تقرير : أمل باحكيم
حكايات لم تروى من ضرب الخيال وإنما من واقع وحشية حرب الموت البطيء التي تحصد براءة أطفال غزة التي يشنها جيش العدو الصهيوني على كل شيء يتنفس داخل القطاع المحاصر بالأسوار الحديدية.
في تلك الحرب الهمجية التي تقف خلفها دول الغرب، انكشف زيف الأنظمة الغربية التي تدعي ديمقراطيتها السياسية وإدارة حكم الشعب نفسه بنفسه ومراعاة حقوق الإنسان والالتزام اللا مشروط بحماية الطفل وتوفير ما يمكن لتحقيق رفاهيته في السلم وجحيم الحروب.
يروي أطفال غزة تفاصيل قصص تراجيديه من واقع الأحداث والمشاهد اليومية التي أنتجتها أصوات الانفجارات المدوية وسحب أعمدة الأدخنة المتصاعدة وأصوات عويل الصغار ونحيب الكبار وصرخات الجرحى ومناظر الأشلاء المتطايرة في الأفق والمدفونة تحت الأنقاض وحجم الدمار الهائل الذي لا تصدق أعينهم ما تراه.. أنها المأساة بذاتها التي لا يتحملها قلب بشر حين يقرأ تفاصيل حكاياتها التي لم تكتب بعد.
وهناك كثير من الشهادات الحية رواها الأطفال من الناجين من الموت في غزة ونقلتها وسائل الإعلام للعالم الذي يشاهد بصمت لكل لما يحدث لأطفال فلسطين وغزة.
“بعرف أمي من شعرها”
هكذا وصفت الطفلة” تالين” 12عام” عباراتها ممزوجة بنحيب بكاءها أستطيع أن أعرف أمي من شعرها بين مئات النساء في المستشفى”.
كما هو معروف أن كل عائلة تبحث عن مأوى أمن تحتمي فيه من القصف الإسرائيلي الهستيري، فلجأت أسرة تالين عند أحد اقرباهم ولكن تم تدمير تلك المنطقة، ففقدت أمها وأختها وأخيها الوحيد.
وتعيش مع من تبقى من أسرتها ابوها وأختها وتحتفظ بشيء من روح أمها الزكية
“هاتفها المحمول وعقدها وأقراطها”.
“أريد ماما”
يبدو الحال هنا أكثر حزناً فكم من القصص الموجعة ضمير الإنسانية الغائب، فهذه الطفلة “شهد” ذات الأثنى عشر شهراً وأختها الرضيعة” ذات الأربع الأشهر” فقدن أمهن وأصيب أبوهن ودمر منزلهن والمنازل المجاورة واستوت على الارض كأنما لم يكن هناك شيء بغارات العدو الصهيوني، غير أصوات البكاء الحزين ووجع الصراخ الذي يصدح ملء الأفق ” ماما.. ماما.. ماما..” دونما صوت أم تجيب وصدر حنون يحتضنهما مثل الأم التي فاضت روحها إلى بارئها.
أنها قصص مؤلمة خطتها يد الرحمة والتقطتها تقنية عدسات الإنسانية ليراها العالم وأطفاله الذين تعج قلوبهم بالسكينة والأمان بينما ترتجف أجساد وقلوب أطفال غزة من الخوف وأهوال نتيجة المحارق الهولوكوستيه .
“عمري ما راح أنسى اللي صار”
ليست وحدها من تبحث عن الأمان في الجوار أو في ماوي فى مخيمات النزوح بل هو حال كل أطفال القطاع المحاصر والمقصوف بهستيرية صهيونية.
وهنا تروي “فاطمة محمد أبو زور 13 عام ” هربت نساء من الجيران للاحتماء في منزلنا وهن يبكين خوفا من هول ما رأينه بعد أن قصف منازلهن طيران العدو ولكن لحظات وإذا بنا نشعر بضغط شديد فجدران المنزل الذي سقطت علينا كادت أن تفقدنا الحياة.
