قبل فترة لم يكن لديّ عاقل حارة. كنت أقطن في المنتصف بين حارتين، كل حارة لها عاقل خاص بها. وأنا في المنتصف خارج سيادة التوزيع الشهري للغاز. أذهب إلى الحارة الشمالية وأنا متعتل أسطوانة الغاز على ظهري، يستقبلني عاقل الحارة بسؤال: أنت ساكن عندنا بالحارة؟!
بتلقائية أرد عليه: أيوة.
يسألني مرة أخرى: في بيت من ساكن؟!
أرد عليه: في عمارة فلان، الكبيرة!!
يرد علي: هذه ليست تابعة لي بتوزيع الغاز!
أسأله: طيب والحل؟!
يقول لي: اذهب إلى فلان، عاقل الحارة الثانية!...
أرد عليه: ذهبت إليه عدة مرات، وقال لي إني لست تابعاً له، وطلب أن آتي إليك!
يقول لي: إلا أنت تابع له، روح لعنده قل له إنك مرسل من عندي!
قلت له: الصدق، تعبت وأنا أبحث عن عاقل حارة لأسطوانة الغاز! أنا عاقل نفسي ولست بحاجة عاقل! يا أخي عبي لي أسطوانة الغاز حقي هذه المرة حتى يحول الله لنا بعاقل!
نظر إليّ وأبدى موافقته، وقال: الغاز سوف يتأخر إلى الأسبوع الثاني!
قلت له: سهل، ننتظر!
وناولته الزلط سبعة آلاف ريال، وطلب مني أن أضع الأسطوانة الفارغة في البقالة التي بركن الحارة.
ذهبت ووضعت الأسطوانة في البقالة وأخبرت صاحب البقالة أن العاقل فلان طلب مني أضع الأسطوانة الفارغة عنده. أبدى موفقته ووضعتها وغادرت عائدا إلى المنزل.
مضى أسبوع، أسبوعان... شهر. فذهبت إلى العاقل، وقلت له: ما تزل أسطوانتي فارغة وموجودة في البقالة، وأنت قد عبيت للناس مرتين، والآن قد نحن في التعبئة الثالثة منذ أن تركت أسطوانتي في البقالة!
قال لي بكل وقاحة: سعر الغاز ارتفع!
قلت له: يا أخي عبي الأسطوانة حقي وأنا أوفيك الزلط!
وفورا وفيته ألفي ريال فوق المبلغ السابق، وغادرت على أمل أنه سيعبي لي الأسطوانة.
مضى شهران وما تزال الأسطوانة فارغة! ذهبت إليه وأنا غاضب، وقلت له بالحرف: تفتكر انك لعبت واحتلت عليَّ؟! أستطيع أسترجع زلطي!
قال لي: بارجع لك حقك الزلط!
رفضت ذلك، وقلت له: لا أريد الزلط، فهي ثمنك. عدت أحمل أسطوانتي الفارغة وذهبت ليلا إلى العاقل الآخر في الحارة جنوبا والتي كنت أسكن فيها سابقا قبل انتقالي للسكن في المنتصف، وبدون عاقل.
وصلت إليه وقلت له: هل ستعبي لي الأسطوانة حقي؟! ثم شرحت له عملية النصب التي قام بها العاقل الآخر. كان صامتاً وأنا أحدثه، ثم انتقلت أحدثه عن حظي المدبر من حين كنت في القرية، وقلت له: أنا هنا أسكن في المنتصف بينك وبين عاقل آخر، وكلاكما لا تعترفان بي ولا تريدان أن تقع أسطوانة الغاز تحت سيادتكما!
واستطردت أحدثه عن قريتي، وقلت له: زمان كان أبناء قريتنا كل مرة في الانتخابات يذهبون للانتخاب في مركز ولم نعرف نحن نتبع أي مركز. وحتى قريتي “حباجر” تقع بين ثلاث عزل إدارية، عزلة الأصابح وعزلة العزعز وعزلة الزكيرة. وإذا لم تقم بتعبئة الأسطوانة حقي أقسم بالله سأعود إلى تعز وقريتي وأستقل بها وافعلها دولة!
ضحك العاقل حينها، وبالمصادفة اكتشفت أن لديه محلاً حوّله إلى مكتب، وعندما كنت أحدثه شاهدت صحيفة “لا” مطروحة أمام مجلسه. فسألته: تقرأ صحيفة “لا”؟! قال لي: نعم، أشتريها أغلب الأيام. وكانت الصدفة أن الصحيفة الموجودة حينها كانت حق عدد الأربعاء، وكان مقالي في صفحتها الأخيرة. قلت له: تتابعني؟! قال: أين؟! قلت له: هذا أنا! قال: أنت عمر القاضي؟! وضحك، ثم أردف: خلاص، من الآن وصاعدا اعرف أسطوانة مليانة كلما تكمل حقك! رددت عليه: مش أول نعبي هذه الموجودة؟! قال: الحقني! ولحقت بعده وأخرج لي أسطوانة مليانة، وقال لي: أنت تحت سيادة حارتنا!
* نقلا عن : لا ميديا