الرئيس المشاط في خطاب الاستقلال يطرح آخرَ كلمات الفرصة الأخيرة لاقتناص مزايا السلم قبل الفوات:
فتح مساراً جديدًا للردع عبر دعوته لخطوات سلمية عملية ترتب الانسحاب من أراضينا ومياهنا في أقرب وقت
مانحاً فرصةً أخيرةً للعدوان: قطعنا شوطاً مهماً على طريق السلام ولا مبرّر لعدم الانخراط العملي وأدعو إلى جدولة الخطوات التنفيذية
المسيرة: نوح جلّاس
جدَّد الرئيس المشير الركن مهدي محمد المشاط، تأكيدَ الجاهزية اليمنية العالية للتعامل مع كُـلّ المستجدات المحلية والإقليمية سلماً أَو حرباً، محذراً واشنطن وأدواتها من مغبة الدخول في أية مغامرة خارج إطار السلام، منذراً من طوفان يمني سيجرف كُـلّ الطغاة والمستكبرين وتجار الحروب، وقدَّم الرئيس المشاط رسائلَ مهَّدت لدخول الخيارات اليمنية الإضافية الكفيلة بإعادة الحقوق اليمنية المشروعة والعادلة حال أصر العدوان على تفويت فرصة السلام، مجدّدًا التأكيد على أن اليمن قد جدول أولوياتِه على البُوصلة الفلسطينية، محذراً من أي تصعيد أمريكي يجر العدوّ وحلفائه ورعاته إلى ما لا تُحمد عُقباه.
عيدُ الاستقلال مرآةٌ لتقييم واقع العملاء:
وفي كلمةٍ ألقاها الأربعاء الماضي بمناسبة عيد الاستقلال الـ30 من نوفمبر المجيدة التي انتهت بتحرير الأرض اليمنية من آخر جندي للمستعمر البريطاني البغيض، بارك لقائد الثورة وللشعب اليمني هذه المناسبة، مؤكّـداً أنها تعبر عن فصلٍ من فصول الجهاد والنضال، ويختزلُ في مضامينه مرحلةً من مراحل الصراع المُستمرّ بين الحق والباطل.
وقال الرئيس المشاط: إن “الثلاثين من نوفمبر يعكس مشهداً بين فئتين:- إحداهما سقطت في الأطماع، والأُخرى من الرجال الكرام الذين اجترحوا التضحياتِ في دحر الغزاة”، مُضيفاً “توجدُ فئةٌ ثالثةٌ قسّمت نفسَها ما بين محايد فاته شرف المشاركة والنهوض بالواجب، وما بين خائن فرط في كُـلّ معاني الشرف”.
ودعا جميعَ الفرقاء السياسيين والمنخرطين في صف العدوان والاحتلال “إلى تحكيم الـ30 من نوفمبر في تقييم مواقف الفرقاء من العدوان على شعبنا ومن تواجد القوات الأجنبية في أجزاء من مياهِنا وأراضينا”.
ونوّه إلى أن “الثلاثين من نوفمبر فرصةٌ للمراجعة والتصحيح ومحاسبة الذات، خَاصَّة ممن هم اليوم في حالة واضحة من التناقض الصارخ مع هذا اليوم المجيد”، داعياً شعبنا إلى الاقتصار في هذه المناسبة الوطنية على التقاط العبر والدروس مع الامتناع التام عن المظاهر الاحتفالية احتراماً لأوجاع أهلنا في فلسطين”.
فلسطينُ رأس الأولويات.. طوفانُنا لن يتوقفَ في ظل الغطرسة الصهيوأمريكية:
وعلى ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، جدّد الرئيس المشاط على ثبات الموقف اليمني المساند لفلسطين على كُـلّ المستويات، مباركاً “بطولات المقاومة الفلسطينية وأحيي جماهير أمتنا المسلمة وكلّ شعوب العالم التي ساندت وتضامنت مع الشعب الفلسطيني”.
كما حَيَّا الرئيس “الموقفَ الرائدَ لبلادنا في مساندة أهلنا الكرام في غزة كأقل ما يمليه علينا واجبنا الديني والإنساني ونؤكّـد الاستمرار حتى يتوقف العدوان على غزة”، فَــإنَّه ومن خلال هذه الرسالة فتح باباً جديدًا من أبواب الردع اليمنية ضد العدوّ الصهيوني الغاصب؛ وهو ما يشيرُ إلى أن عملياتِ القوات المسلحة اليمنية مرهون وقفها بمدى استجابة الكيان الصهيوني للتحذيرات والإنذارات وانصياعه لمطالب وقف العدوان والحصار على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
رسالةُ الرئيس المشاط وضعت كيان العدوّ الصهيوني أمام خيارَين:- الأسلم وقف العدوان والحصار على غزة، أَو الاستعداد للضربات الموجعة التي قد لا يتوقعها العدوّ حَــدّ وصف متحدث القوات المسلحة اليمنية في بيانه الأخير.
كذلك عبّر المشير المشاط عن أمله بأن ترتقيَ المواقف العربية والإسلامية إلى مستويات أفضل، مذكراً جميع الدول بأن العزة والحماية تكمن في الانسجام مع مواقف شعوبها.
وحذّر من مخاطر الانسياق وراء الرغبة الأمريكية الساعية لتفجير المعارك في اليمن وفي الإقليم عبر دعم مجازر الإبادة التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين، متبعاً بالقول: “لا ينبغي أبداً التأثر بالموقف الأمريكي والغربي المخجل الذي جلب لهم الخزي والعار والإدانة من كُـلّ شعوب العالم بما فيها الشعب الأمريكي نفسه”.
