن بعضهما فكلتاهما مثلتا ارادة الشعب وتطلعاته للتغيير نحو الأفضل وطموحاته في بناء يمن موحد مستقل ومستقر ومزدهر تنهض به سواعد أبنائه وترقى به هممهم وعزائمهم المكانة التي تليق به وبتاريخه بين شعوب الأرض.
لم تكن ثورتا سبتمبر بمعزل عن متغيرات الاقليم وتجاذبات القوى العالمية وان كانت ظروف ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م اكثر تعقيدا من ثورة ال21 من سبتمبر 2014م وذلك بسبب الدعم المصري والتدخل العسكري المباشر دعما للثورة في مواجهة التدخل السعودي والدعم المالي السخي والسياسي المقدم للملكين ومن خلف كل منهما القوة العالمية التي تدعمها فمصر عبدالناصر كانت الحليف الاول عربيا للسوفيت ومثلها السعودية في حلفها الأزلي مع بريطانيا وإسرائيل وأمريكا وهذا التعقيد في ظروف ثورة الـ26 من سبتمبر كان سببا في إطالة أمدها لأكثر من سبع سنوات انتهت بمصالحة وطنية.
وفي الوقت الذي تحررت فيه ثورة الـ21 من سبتمبر 2014م من تبعية الخارج ولم تقبل باي دور خارجي عربي أو إسلامي أو عالمي في مجرياتها وتوجهاتها واهدافها ومسارها ولكنها لم تنج من التدخل الخارجي السلبي المناهض والمعادي والمواجهة لها والذي لم يكتف بتقديم الدعم المالي والسياسي للقوى الفاسدة التي قامت الثورة ضدها بل هرعت إلى التدخل العسكري المباشر من خلال شن العدوان السعودي الأمريكي الغاشم على اليمن بعد أشهر قليلة من نجاح ثورة الـ21 من سبتمبر في محاولة بائسة للقضاء عليها ومساع مستمرة حتى اليوم لإخماد جذوتها المتوجهة بالسيادة والاستقلال ولكن دون جدوى.
لقد أثبتت ثورتا سبتمبر العديد من الحقائق التي يحاول البعض تجاهلها والتعامي عنها ابتداء بحتمية التغيير وسنة الاستبدال وكذلك حقيقة ان إرادة الشعوب الحرة والحية لايمكن أن تكسر أو تقهر وأن من خرج من صنعاء لايمكن أن يعود اليها ولو احتشدت معه قوى العالم أجمع وأن مواقف النظام السعودي المعادية والمضادة دائما لإرادة الشعب اليمني لم تتغير وأن الخسارة والهزيمة مصير حتمي لمن يقف في صف النظام السعودي ومن خلفه أنظمة الاستكبار العالمي حتى ولو وصلت تلك القوى الى النقطة صفر من أهدافها فإنها ستندحر وتتقهقر لتعود من حيث بدأت كما حدث في حصار السبعين لصنعاء العاصمة.
لذلك لا غرو أن وجدنا كثيراً من المتضررين من الثورتين المباركتين المجيدتين يصفونهما بالنكبة والانقلاب وأن نجد الغالبية العظمى من أبناء الشعب يرونهما فجرا تنفست أحلامهم سناه وانطلقت آمالهم في مواكبه وينشدون من خلالهما مستقبلا كريما عزيزا حرا مستقلا مزدهرا لم ينل منهم اليأس برغم حجم الانحراف عن أهداف الثورة الأولى ليجدوا في الثورة الثانية مايبعث فيهم العزم على العودة للمسار الصحيح واستكمال مسيرة البناء والنهضة والحرية والكرامة.