منصور البكالي*
يجد المتتبع لفكر الشهيد الرئيس صالح علي الصماد حضوراً كبيراً للقضية الفلسطينية واهتماماً بالغ الأثر، فلا تكاد تخلو مناسبة أو حديث دون أن يكون للشهيد الصماد حديث عن فلسطين وقضيتها المحورية.
ويعد الشهيد الصماد من أبرز رموز المسيرة القرآنية، المتشبع سياسياً، وفكرياً، وثقافياً، حيث خاض المعترك الثقافي، بتمكن ومهارة كبيرة، عكستها جماهيريته الواسعة منذ توليه رئاسة المجلس السياسي الأعلى إلى لحظة استشهاده سلام الله عليه، ففي كلمة ألقاها في مسيرة إحياء يوم القدس العالمي بتاريخ 1/7/2016م بالعاصمة صنعاء، يحدد الشهيد -رضوان الله عليه- معايير ومؤشرات لقياس حالة الأمة ومستويات تقدمها ونهضتها أو العكس، معتبراً القدس والقضية الفلسطينية هي البوصلة التي تؤشر على ما إذا كانت الأمة تسير في الاتجاه الصحيح أم في الاتجاه الخاطئ.
ويرى أن القدس هي المعيار الذي نقيس من خلاله مستوى تقدم العرب والمسلمين أو تراجعهم، مستوى تغلبهم أو نهضتهم، مستوى استقلالهم أو تبعيتهم، مستوى تطورهم أو ترديهم"، وهذا ما هو واضح وجلي تجاه العدوان الإسرائيلي الأمريكي على غزة، والعدوان الأمريكي البريطاني على اليمن بسبب مساندته لغزة، وكيف ضبطت فلسطين بوصلة الحكومات العربية والاسلامية وأولوياتها واهتماماتها.
لقد جعل الشهيد -سلام الله عليه- قضية القدس هي المؤشر الذي يختزل بداخله كل مؤشرات التقدم والتخلف، وبهذه المعادلة يشخص الشهيد الرئيس الصماد حالة الأمة، وهو يقول: "لدى كل الشعوب والأمم جملة من المقاييس والمؤشرات، الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والثقافية والصناعية تعتمدها لمستوى تقدمها وتطورها المادي والمعنوي، وبالنسبة للعرب فإن قضية القدس هي المؤشر الذي يختزل بداخله كل مؤشرات التقدم والتخلف"، لافتاً إلى أن قضية فلسطين هي القضية الأساس للأمة وبوصلتها التي يجب أن تتجه نحوها للوقوف مع الشعب الفلسطيني.
ولهذا فقد كانت رؤية الشهيد الصماد بالنسبة للأنظمة العربية التي تمتلك أعظم ثروات الأرض وتسيطر على رقعة جغرافية استراتيجية، أن تتوجه لمواجهة الكيان الصهيوني، وتحرير أرض فلسطين، وكأنه يقول لهم اليوم ومنذ بدء العدوان على غزة أن الواجب عليهم فك الحصار وادخال المساعدات وتقديم العون بالمال والرجال لفصائل المقاومة الفلسطينية، ومنع تصدير النفط للدول المساندة لكيان الاحتلال.
في فكر الشهيد الصماد يعتبر القدس والقضية الفلسطينية هي رمزية أعم وأشمل من دلالاتها المكانية وتعبيراتها الروحية، لتشمل الوضع الشامل للعرب والمسلمين، وتمتد لكل المجالات السياسية والاقتصادية والمعرفة والثقافية والاجتماعية والعسكرية".
خروج مميز مع فلسطين
ويعتبر الشهيد الصماد الخروج الجماهيري اليمني المناصر للقضية الفلسطينية، وخاصة أثناء إحياء يوم القدس العالمي هو امتداد للموقف الأصيل والمبدئي للشعب اليمني تجاه القضية الفلسطينية، قضية الأمة المحورية والكبرى، لافتاً إلى أن ذلك الخروج الكبير والمشرف، تحت وطأة العدوان والحصار يدل على عظمة الشعب اليمني الذي لم يكن يوماً رغم حجم المآسي والمعاناة التي طالت كل أبنائه جراء العدوان السعودي الأمريكي الغاشم الذي استهدف كل شيء في هذا البلد خانعاً أو صامتاً تجاه القضية الفلسطينية، بل ها هو اليوم يترجم أقواله إلى أفعال وهو يشارك اخوانه وأهله في قطاع غزة الصمود والمعاناة، ويشاطرهم الألم والأمل، والمعركة على حد سواء.
