من يتأمل سياسة العدوان الصهيوني على غزة اليوم، حتماً سيستحضر مشاهد دخول قوات الاحتلال الأمريكي إلى قلب العاصمة العراقية بغداد في 9 أبريل 2003م، بعد نحو 3 أسابيع من القصف العنيف والمعارك غير المتكافئة، وسيدرك الدور الكبير الذي لعبته مختلف الوسائل الإعلامية والدعائية وبرامج الحرب النفسية الأمريكية والعالمية، من خلال ضخها وتركيزها المتواصل على أن الهدف الأمريكي الأَسَاسي تمحور حول إسقاط مطار بغداد الدولي؛ بذريعة أنهُ كان القلعة الحصينة للنظام والذي يتواجد فيه رئيس وقيادات الدولة وقادة العمليات، وهكذا اعتقد الناس.
وما إن عرضت القنوات الإعلامية المرافِقة للقوات الغازية مشاهدَ دخول المطار، بغض النظر عَمَّا استخدمته أمريكا من أسلحة دمار شامل: “قنابل نيوترونية، وكيماوية ونووية تكتيكية”، والتي أَدَّت لإبادة القوات العراقية الموجودة في المطار، لتبدأَ دوامةٌ من الفوضى والنهب والدمار والهروب في عموم بغداد، ولم تكن المفاجأة احتلال العاصمة، بل في سرعة انهيار القوات الحرس الجمهوري العراقي المحيطة ببغداد وانهيار روح المقاومة لدى جميع الوحدات الأُخرى ومن ثَمَّ انهارت معنويات الشعب؛ لما أحدثهُ وصول القوات الأمريكية إلى مطار بغداد الدولي، من صدمةٍ وهزيمةٍ نفسية، حقّقت نصراً سهلاً للأمريكي.
“ما أشبه اليوم بالبارحة”، كيان العدوّ يحاول استحضار ذلك السيناريو القديم، بعد الضخ الإعلامي والدعائي “الإسرائيلي” الهائل ومنذ اليوم الأول لمعركة “طُوفان الأقصى”، وهم يشنون حملات منظمة على مجمع الشفاء الطبي، بأن “قيادة المقاومة تتخذه مقراً لها، وفيه مركز العمليات والسيطرة، وتحته كذا وكذا”، بل وكثر الحديث في الوسائل الإعلامية العربية الداعمة للخطاب الصهيوني عن الأهميّة الاستراتيجية التي يمثلها هذا المستشفى للمقاومة في إدارة عملياتها، وذلك مع بدء العمليات البرية على قطاع غزة قبل 16 يوماً.
وعلى الرغم من الإيضاحات التي يقدمها الفلسطينيون، والتي كان آخرها عن الناطق باسم حركة حماس، أسامة حمدان الذي قال: “مجمع الشفاء هدف مدني والاحتلال شن حرباً نفسية حاول من خلالها الترويج أنه هدف عسكري”، وبالتالي فالمقاومة متنبهة لذلك، إلا أن كثير من التوقعات ترجح ارتكاب كيان العدوّ جريمة جديدة بحق مجمع الشفاء الطبي الذي يضم آلاف الجرحى والنازحين والطواقم الطبية، ويغطي ثلث الاحتياج الطبي لسكان القطاع، أمام مرأى العالم؛ لإيهام المستوطنين أن جيشه حقّق نصراً في الميدان، ومن جهة أُخرى يحاول كسر إرادَة المقاومين وأهل غزة بشكلٍ عام.
هُنا، ولليوم الـ 39 من معركة “طُوفان الأقصى”، تفيدُ الأخبارُ المتواترة أن قوات الاحتلال نجحت في الوصول إلى محيط مستشفى الشفاء، حَيثُ تدور الآن معاركُ ضاريةٌ هناك، بينها وبين مجاهدي المقاومة، وأخبار كهذه حتى وإن كانت تشي بإحراز القوات المهاجمة تقدماً ميدانيًّا، إلا أن ذلك لا يعني الشيء الكثير في مدى قدرة هذه القوات على تثبيت نقاط عسكرية دائمة لها.
إجمالاً، حتى وإن سقط مستشفى الشفاء، بيد قوات الاحتلال التي لا نستبعد أنها ستصور الأمرَ على أنهُ إنجازٌ تاريخي، ضد المقاومة، التي تدير بذكاء معاركَ استنزاف لقوات الاحتلال، ما سيكبدها خسائرَ فادحة، ستدفعُ بها إلى التراجع مجدّدًا؛ ما يعني في المحصلة أن كيان العدوّ ما زال حتى الساعة بعيداً كُـلّ البُعد عن إحراز أي نصر عسكري حاسم؛ وهو ما سيعيد قواته بطبيعة الحال إلى المربع الأول، وإن غداً لناظره قريب.