عادةً ما كانت تأتي أجواء شهر رمضان المبارك في كُـلّ عامٍ على قطاع غزة، بكثير من الأجواء الروحانية والطقوس الاجتماعية، بحيث تشاهد السرور والفرحة ترتسم على وجوه الجميع وتعم الناس صغاراً وكباراً، وترى تحضيرات واستعدادات وزينة وفوانيس وأضواء ومأكولات وحلويات ومشروبات، ومراسم اجتماعية ودينية متعددة ترافق هذا الشهر الفضيل من أوله لآخره.
لكن هذا العام حَـلّ عليهم شهر الله الفضيل وقد حرمهم الاحتلال الإسرائيلي من حقهم في إحياءه على الوجه الذي تعودوه سائر الأعوام، إذ أن عشرات الآلاف بل وعائلات بأكملها قتلت ولم تشهد هذه الفرحة، ومئات الآلاف الآخرون من الجرحى الغارقين بجراحهم ودمائهم لا زالوا ينتظرون العلاجَ والخلاص من عذاباتهم، أما باقي أهالي غزة فها هم يعضون على الجراح ويتحدون الاحتلال وعدوانه في إحياء شعائرهم ولو بين الأنقاض والردم.
ورغم المرارة والقهر والألم والجوع وقسوة المعتدي وصلفه وتنكر العالم وأممه؛ ومن بين الأنقاض والركام وعلى رائحة البارود والدماء والدخان، وتحت شظايا القصف وأزيز الرصاص وهدير الطائرات؛ يعيش الغزاويون فرحتهم يعيشون أجواء رمضان المبارك، يفترشون الأرض والشوارع لإقامة الصلاة، ولم يتركوا المساجد خالية بل أشعلوا فيها القناديل متحدين عتمة المحتلّ الباغي وظلامه الذي فرضه على القطاع.
“رمضان كريم من غزة للعالم رغم الحرب والجوع”.. جدارية ملونة في غزة رسمت احتفاء بالشهر الفضيل، وعلى الرغم من أن الاحتلال لم يبق لأهل القطاع ولا مسجداً سالماً ليحيوا فيه شعائر الشهر الكريم؛ تسمع في الأرجاء صوت الأذان من عشرات المساجد المدمّـرة وتعلو منها أصوات الصلوات والدعاء.
هُناك.. في مخيمات النازحين ومراكز الإيواء حضرت زينة شهر الله لتضيء الخيام وسط فرحة للأطفال وابتسامات الأهالي بحلول الشهر الفضيل، وإن كانت باهتة ابتساماتهم إلا أنها اختزلت صموداً وثباتاً لا نظير له في هذا العالم، وتراهم يتقاسمون بينهم إفطارهم الشحيح كما تقاسموا مرارة معاناتهم الهائلة.
هنالك.. أطفال في عمر الزهور يلعبون ويحلقون كالعصافير الجريحة حول الخيام، قذفت بهم أُمهاتهم إلى أماكن غير بعيدة علهم ينسوا الشعور بالجوع لبعض الوقت، لكنهم من فرط إسرافهم في التحديق إلى السماء، والتحليق بحثاً عن الماء؛ يعودون جائعون؛ فهل سيكون لديهم طعام للإفطار والسحور؟ وهل ستظل تلك حالهم طيلة الشهر الكريم أيها الأعراب المتخمون؟!
إن كان كيان الاحتلال الإسرائيلي حاصرهم ودمّـر أرزاقهم ومحاصيلهم ومنع عنهم كُـلّ شيء، فالصامتون على ذلك يمنعون عنهم حق العيش الأدمي بتخاذلهم وجبنهم، أما صيامهم عن الطعام والشراب فقد جعلهم الاحتلال وداعموه الأمريكي والغربي، يعيشونه منذ أكثر من ستة أشهر والعالم لا يزال يتفرج ويشجب ويندّد.
*نقلا عن : موقع أنصار الله