في هذه المرحلة الخطرة التي تعيشها المنطقة كلّ المنطقة والسعودية جزء منها ، يأتي خبر من تركيا ليؤكد أن النظام السعودي قام بتصفية "المعارض " جمال خاشقجي، وبغض النظر عن تفاصيل العملية الاستخباراتية الأمنية ومن يقف وراءها والتي نفذها النظام السعودي بحق المعارض جمال خاشقجي،هذا الخبر القادم من تركيا تزامن معه حملة إدانة عالمية بعضها مرتبط بكل تأكيد بسياسة ابتزاز غربية للنظام السعودي وتم ترجمتها على ارض الواقع بحملة مقاطعة رسمية غربية لمُؤتَمر الاستثمار الدوليّ، أو "دافوس الصَّحراء"،المنعقد في السعودية هذه الأيام ،"وهو المؤتمر الذي كان النظام السعودي يراهن "على أنه سيحدث نقلة اقتصادية نوعية سعودية نحو العالمية "، هذه التطورات بمجموعها ،تؤكد أنّ السعودية قد دخلت في مسار مستقبلي قاتم المعالم وخصوصاً في ظلّ تشديد الأحكام القضائية على المعتقلين السياسيين،وزيادة ملحوظة في عددهم ،والذين لا تزال فصول محاكمتهم تلقى إدانات من منظمات حقوقية ومؤسسات دولية وإقليمية ومحلية.
من هنا يمكن قراءة الواقع السعودي المستقبلي على أنّه واقع يتجه نحو المزيد من الفوضى والاضطرابات والتخبط في اتخاذ القرارات الداخلية والخارجية ،وسط حملة ابتزاز مالية غير مسبوقة "بالتاريخ " غربية - اقليمية للنظام السعودي،الغارق بمستنقع الحرب "الظالمة "على اليمن ،والمتابع لمسار الفوضى والتخبط الداخلي السعودي ، والذي يترجم بحملة اعتقالات وتصفية لكل معارض للنظام السعودي ،وبقراءة موضوعية لطبيعة الفوضى الحاصلة في الحالة السعودية وفي هذه المرحلة تحديداً وتداخلاتها، يتضح أنّ الوضع السعودي يعاني من حالة فوضى وتخبّط وأزمة داخلية عسيرة يصعب تجاوزها الآن، ما يدلّ على أنّ المشهد الداخلي السعودي والصراعات السياسية "داخل عائلة ونظام "آل سعود " على الحكم تتجه نحو مزيد من التصعيد، ومزيد من التجذر لحالة الفوضى والتخبط في اتخاذ أي قرار داخلي أو خارجي، فعلى المستوى الداخلي، وكما تتحدّث رموز القوى المعارضة" والذين باغلبهم اليوم يقبعون بالسجون ،وينتظرون تنفيذ احكام قاسية "، تعاني السعودية اليوم أزمة اجتماعية ـ اقتصادية ـ ثقافية ـ سياسية مركبة، فهي تعيش كدولة في حالة فوضى سياسية وتخبط بصناعة القرار السياسي الداخلي والخارجي .
والواضح، اليوم أنّ النظام السعودي ،قد وصل في حواره مع بعض المعارضين لسياسته الداخلية والخارجية إلى طريق مسدود، لذلك من المتوقع أن تفرز حالة انعدام الثقة في السعودية بين المعارضة "المتنامية "والسلطة الحاكمة ، حالات من التذمر المجتمعي في الداخل السعودي ، والتي بدأت تظهر للعيان في شكل واضح، مع محاولة النظام السعودي إضفاء الطابع الطائفي عليها أو إلباسها لبوس الانتماء لجماعة الأخوان المسلمين أو العمل لصالح إيران ، لتحويل الأنظار عن حقيقة الأزمة الاقتصادية ـ البوليسية ـ السياسية المركبة في السعودية.
ومن خلال مؤشرات التخبط السياسي في الداخل السعودي،والذي يستثمره الغرب باستمرار حملة الأبتزاز للنظام السعودي ، نستطيع أن نقرأ بوضوح حجم الأزمة في السعودية وحجم الإفرازات المتولدة عنها، خصوصاً حالة انعدام الثقة بين المعارضة"المتنامية " والسلطة الحاكمة، والتي أنتجت أحداثاً غير مألوفة، تمثلت في تصفية "خاشقجي " ، وفي هذه المرحلة، ومع بروز حقيقة الملفات التي تتحدث عنها رموز المعارضة إلى واجهة الأحداث في السعودية المتمثلة بسياسات الإقصاء والتهميش والأوضاع الاقتصادية والسياسية والقبضة البوليسية ومصادرة حرية الشعب، فإنّ هذه الملفات بمجملها تستلزم صحوة ذهنية وظرفية وزمانية عند العقلاء في النظام السعودي، ليقفوا بجانب الحقّ ويعملوا على إعادة ترتيب البيت الداخلي السعودي، وليبعدوا السعودية وشعبها عن مسار تقاطعات الفوضى التي تعصف بالإقليم العربي وبالمنطقة ككلّ "والتي كان النظام السعودي الحالي من أهم محركاتها "، وعلى رأس هذه الإصلاحات إعادة النظر بالأحكام على المعارضين السياسيين والناشطات الحقوقيات .
ختاماً، إنّ المؤشرات وحجم التخبط في السياسة الداخلية والخارجية السعودية ، تستحق وقفة استشراف للمستقبل من قبل عقلاء النظام السعودي، فالمطلوب منهم اليوم أن يبنوا مساراً جديداً لعملية الإصلاح، بالشراكة مع قوى المعارضة "بدل زج رموزهم في المعتقلات وتصفية بعضهم في الخارج " ، التي ستحفظ السعودية من عواقب أيّ فوضى مقبلة متوقعة مستقبلاً مع ما فيها من مخاطر على كلّ السعوديين، لأنّ التعنت ومحاولة تأجيل مسار الإصلاح وربطه مع ملفات أخرى عالقة في الإقليم، لن يفرز إلا الفوضى والمزيد من الفعل وردود الفعل ، مع ما يصحب كل هذا وذاك من استمرار حملة الابتزاز المالي الغربي للنظام السعودي.