ويرى الشهيد الرئيس الصماد أن البلدان العربية لم تمتلك قرارها ولا تزال تحت الهيمنة غير المباشرة، والدليل على ذلك هي القضية الفلسطينية التي بقيت شاهداً حياً على أن قضية التحرير والاستقلال بقيت ناقصة ما لم تنجز الأمة التحرير الأكبر والشامل، وما لم تكن مستقلة ثقافياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
ويقول الشهيد الصماد إن أبناء الشعوب العربية استطاعوا طرد بريطانيا وفرنسا من كل الأراضي العربية والإسلامية، حينها، وبعد أن نالوا استقلالهم عجزوا عن فعل أي شيء للقدس وفلسطين، ووقفت حكوماتهم عاجزة أمام حفنة من الصهاينة، كما هو حالهم اليوم"، موضحاً أن السبب في ذلك يعود إلى أنها وإن تحررت من الاستعمار المباشر بقيت تابعة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً للاستعمار، وأنها لم تنجز الاستقلال الشامل، مشيراً إلى أن قضية فلسطين هي مؤشر يشخص حالة التخلف والعجز العربي والإسلامي، وهي تشخص حالة الاستقلال المنقوص، وتشخص حالة الهوان والإذلال التي يمارسها هذا الكيان.
ويستشرف الصماد المستقبل العربي في ظل وجود الكيان الصهيوني الغاصب منذ زمن مبكر، مشيراً إلى أن هناك ارتباط مصيري بين وضع القدس وفلسطين وبين وضع العرب والمسلمين، قائلاً:" كلما كانت القدس في خطر كلما كانت الأمة في خطر، وكلما تراجعت مكانة القدس والقضية الفلسطينية في الخطاب السياسي والإعلامي العربي والإسلامي كان ذلك شاهداً على تراجع خطير في جميع المستويات".
وعلى المسار ذاته ينصح الشهيد الصماد الحكومات العربية بتوجيه الطاقات والقدرات نحو مصدر التهديد الحقيقي ممثلاً بالكيان الغاصب قائلاً:" العرب لم يوجهوا الطاقات والقدرات نحو مصدر التهديد الاستراتيجي لهم، والذي كان ولا يزال، هو الخطر الصهيوني، لافتاً إلى أن العرب استنزفوا مواردهم وطاقاتهم على المعارك والخلافات الداخلية وصراعات لا يمكن أن تصل بالأمة إلى الاستقرار الداخلي ولا علاقة لها بالأمن القومي العربي".
ويحذر الشهيد الصماد من إثارة الفتن بين الشيعة والسنة وتأجيج الصراع بين العرب والفرس وإعادة تقسيم المنطقة على أساس ديني وطائفي مذهبي، مبيناً أن الهدف منه هو تسويغ أطماع كيان الاحتلال الصهيوني، وتأسيس، دولة قومية لليهود وفرض هيمنتهم على تلك الدويلات الهشة الضعيفة والمتنازعة، كما هو واقع الحال اليوم".
ويؤكد الشهيد الصماد قبل 8 أعوام أن ارتهان أغلب أنظمة العمالية للكيان الصهيوني وحاميته أمريكا ساهمت بشكل كبير في تمكين الصهاينة من إحكام سيطرتهم على أرض فلسطين، وأن الكثير من الأنظمة وفي مقدمتها النظام السعودي اتجهت بعد أن مكنت الكيان الصهيوني من السيطرة على أرض فلسطين لإزالة أي حجر عثرة قد تشكل تهديداً للكيان الصهيوني ولو بعد حين، وأن الأنظمة العربية وصل بها الأمر إلى أن يتآمروا على حركات المقاومة الفلسطينية وحركات المقاومة في المنطقة التي بدأت تهدد الكيان الصهيوني، وشكلت نواة حقيقية لتحرير فلسطين، فساهمت في قمعها وحصارها أكثر وأسوأ مما قام به الصهاينة، كما هو الموقف السعودي الاماراتي تجاه حركة حماس وحزب الله".
وعن ثمن المواقف اليمنية المشرفة تجاه القضية الفلسطينية يقول الصماد: "إن ما يتعرض له الشعب اليمني من عدوان وحصار مستمر إلى اليوم، هو امتداد لمشروع العمالة والارتهان الذي يمثل كبره النظام السعودي في استهداف كل صوت حر شريف يتحرك لاستنهاض الأمة، وأن النظام السعودي ينصب نفسه درعاً حصيناً وحامياً للكيان الصهيوني، ويعمل كل ما بوسعه للوقوف في وجه الشعب اليمني لإثنائه عن تبني مشروعه الحضاري والتنويري لمواجهة الخطر الأمريكي والصهيوني، إلا أن عنفوان هذا الشعب العظيم وقيمه و أصالته تجاوزت كل هذه المؤامرات لتجعل من فلسطين هي القضية الأولى في اهتماماته".
*نقلا عن : المسيرة نت