تحَرّكات واشنطن تشعل المنطقة:
إلى ذلكَ، عرّج الرئيس المشاط على التحَرّكات الأمريكية التي تهدّد الأمن والسلم المحلي والدولي والإقليمي، داعياً واشنطن إلى إجراء تعديلات جوهرية في سلوكها العدائي تجاه اليمنِ؛ باعتباره سلوكًا لا يخدم السلام في المنطقة.
كما حذر العدوّ الأمريكي من أي تمادٍ أَو تصعيد، في إشارةٍ إلى أن اليمن وقواته المسلحة في أتم الجاهزية والاستعداد للتعامل في أية تحَرّكات عدائية، فيما حملت رسالةُ الرئيس هذه مضامين تشيرُ إلى حجم القدرات العسكرية والقتالية للقوات المسلحة اليمنية والتي تمكّنها من التعامل مع كُـلّ التحديات، وتمكّنها من القيام بمسؤولياتها في الدفاع عن اليمن وقضاياه وفي مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة.
وقد عزّز الرئيس المشاط رسالتَه التحذيرية للعدو الأمريكية بقوله: “أي تصعيد أمريكي لن يثنينا عن مواقفنا المبدئية تجاه فلسطين وأي إجراء يضر بمصالح شعبنا سيكون بمثابة إعلان حرب وسنتعامل معه على هذا الأَسَاس”، وهنا تأكيدٌ على أن اليمن وقواته المسلحة باتت تملك القدرة لتنفيذ عمليات ردع واسعة ومن كشوفات حساب متعددة، في مقدمتها كشف الحساب الخاص بالمجازر المرتكَبة في فلسطين، وبعدها الكشوفات العديدة التي يحملها ملف العدوان والحصار على اليمن، لا سيَّما أن القوات المسلحة اليمنية قد أظهرت للعالم جانباً من قدراتها عبر دَكِّ الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وقبلها تنفيذ عمليات واسعة ومتسعة الجغرافيا في عمق عواصم ومدن دول العدوان في السعوديّة والإمارات، وهذه القدرات حتماً تمكّنها من تنفيذ عمليات أوسع وأشد إيلاماً على العدوّ؛ وهو ما يضع قوى العدوان على اليمن وفلسطين أمام زاوية ضيقة لكنها كافية للخروج من هذا المستنقع عبر الانصياع لدعوات السلم.
فرصة سلام أخيرة قبل الإعصار والطوفان الجارف:
وفيما نوّه القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى الاستعداد اليمني الكبير للتعامل مع أية أعمال عدائية، جدّد فتحَ أبواب السلام، ولكن يبدو أن هذه هي الفرصة الأخيرة الممنوحة لقوى الغطرسة والاستكبار، حَيثُ خاطب الرئيس المشاط قيادةَ تحالف العدوان بقوله: “قطعنا شوطاً مهماً على طريق السلام ولم يعد هناك أي مبرّر لعدم الانخراط العملي في إجراءات بناء الثقة خَاصَّة في الجانبين الإنساني والاقتصادي”، وهو ما يضع الكرة للمرة الأخيرة في ملعب قوى العدوان لتتجنب السقوط في الوحل الذي لن يعد بمقدورها الخروج منه.
وما يؤكّـد أن هذه هي الفرصة الأخيرة الممنوحة لقوى العدوان، قال الرئيس: “أحذر من الإصغاء لتجار الحروب، وأدعو إلى جدولة الخطوات التنفيذية والبدء في معالجة ملف الأسرى ورفع القيود عن الموانئ والمطارات اليمنية”.
وفي ختام كلمته دعا الرئيس المشاط إلى خطوات عملية لترتيبات الانسحاب من أراضينا ومياهنا في أقرب وقت، و”نؤكّـد انفتاحنا على كُـلّ التوجّـهات التي ترمي لمعالجة آثار العدوان”، وهنا رسالة توحي بأن تنصل دول العدوان عن تنفيذ التزاماتها واستحقاقات السلام العادل والمشرف، قد جعل الطرف الوطني يرفع سقف مطالبه المشروعة والعادلة وهي خروج القوات الأجنبية من أراضينا ومياهنا.
كما أن مطالبة الرئيس بخروج القوات الأجنبية عبر الطرق السلمية تؤكّـد أن القوات المسلحة باتت جاهزة للتعامل مع هذا المطلب عبر الخيار العسكري؛ ما يزيد من تأكيد حقيقة تصاعد القدرات العسكرية اليمنية إلى أعلى مستوياتها، ليكون العدوّ في هذه المرحلة المفصلية أمام خيارات مختصرة ومختزلة في اختيار الطريقة التي يريد الخروج بها من هذا المستنقع: إما سلماً عبر الاستجابة للمطالب المشروعة والمحقة والتي في مقدمتها رفع الحصار ووقف العدوان وفي ختامها خروج القوات الأجنبية، وقد فتح الرئيس المشاط فرصة للعدو بشأن معالجة تداعيات العدوان والحصار عبر تأكيده بأن الطرف الوطني مستعد لمعالجة أضرار العدوان والحصار، ولكن بلهجة توحي تحذيراً من ضياع هذه الفرصة بعد تصاعد مؤشرات ضياع كُـلّ الفرص التي منحتها صنعاء طيلة المراحل الماضية، لتكن الفرصة الأخيرة هي من تحدّد مصير العدوان والحصار والاحتلال، وقد أعذر من أنذر.
*نقلا عن : المسيرة