.. لن أنسى تلك الأصوات والصرخات المختلطة بطعم الموت فلولا عناية الله لكنت في اعداد الموتى”
لم تنتهي فصول قصة “فطوم” إلى هنا، ولن تكتمل حلقات مسلسل حياتها الحزين وبينما الدموع تنهمر من عيناها تسرد قصة المعاناة، قائلة:” بدأت رحلة شتات أسرتي أنا وأبي في أحد بيوت أقاربنا وأخواني في بيت آخر وأمي تعتني بأخي المصاب في المستشفى”.
توقفت برهة من الوقت وهي شاردة البال تسأل نفسها…. لا أدرى هل حقاً ستعود حياتنا كما كانت؟ وهل سنعود للمدرسة؟ وهل سيكون لي منزل؟
وتضيف “عمري ما راح أنسى اللي صار ” أنها عناية الله في بقائي على قيد الحياة”.
“أنقذنا السمكة، ورح ننقذ العصافير”
ببراءة الطفولة التي تطير القلوب لها فرحا عندما يجد الطفل شيء يخصه ينسى الوضع المأساوي الذي يعيشه ويرقص قلبه فرحا وتتعالى ضحكاته.
هذا ما تحكيه لنا الطفلة نانا العقاد وأبن عمها محمود بكل براءة بعد أن دمر بيتهم “أنقذنا السمكة، ورح ننقذ العصافير”.
تقول نانا كان معي أسماك كثيرة لكن كلهم ماتوا ولم أجد غير هذه السمكة وراح أجد العصافير.
الحرب وتأثيرها المباشر على الأطفال
تعرف الصدمة النفسية أو صدمة الحرب بأنها الاستجابة العاطفية التي تحدث بعد التعرض مباشرة لأحداث مؤلمة تفوق قدرة الشخص على تحملها وتُفقِده الشعور بالأمان.
كما تعيق الحرب توفير متطلبات الأطفال وعائلاتهم من الخدمات الأساسية ويؤدي عدم الوصول اليها الى حرمان الأطفال من نموهم البدني والاجتماعي والعاطفي والنفسي.
وتختلف القدرة على استيعاب الأحداث الصادمة من شخص لآخر فالبعض يستطيع تجاوز الأمر مع الوقت، بينما يعاني آخرون من الآثار النفسية للحروب فترة طويلة ويصابون باضطرابات نفسية مزمنة.
وتعتبر الصدمات التي يتعرض لها الطفل بفعل الإنسان” الحروب” أقسى مما قد يتعرض له من جراء الكوارث الطبيعية وتأثر عليهم ممّا يُعّطل إحساسهم بالأمان والاِستقرار ويجعلهم أكثر عرضةً ” للجوع -المرض -العنف- التشرد – اليتم -الفواجع وأيضا الصداع والتبول الا ارادي ويمكن ان يتناول الكحول والمخدرات ويفكر في الانتحار.. الخ”
وقد تصاحب هذه الصدمات حالات من الفوبيا المزمنة من الأحداث أو الأشخاص أو الأشياء التي ترافق وجودها مع وقوع الحدث مثل (الجنود، صفارات الإنذار، الأصوات المرتفعة، الطائرات) فيعبر عنها الطفل بالبكاء والصراخ او العنف او يصاب بكتائب الشديد.
لكم أن تتخيلوا.. وأن تسألوا أنفسكم.. كيف سيتعايش أولئك الأطفال الذين يطلق عليهم صفة طيور الجنة وقد فقدوا أبويهم وربما كل أفراد أسرهم؟
ليس ذلك وحسب، بل لك أن تتخيل ما الذي سيمحي تلك القصص الموجعة والأحداث المؤلمة المختزنة في ذاكرتهم البريئة التي تعيشها تلك الطيور البريئة وسط الجحيم؟
كيف لتلك الأحداث المروعة أن تُمحى من خيال طفل بريء، إنها ليست مشاهد عابره أو أحداث تقمصت من لعبة تقنية مرعبه صممها قراصنة كيان العدو لترهب بها أطفال غزة بل أنها من واقع حرب وجودية تنتهي بحياة أو موت!
* نقلا عن :السياسية