لم تمض سوى ساعات قليلة على خطاب "الوعيد" الذي ألقاه قائد الثورة اليمنية، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وأطلق فيه معادلة "القادم أعظم"، حتى جاءت العملية الأضخم منذ بداية طوفان اليمن البحري، بإعلان القوات المسلحة اليمنية استهداف عددٍ من المدمرات الحربية الأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن، بـ 37 طائرة مسيرة، ضمن عمليتين "حققتا أهدافهما بنجاح"، وفق العميد سريع.
هذه الاستجابة السريعة من القوات المسلحة اليمنية، عبر مختلف تشكيلاتها (البحرية والصاروخية وسلاح الجو المسير) في ترجمة تهديدات القيادة ومعادلاتها، توحي في عدة أمور، وتوصل عدداً من الرسائل:
- العمليات البحرية اليمنية دخلت مرحلة جديدة من التطوير، وكثافة النيران.
- امتلاك اليمن خطوط إنتاج متعددة لصناعة الطائرات المسيرة والصواريخ البحرية، ومخزوناً كبيراً من الطائرات المسيرة والصواريخ البحرية.
- تأكيد فشل العدوان الأميركي البريطاني على البر اليمني، وفشل ادعائه "تحييد التهديد اليمني" والحد من قدراته.
- عرض القوة لإيصال رسالة إلى الأميركي مباشرة مفادها أن القوات اليمنية قادرة على إغراق قطعه العسكرية في البحر.
- والأهم تثبيت المعادلة اليمنية ضمن مسار تصاعدي لدعم غزة، وخصوصاً بعد فشل مفاوضات القاهرة، والإصرار الأميركي الاسرائيلي على مواصلة جرائم الإبادة وسياسة التجويع.
واشنطن تقر بالفشل
أمام استمرار العمليات اليمنية وتصاعدها بصورة ملحوظة، تقرّ دوائر صنع القرار الأميركي بالفشل العسكري والاستخباري أمام العمليات اليمنية، وبينها قائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا، الذي اعترف في جلسة استجواب داخل أروقة الكونغرس بأن "المسيرات اليمنية ذات التكلفة المنخفضة من أكبر التهديدات التي تواجهها أميركا في المنطقة، وأن الهاجس الأكبر هو الأسراب منها"، متمسكاً بالخطة المعمول بها حالياً على رغم فشلها الواضح في التأثير في قدرات اليمن وخياراته، وخصوصاً في ظل الفشل الاستخباري الأميركي في معرفة قدرات صنعاء وفق ما كشفه مسؤولون أميركيون لشبكة cnn الأميركية، مؤكدين قلقهم من نوعية الأسلحة التي يملكها اليمن.
ما يضاعف القلق الأميركي والبريطاني والإسرائيلي أكثر، هو حديث السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، عن " مواصلة تطوير القدرات العسكرية... على نحو يتيح تنفيذ عمليات نوعية وصادمة للعدو"، ووعيده بأن "القادم أعظم" بعد أن قدم حصيلة صادمة عن عدد عمليات القوات المسلحة اليمنية والصواريخ والمسيرات، وعدد السفن الإسرائيلية والأميركية والبريطانية التي تم استهدافها منذ بداية طوفان الأقصى، إذ إن هذه التهديدات شكلت طوفاناً جديداً من الحرب النفسية الصادقة، وأدخلت الأميركي في دوامة لامتناهية من الفرضيات غير المعلومة عن "القادم الأعظم" وما يحمله من مفاجآت، لناحية الأسلحة، ونوعيتها، وبنك الأهداف، وإن كانت برية، أو بحرية، أو جوية.
كل هذه الأمور غامضة، ولا يُعلَم بشأنها شيء، وهي متروكة للميدان على قاعدة: الفعل أولاً، كما أكد "ملك الحرب النفسية" إن جاز لي توصيف السيد عبد الملك بهذا الوصف، وخصوصاً أنه تحدث عن "نتائج وإنجازات ذات أهمية استراتيجية" (يعني الأهداف من دون أن يحدد ما هي: برية، أم بحرية، أم جوية؟).
وتحدث عن "قدرات تجعل بلدنا في مصاف دول محدودة في هذا العالم" (كسلاح كاسر للتوازن)، ويبقى الأمر مجرد تحليل لا يستند إلى معلومات.
ما بات معلوماً لدى الأصدقاء والأعداء معاً، أن هذا الرجل لا يقول كلاماً أجوفَ، ولا يطلق التهديدات جزافاً، بل يعي ما يقول جيداً، ويملك القدرة والقرار، والتجربة تشهد والميدان يشهد أيضاً. قال: "حاضرون لدعم فلسطين"، وحضر عملياتياً بأكثر من 444 صارخاً ومسيرة حتى لحظة كتابة هذا المقال. قال إن "أعيننا مفتوحة لرصد السفن الإسرائيلية ومنعها من المرور عبر البحر الأحمر"، ومنعها فعلاً. حذّر الأميركي من أن التورط في الاعتداء على اليمن يعني إدراج السفن والبوارج الأميركية ضمن دائرة الاستهداف، وأدرجها ضمن دائرة الاستهداف، وفعل بأن تم استهداف نحو 65 سفينة ومدمرة أميركية وبريطانية حتى لحظة كتابة المقال.
والأميركي والبريطاني والإسرائيلي يدركون جيداً ماذا يعني استهداف هدف متحرك في البحر، ويدركون الدقة العالية للأسلحة المستخدمة، على رغم الانتشار العسكري الواسع، أميركياً وبريطانياً وأوروبياً، وعلى رغم التعقيدات الفنية والتقنية والجغرافية في ميدان بحري واسع يمتد على مسافة أكثر من 2000 كم من البحر الأحمر إلى باب المندب، وخليج عدن وصولاً إلى بحر العرب.
وحتى لا يكابر الأميركي أكثر، ويغرق أكثر في مياه اليمن ويعرّض نفسه للمهانة أكثر، يفترض أن يوفر على نفسه الوقت والتكاليف المادية والمعنوية بأن يبحث عن المخارج السياسية من هذه الورطة وهذا المأزق، عبر إيقاف العدوان فوراً على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية، على نحو يكفي حاجة سكان غزة، من دون لف ولا دوران، ولا ميناء عائم ولا حلول عائمة.
هذا هو المخرج الوحيد لتجميد معادلة البحر، وعلى الأميركي جيداً أن يدرك أن من قدم إلى فلسطين خلال خمسة أشهر، شعبياً وعسكرياً، أكثر مما قدمه إلى نفسه خلال ثمانية أعوام، لا يمكن، في أي حال من الأحوال، أن يتخلى عن فلسطين، ولا عن غزة، ولن يتوقف الإسناد، وهناك دموع تُذرَف ودماء تنزف، وأمعاء خاوية. ومن يراهنوا على "العجة والبيض" فهم يراهنون على وهم وسراب، وعليهم أن يتعظوا من التجربة، وأن يقرأوا تاريخ اليمن جيداً. فمن لم يؤدّبه الزمن فسيؤدبه اليمن.
* نقلا عن :الميادين نت