تتحمل مصر مسؤولية كبرى تجاه غزة المحاصرة بحكم الروابط التاريخية والجغرافية التي تربطها بالقطاع، ولكونها من سلمت غزة لإسرائيل في حرب حزيران 1967.
بقيت غزة تحت الحكم المصري خلال الفترة بين عامي 1948 وحتى نكسة 1967، عقب احتلال صحراء سيناء بالكامل من قبل الصهاينة، وأصبحت غزة بحكم الأمر الواقع تحت الهيمنة الاسرائيلية.
لم تستطع مصر استعادة أراضيها بالقوة فلجأت إلى الاستسلام وتوقيع اتفاقية “كامب ديفيد” عام 1978، والتي خلت بنودها من اسم غزة، ما يُعد خيانةً مصرية أخرى لفلسطين، واعتراف علني بسلطة الاحتلال الصهيوني على القطاع.
لم يتوقع “محمد أنور السادات، رئيس مصر في حينها، أن القدر سيتخلى عنه كما تخلى هو عن غزة، وما هي إلا سنوات قليلة حتى لقي مصرعه بحادثة المنصة الشهيرة، على يد عناصر تابعه للجيش المصري في 6 أكتوبر 1981.
لم يكن خلفه “محمد حسني مبارك” بأحسن منه موقفاً تجاه القضية الفلسطينية، فقد تولى حصار قطاع غزة نيابة عن إسرائيل، وشارك الكيان الصهيوني في محاولاته البائسة لإخضاع القطاع سيما في عدوان ديسمبر 2008، وهي العملية التي أطلقت عليها إسرائيل اسم “الرصاص المصبوب”.
استمر عدوان تلك العملية 22 يوماً، منعت خلالها مصر دخول أي مساعدات إنسانية إلى غزة، كما رفضت استقبال النازحين الفلسطينيين على أراضيها، وتركتهم عرضةً للقصف الصهيوني الذي أودى بحياة ما بين 1200 و1500 مدني فلسطيني.
تجاهلت مصر كل الدعوات المنادية بفتح معبر رفح وإدخال المساعدات الإغاثية للأهالي في غزة؛ وماهي إلا مدة زمنية لم تتجاوز العامين، لنرى بعدها مبارك وأولاده وأركان حكمه خلف القضبان، عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وما تلاها من سقوط حكام آخرين على شاكلة مبارك.
في 14 نوفمبر 2012، شنت إسرائيل عملية “عمود السحاب”، التي استمرت 8 أيام، ووقفت فيها مصر موقف المحايد والوسيط، وتقدمت بمبادرة بين حماس وإسرائيل لوقف القتال دون أن تفتح معبر رفح أمام الفلسطينيين، ليواجه الرئيس الإخواني “محمد مرسي” بعدها انقلاباً عسكرياً أدى إلى سقوط حكم الجماعة، وسيطرة العسكر بقيادة عبدالفتاح السيسي على البلاد.
ويبدو أن الأخير لم يتعظ من مصير سابقيه بخصوص غزة، ويُصر على أن يحذو حذوهم تنفيذاً للتوجيهات الصهيونية حتى لو كلفه الأمر خسارة كرسي الحكم، والاعتقال وربما الإعدام داخل السحن، كما فعل هو بسلفه مرسي.
ولا ننسى أيضاً أن الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر قد لقي حتفه بعد هزيمة 1967، التي سلمت فيها مصر غزة للكيان الصهيوني، بعد نحو عشرين عاماً من الحكم المصري للقطاع.
وبذلك يتأكد أن غزة، ورغم ضيق مساحتها، إلا أن صداها يصل إلى أبعد مما يتصور الجميع، وسيتساقط على إثر مظلوميتها الكثير من الحكام العرب وغير العرب، كما أن صمود غزة اليوم يشكل بداية النهاية التي يخشاها اليهود، والتي تنذر بقرب الكارثة الكبرى عما قريب.
* نقلا عن :السياسية